• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

أخيراً أمكن للجيل الجديد، أن يتعرف على الشيخ صلاح أبو إسماعيل بنفسه من خلال بعض الفيديوهات التي بدأت تأخذ طريقها إلى "اليوتيوب"، فلم نعد بحاجة إلى ما يدفع للأسى عند التعريف به بأنه مجرد "والد الشيخ حازم"، بما يملأ النفس مرارة، فيجري اختزال هذا الجبل في أنه والد لكائن من كان!

فيديوهات الشيخ على "يوتيوب" قليلة وتكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، فلم يجد من يعمل على نشر تراثه، بما في ذلك مواقفه السياسية شديدة الشجاعة، ولم يكن أبرزها اتهامه لأشرس وزير داخلية في التاريخ المصري زكي بدر بالكذب، ويطالب بإخراج "هذا الوزير الكذاب من تحت قبة البرلمان"، وعندما يتصل مبارك برئيس مجلس الشعب ويطلب منه عدم خروج الشيخ من المجلس إلا وقد تصالح مع الوزير فيقول لن أضع يدي في هذه اليد الملوثة بالدماء!

ولم يكن أشجع هذه المواقف حجبه الثقة عن مبارك في الولاية الثانية، في وقت عنت فيه الوجوه له فلا تسمع إلا همساً، وكانت المعارضة تتوقف عند الهجوم على الحكومة، أو هذا الوزير أو ذاك. كما أنه أعلن في محاكمة "الناجون من النار" تكفير مبارك، وبعيداً عن الموقف الديني، فقد كان هذا موقفاً في التقييم السياسي أكثر من شجاع!

شيء أفضل من لا شيء، وقبل الانقلاب لم يكن هناك فيديو واحد، أو خبر يحمل اسم الرجل ويمكن العثور عليه بالاستعانة بـ "جوجل" فعند كتابة اسمه يظهر أمامك "حازم"، فلم يهتم أحد بجمع هذا التراث سواء في البرلمان، أو عبر تسجيلاته في قنوات تلفزيونية خارجية وأبرزها تلفزيون الكويت الذي كان يقدم على شاشته درساً يومياً في كل رمضان!

كنت أستمع إلى تلاوة قرآنية مبتورة، فتذكرت هذه الليلة الذي وقفت فيه على جمال صوته وقدرته على تقليد كبار القراء، قبل أن أعلم أنه بدأ حياته قارئاً، وكان يشارك بالقراءة في سرادقات العزاء ويقول من عاصروه أنه كان يتميز بأنه يقرأ ويفسر على عكس القراء التقليديين، وفي ظني لو استمر في هذا الطريق، لكسبت دولة التلاوة قارئاً مرموقاً، لكن السياسة جذبته إليها فظل نائباً في البرلمان أكثر من خمسة عشر عاماً، وإلى أن تُوفي، وبذلت السلطة كل ما في وسعها من أجل إسقاطه وفشلت، فلم تكن تعرف العُهر الذي عرفته بعد ذلك، فتفعل ما فعلته مع "حازم" فتعلن في انتخابات 2005، نجاحه في مؤتمر صحفي، وذات القاضي هو من أعلن بعد ذلك سقوطه!

"حازم" لم يعلق على النتيجة، لكن لو هذا حدث مع الشيخ صلاح، لقاد ثورة في محافظة الجيزة، حيث دائرته الانتخابية!

كنت أستمع إلى تلاوته، وسيطر علي سؤال: ماذا لو عاصر الثورة؟! من المؤكد أنه سيكون أول معتقل إذا عاصر الانقلاب، لكن من المؤكد أيضاً أنه سيكون له موقف مختلف، فلن يترك الإخوان يديرون المشهد بالشكل الذي جرى، وهو يختلف في النهاية عن ابنه، الذي هو ابن للحركة الإسلامية لا يتجاوزها، ولم يكن يريد أن يغضب جماعة كان لوقت قريب منتمياً إليها واكتفى بالنصيحة التي رد عليها الدكتور عصام العريان ساخراً بأن الانقلابات العسكرية لا مكان لها إلا في عقل الشيخ حازم، لكن الوالد، من آباء هذه الحركة، ولم يكن سيسلم لهذه القيادة المرتجلة، ولم يكن سيسلم أيضاً من العريان، الذي قال له في بيته في سنة 1987، أنه يستطيع بإشارة من إصبعه أن يصرف من حوله، وكان العريان وقتها في الثلاثين من عمره!

بيد أن هناك فرقاً في التعامل الإخواني، فالمستشار مأمون الهضيبي اصطحب عصام العريان لمنزل الشيخ للاعتذار، وقال الشيخ في أسى: إنها فكرة اختمرت في قلبه فنطق بها لسانه. ولم تكن عفوية!

كان الإخوان لا يملون من الإعلان أن الشيخ ليس من الإخوان، استناداً لاستقالة قديمة، وهو موقف لم يفعلوه مع الشيخ محمد الغزالي، والسبب أنهم لا يريدون أن يتحملوا مواقفه السياسية الشجاعة، وإذ قال السادات لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين فقد وقف له في مجلس الشعب وقال توقف عن هذا الكلام الفارغ، فكتب السادات بخط يده: يستدعى النمر والبري ليمسحوا بكرامة صلاح أبو إسماعيل البلاط. يقصد الشيخ عبد المنعم النمر والدكتور زكريا البري وزيري الأوقاف في عهده، فقد أراد الرد على الشيخ من قبل شيوخ مثله!

كان لدى الشيخ رد دبلوماسي محفوظ للصحافة على قول الإخوان أنه ليس منهم، لكنه ذات ليلة، وكان يجد راحته معي لأسباب لا أعرفها، وقد انصرف الضيوف ولم يبق إلا أنا والشيخ طارق يوسف الذي كان يصفه بأنه عكازه، فقال: "إن الإخوان يريدونني أن أسمع وأطيع وأنا أريد أن أُسمع وأطاع".

لم نفقد مع ذكرى الثورة الشيخ صلاح أبو إسماعيل وحده ولكننا فقدنا جيلاً كاملاً: من فؤاد سراج الدين إلى إبراهيم شكري، ومن ممتاز نصار إلى عادل حسين، فتصدر المشهد سياسيون تافهون، وشباب بلا خبرة، ومستشرق كالبرادعي، فلعب بهم العسكر كرة شراب!

أضف تعليقك