• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

حين نتحدث عن العقدة المصرية، فنحن لا نعني أبداً الشعب المصري العظيم الذي كان على الدوام منحازاً لقضايا أمته. تشهد بذلك تضحياته ومواقفه، بل نتحدث عن مواقف النظام الحالي، الذي تنسجم معه آلته الإعلامية، إلى جانب مجلس الشعب الذي تم انتخابه على مقاسه من دون وجود داخله أصوات تغرد خارج السرب.

لم يعد سراً ولا تحليلا القول إن النظام يتواطأ مع أكبر مشروعين يهددان الأمة العربية؛ المشروع الصهيوني الذي يحظى بعلاقات حميمة غير مسبوقة معه، والمشروع الإيراني الذي يحظى منه بتواطؤ بات مفضوحاً أيضاً، ويتجلى في أوضح صوره في الموقف من نظام بشار الذي يراه خامنئي ركن المشروع.
ولكن لماذا يفعل النظام المصري ذلك؟
سؤال بالغ الأهمية، لا لشيء إلا لأن المنطق الطبيعي أن الكيان الصهيوني هو خطر استراتيجي على مصر مهما قيل عن معاهدة سلام بين البلدين، لا سيما أننا نتحدث عن دولة تطمح في تسيّد المنطقة، وليس العيش بسلام فقط، وحتى نظام مبارك كان يدرك ذلك، وهو ذاته من تحالف مع السعودية وسوريا (قمة الإسكندرية منتصف التسعينيات) من أجل وقف موجة التطبيع العربية بعد أوسلو ووادي عربة، وهو ذاته الذي ساعد في الحد من التطبيع الشعبي. وهذا الجانب ينطبق على إيران التي تطمح أيضاً في تسيّد المنطقة عبر استخدام الأقليات الشيعية، وعبر النفوذ السياسي الذي يذهب بعيداً في طموحاته أيضاً.
في الحالين، فإن المشروعين يهددان دور مصر وحضورها؛ هي التي ينبغي أن تقود الوضع العربي، كمحور كبير، بل الأكبر في المنطقة، إلى جانب تركيا وإيران والكيان الصهيوني أيضاً.
السبب الأهم هو أننا إزاء نظام يعبر عن هواجسه الذاتية؛ وفي المدى القصير، حيث تتلبسه عقدة الشرعية من جهة (نتنياهو يوفر له شرعية دولية)، وتسكنه المناكفة مع دولة مثل تركيا تأوي معارضيه، ويغيظها بتعاون مع إيران، خاصة في سوريا، فضلا عن موقفه الحدي من أية ثورة شعبية، كونه جاء انقلاباً على ثورة.
هذا من جانب، أما الجانب الآخر بالغ الأهمية، فهو أنه يرى هذا الموقف؛ التواطؤ مع الصهاينة ومع إيران يحقق له جملة من المكاسب، ولا يكلفه شيئاً.
فمن جهة لا يُعد الموقف من الكيان الصهيوني إشكالياً لأي طرف، بل بالعكس يقرّبه زلفى من أميركا والغرب، وحتى روسيا، في حين يمثل التواطؤ مع إيران رغبة لأميركا والكيان الصهيوني، لأنه يغريها بالمزيد من المغامرة التي تستنزف الجميع، ويقرّبه من روسيا الواهمة بتوسيع النفوذ من خلال سوريا، في ذات الوقت الذي يمنحه ثمناً مغرياً من إيران، بدءاً بالنفط العراقي الرخيص، وليس انتهاءً بمساعدات تحت الطاولة، سيأتي وقت تنكشف بعض تفاصيلها.
سيقول البعض: لكنه بهذا الموقف يضحي بالعلاقة مع دول الخليج التي قدمت له الكثير، ويمكن أن تقدم. والرد أن هذا الكلام ليس دقيقاً؛ أولا لأن الأخيرة ليست موحدة في الموقف منه، بل حتى من إيران، وبالتالي لن ينقطع الدعم إلا بشكل غير كامل من السعودية، وهو ما ستتكفل إيران بتعويضه بأثمان أكبر. 
هل ثمة حل لهذه المعضلة الكبرى التي يعانيها الوضع العربي؟ لا يبدو في ظل ضعف المعارضة لسياساته في الداخل، وانشغال معارضة الخارج وصوتها في الداخل في مواجهة آلة القمع بعيداً عن الاهتمام بالملف الخارجي، وإن دعونا لاهتمام أكبر، وهو ما سيفرض على من يواجهون العدوان الإيراني كلفة أكبر، وسيطيل النزاع ونزيف الجميع؛ بما في ذلك إيران، لمدة أطول.;

أضف تعليقك