• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لم يكن مفاجأة أن يكون هاتف رئيس أركان الجيش المصري تحت المراقبة، إنما المفاجأة في أن يهان الرجل، ويُمسح بكرامته استوديو قناة "صدى البلد" ، فلا ير قادة الجيش في هذا ما يمثل إهانة لهم، وكأنه لم يكن يوماً ينتمي إلى خير أجناد الأرض، وهي الدعاية التي كان يتم رفعها في وجه من رفضوا الانقلاب العسكري.

لقد حصحص الحق، وتبين أن التسجيلات التي أذيعت، لم يكن المستهدف بها الإساءة فقط للدكتور محمد البرادعي، ولكن الإساءة قصد بها الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري سابقاً، رغم أن التسجيل كان بين الرجل الذي يمثل سلطة الحكم، وبين أحد قيادات الثورة، ولم يكن فيه ما يسيء لأي من الطرفين، إلا إذا اعتبرنا أن الجريمة في مجرد الحديث مع البرادعي الذي يتم تشويهه الآن، فات أهل الحكم، بأن البرادعي إذا كان عميلاً ويفتقد للوطنية كما يروجون، فقد كان حليفهم، وجلس على يسار السيسي وهو يعلن بيانه الانقلابي، بل وأصبح نائباً للرئيس، وفي حكومة كان السيسي "رمز الوطنية" وزيرَ الدفاع فيها!

لقد تبين أن سامي عنان مقصود لذاته، ذلك بأنه فكر في خوض الانتخابات الرئاسية الماضية، ولا يزال الحلم يراوده في خوض الانتخابات القادمة، فتقرر استباحته، ليس فقط ببث اتصال هاتفي بينه وبين البرادعي، ولكن في توجيه الإهانة، على النحو الذي حدث من "أحمد موسى"، الذي تحول إلى شبيح يهدد ويتوعد، ويقول لو تكلم عنان فإنه "سيعوره" ، وهي لغة لا تصدر إلا من بلطجي يحمل مطواة "قرن غزال" ويهدد فريسته!

اللافت أن سامي عنان لم يكن قد نطق أصلاً، ولم يكن قد استنكر أن يكون هاتفه تحت المراقبة ويتم السماح ببث مكالمة له، في ظل سلطة يترأسها جنرال، وتمثل الحكم العسكري في أوضح صوره، ليؤكد هذا أن الترويج لفكرة "قدسية الجيش" ، إنما كانت تعني اختزاله في شخص عبد الفتاح السيسي، فهو وحده المقدس، ولا مانع أن يطلق على غيره وإن كانوا يحملون أكبر الرتب العسكرية "كلاب السكك" لينهشوا لحمه، ويستبيحوا عرضه!

وإذا كان سامي عنان لم ينطق، ولم يُدن ما جرى، فإن هذا يجعلنا نقف على مثل هذه الشخصيات الضعيفة التي تستمد قيمتها من الزي العسكري، فإذا حملت على خلعه تفتقد القيمة والمكانة، وقد وقفنا على هذا الضعف سابقاً، عندما فكر في خوض الانتخابات الرئاسية، ووجد سيارة تراقبه، فقد سار بسيارته في الممنوع، ليحرر بلاغاً في قسم الشرطة ضدها، وفي المخفر تجاهلوا كلامه وحرروا ضده محضرًا بمخالفة قواعد المرور بالسير في الممنوع، فوصل التحذير له فإذا بهذا "الهليمان العسكري"، كأنه عهن منفوش، لتصل رسالة أخرى بعد ساعات استغلالاً لحالة الهلع التي تمكنت منه، بأن عليه أن يعلن الآن وحالاً تنازله عن فكرة الترشح فيدعو لمؤتمر صحفي في التو واللحظة ويعلن ما طلب منه، ووقف خلفه حاملو رسالة السيسي، وهم اثنان من الصحفيين، وكأنه إعلان تحت الوصاية!

عنان يعلم أن قدره كان يستمده من موقعه العسكري، وليس من ذاته، وإنه بمغادرة الموقع فإنه لا قيمة له ولا شأن، وهذا هي النوعيات التي اختارها مبارك لتمثل أركان حكمه، ويوم أن يغادر عبد الفتاح السيسي القصر الجمهوري فإنه لن يتنفس إذا تمت استباحة سمعته، ولن يجد أحد يغضب باعتباره كان في يوم من الأيام قائداً للجيش، لنترحم على زمان دخل فيه وزير الداخلية شعراوي جمعة السجن، ولكنه عندما كان يذهب لوزارة الداخلية أو لأمن الدولة لإنجاز بعض الأمور الخاصة به فقد كان يفرش له السجاد الأحمر تقديرا واحتراماً، ونفس الاستقبال كان يحدث لوزير الحربية الفريق محمد فوزي بعد خروجه من السجن أيضاً، عندما كان يذهب لوزارة الدفاع!

لم تكن المكانة هي للوزيرين السابقين، ولكن هناك رجال في المواقع العليا كانوا يعرفون في "الأصول" ، ويرون في احترام القيادات السابقة احتراماً للنفس أولاً، فخلف من بعدهم خلف أهين أحد قيادات الجيش على هذا النحو، فجرى التعامل معه على أنه مثل "خيل الحكومة" الذي يضرب بالرصاص بعد بلوغه السن القانوني!

ولم تكن قناة "صدى البلد" لتتجرأ على رئيس الأركان السابق، ولم يكن مقدم البرامج المذكور بها ليفعل، لولا أن هناك أمر له من مكتب عبد الفتاح السيسي شخصياً!

إنه نهج سلاطين الدولة المملوكية!

أضف تعليقك