• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

محادثتان ومضمون واحد. الأولى بين نقيب الباعة الجائلين في مصر والباحث الإيطالي الشاب، جوليو ريجيني، والثانية بين عبد الفتاح السيسي، طاغية مصر الذي يحكم بموجب الرضا الأميركي والحماس الإسرائيلي، ودونالد ترامب، مزحة الانتخابات الأميركية التي تحولت إلى واقع كابوسي، يقلق الأميركيين، كما يقلق العالم كله.

روى السيسي ما دار في المكالمة التي تلقاها من عطوفة والي أميركا الجديد، بكل فخر قائلاً "كان فيه اتصال امبارح مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقالي الاقتصاد بتاعكم أخباره إيه، قولتله إحنا بنقاتل وحدنا منذ 40 شهراً، والمصريين صامدين وقادرين، وبسجل الكلام ده، دلوقتي العالم كله عارف بنعمل إيه".

نقيب الباعة الجائلين الذي سلم ريجيني للأمن المصري، بعد أن سجل له محادثةً بينهما، ظهرت على أثرها جثة  الإيطالي ممزقةً ومشوّهة المعالم، قال للشاب ريجيني إن أحواله الاقتصادية بائسة، وإنه لا يجد نفقات علاج ابنته وزوجته المصابة بالمرض "الوحش"، ويريد المساعدة.

الفارق بين ريجيني وترامب أن الأول كان يتحدّث إلى من وشى به بكل التحضر الإنساني، وبروح تعاطف حقيقي مع الشخص الذي أبلغ عنه. بينما ترامب يداعب مناطق الشر في قاتلٍ محترف، يلبي رغبات ترامب، ويظهر ولاءه الكامل لقيم العنصرية والهمجية والفاشية الشريرة التي تتجسّد في حاكم الولايات المتحدة، القادم، مثل السيسي، على هوى العنصرية الصهيونية، والذي أعلن، قبل تنصيبه رسمياً، أن مهمته الأولى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مدشناً اعترافاً بشرعية الاحتلال والإجرام والاغتصاب.

يتحرّك السيسي كبائع متجول في شوارع وأزقة الاستبداد والعنصرية، يعرض سلعاً رديئة مغلفة بعبارة "للاستعمال في تجارة الحرب على الإرهاب"، ويطرح نفسه للبيع أو الإيجار، في السوق الترامبية الناشئة، بعد أن أبلى بلاءً حسناً في تلبية طلباتٍ لليمين الصهيوني، بشكل كامل، وقدّم عينات مجانية لليمين المهووس بالإسلاموفوبيا في كل مكان في العالم.

في كلمته بالأمس، في ذكرى الخامس والعشرين من يناير ، لم يأت ذكر السيسي ثورة المصريين في هذا اليوم، قبل ست سنوات، إلا باعتبارها أحداثاً للوقيعة بين الشعب والشرطة، وبين الشعب والجيش، فيما انصرف باقي كلامه إلى اختصار التاريخ كله في التفويض الذي طلبه في يوليو/ تموز 2013، لكي يرتكب سلسلة مجازره ضد المصريين، وثورتهم، تحت شعار مواجهة العنف والإرهاب المحتمل.

يأخذ السيسي ثيمة الأربعين شهراً من محتوى مكالمته مع ترامب، ليقول" اسمحولي أني أتوقف عند هذه النقطة، وأتحدث إليكم، وأفكّر حضراتكم وجميع المصريين أن المصريين، عندما خرجوا يوم 26 يوليو للتفويض، كانوا يعلمون تماما حجم التحدّي الذي أقدمنا عليه.. هذا التحدّي المستمر. منذ أكثر من 40 شهراً، نخوض معركة شريرة وخبيثة، أما من جانب رجال الشرطة معركة شجاعة نبيلة".

لا يعترف السيسي بثورة في مصر إلا 30 يونيو و3 يوليو، وما قبل ذلك فتنة، وما بعد ذلك من مقاومة لانقلابه هو مؤامرة لتقسيم البلاد. ولذلك، فكل ما يرتكبه من جرائم مبرّر، ويجد الحماية من كل الكبار الرافضين سيرورة التغيير في الوطن العربي، لتستمر المعادلة المثالية لواشنطن وتل أبيب: حكام يقمعون شعوبهم، ويسهرون على خدمة السلام الدافئ مع المحتل الصهيوني.

يمضي السيسي في طريقه، بينما روح الثورة تُزهق في مجموعات الشاتنج المغلقة على أفراد مغلقين على أوهام الزعامة الثورية والنضال المربح وتناول المقرمشات والمرطبات الكلامية، منزوعة الصدق والإرادة، فيتصارعون حول الشعار و"الأفيش" ومن يتصدّر الصورة، ومن يمسك بالميكروفون.

وفي هذا البؤس الثوري الباذخ، من الطبيعي أن تمعن وسائل إعلام الانقلاب في السخرية من عجز معسكر يناير عن فعل أي شيء، حيث تنشر نقلاً عن هيئة الأرصاد الرسمية أن طقس الخامس والعشرين من يناير مشمس، وملائم جداً للخروج إلى المتنزهات والحدائق. لكن ذلك كله لا يعني أن الثورة رقدت بسلامٍ تحت الثرى، بل هي لحظة فارقة في مسيرتها، تنبئ بأفول مرحلة التهريج الثوري، وبزوغ شمس جديدة.. من الداخل، الداخل فقط.

مشاركة 0 0 0 print دلالات: جوليو ريجيني عبد الفتاح السيسي الانتخابات الأميركية اليمين الصهيوني العودة إلى القسم مقالات أخرى للكاتب البرادعي والإخوان: الفيل في المنديل 23 يناير 2017 | يتحدّث محمد البرادعي بأسىً عن الفيلين الضخمين اللذين تنازعا مصر بعد الثورة: أجهزة دولة مبارك العسكرية الأمنية والإخوان المسلمين، لكن الغريب أنه سعى، في مرحلتين مختلفتين، للتنسيق مع الفيلين. هل كان يتصور أنه يستطيع اصطيادهما، وحبسهما في منديله؟ الكيان الإرهابي والكيان الصهيوني 19 يناير 2017 | على بعد أيام من ذكرى حلم الخامس والعشرين من يناير الجميل، يكرر السؤال نفسه: هل تعارض لتحقيق منافع ومصالح، وتحسّن شروط الحياة في ظل سلطةٍ فاشية، أم تقاوم للانتصار لمبادئ وقيم، وأهداف نبيلة، تنحاز للحق، بما هو حق. وطنيّة ما بعد تيران وصنافير وما قبلها 17 يناير 2017 | صكّ نظام عبد الفتاح السيسي، منذ البداية، تعريفاً فاسداً للوطنية، بشقيها الإنساني والسياسي، عندما قرّر أن يسلخ شريحة كبيرة من المجتمع، ويعتمدها عدواً لبقية المجتمع، وسط تصفيقٍ حاد، وتحريض أكثر حدّة، أحياناً، من أنبياء وطنية الخرائط هذه الأيام. تيران وصنافير وطراطير وعصافير 16 يناير 2017 | تتحوّل المعارضة في مصر إلى مجموعةٍ من البهاليل والعصافير، حين تحصر الخلاف مع عبد الفتاح السيسي في جزيرتي تيران وصنافير، وتتعامي عن أن مشكلة الجزيرتين واحدة من تجليات الداء العضال الذي تسبب به فيروس مدمر، حوّل مصر الرسمية دولةً مسعورة.

أضف تعليقك