• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

أحترم الرئاسة حقا، لكننى لا أحترم الرئيس ولا إدارته ولا آراءه وأفكاره، ذلك كلام أسارع بإعلان البراءة منه رغم أنه موجه إلى الرئيس الأمريكى الجديد. ولئن بدا الكلام غريبا على أسماعنا، إلا أن ما لا يقل غرابة عنه أنه صادر عن أمريكية مسلمة من أصول فلسطينية، أعلنته أمام المظاهرة النسائية التى خرجت فى واشنطن يوم السبت الماضى (21/1) وشارك فيها نحو نصف مليون شخص.

انطلقت المظاهرة فى اليوم التالى لاستلام الرئيس دونالد ترامب مهامه رسميا، بعدما صدمت تصريحات حملته الانتخابية قطاعا عريضا من الأمريكيين، واستفزت الأمريكيات بوجه أخص لما تضمنته من آراء عنصرية ضد المسلمين والسود والمكسيكيين وغيرهم من مكونات المجتمع. وهو ما دعا محامية متقاعدة هى تيريزا شوك إلى إطلاق دعوة مفتوحة على صفحتها اقترحت فيها تنظيم مظاهرة احتجاجية تعبر عن رفض الرئيس الجديد واستهجان آرائه، وحين لقيت الدعوة ترحيبا من الفئات التى كانت معبأة ضد ترامب منذ حملته الانتخابية، فإن النشطاء فى نيويورك تبنوا الفكرة ودعوا إلى تنظيم مظاهرات الاحتجاج والغضب فى داخل الولايات المتحدة وخارجها فى اليوم التالى لتنصيب الرجل (السبت 21/1)، وطوروا الفكرة بحيث تصبح المظاهرات ليس دفاعا عن حقوق النساء فقط وإنما دفاعا عن العدالة والقضايا الحقوقية والاجتماعية التى تمثلت فى العنصرية والتمييز، والمهاجرين والرعاية الصحية وغير ذلك، وكانت المفاجأة أن خرجت فى الولايات المتحدة وحدها 408 مسيرات شارك فيها نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص، حتى اعتبرت أكبر مظاهرة فى التاريخ الأمريكى، كما انطلقت فى خارج أمريكا 168 مسيرة منها 20 فى المكسيك و29 فى كندا.

إقرأ أيضا: فهمى هويدي يكتب من عجائب الفرنجة
الاقتباس الذى أوردته فى البداية جاء على لسان السيدة ليندا صرصور التى عبرت عن عدم احترامها للرئيس وفريقه. وكانت قد ظهرت بحجابها وقدمت نفسها معلنة أنها لا تعتذر عن كونها أمريكية مسلمة، أو فلسطينية أمريكية. وهى إذ تعتز بجذورها، بهويتها كمواطنة فإنها تدعو الجميع إلى الاصطفاف واليقظة للدفاع عن العدل وتوفير الكرامة لكل إنسان يعيش فى هذه البلاد. أضافت أن المسلمين الأمريكيين لهم معاناتهم المستمرة منذ 15 عاما، حين قررت إدارة الرئيس بوش إعداد سجلات لهم (فى أعقاب غزو العراق). وهذه المعاناة باتت تهدد آخرين فى ظل الإدارة الجديدة والمكسيكيين والسود وغير المسجلين وشرائح أخرى فى المجتمع. وإذ دعت إلى الوقوف بصلابة ضد تلك السياسات فإنها رفعت صوتها قائلة: نحن الأغلبية ونحن ضمير الأمة الأخلاقى، وينبغى أن يظل صوتنا عاليا وهاماتنا مرفوعة بلا خوف.

بنفس اللهجة تحدثت ممثلة أمريكية أخرى من أسرة مهاجرة من هندوراس هى أميركا فيرارا. فقالت إن كرامتنا وحقوقنا باتت مهددة فى ظل خطاب التمييز الذى سمعه الجميع فى خطاب تنصيب ترامب، ثم أضافت قائلة إن الرئيس ليس أمريكا، ولا وزراءه ولا الكونجرس المؤيد له، ولكن المجتمع الذى يمثله الجمع المحتشد هو أمريكا الحقيقية. ووجهت كلامها إلى الرئيس الجديد قائلة: يا سيد ترامب: نحن نرفض ونعارض شيطنة المسلمين واضطهاد السود ولن تتنازل عن حقنا فى الإجهاض المشروع، وبعد أن عددت عدة مطالب أضافت قائلة، لا نريد أن نبنى جدرانا بيننا أو نستخرج من مجتمعنا أسوأ ما فيه، ولا نريد أن نتحول من وطن المهاجرين لنصبح بلد الجهلاء والمتعصبين.

تحدثت أيضا انجيلا ديفيس وهى كاتبة يسارية متقاعدة، قائلة إن المتظاهرين يمثلون المجتمع الذى يصر على الحق فى العدالة الاجتماعية وفى الدفاع عن الفئات المهمشة والمستضعفة فى المجتمع. أضافت أن الـ1459 يوما المقبلة (ولاية ترامب) ستكون 1459 يوما من المقاومة دفاعا عن حقوق المرأة التى هى حقوق الإنسان فى كل مكان على هذا الكوكب بما فى ذلك فلسطين.

هذا تلخيص مركز للغاية لبعض الرسائل التى وجهتها المظاهرة، وقوبلت بتصفيق وحماس بالغين من الجمهور المحتشد فى واشنطن. وأكثر ما همنى وأدهشنى فيه ما اتسمت به الكلمات من جرأة وثقة نبعا من اعتزاز بالمواطنة واطمئنان إلى أنها توفر لكل مواطن حصانة تمكنه من أن يجهر برأيه دون خوف، حتى فى نقده لأكبر رأس فى البلاد. الأمر الذى يذكرنا بقيم العصر الإسلامى الأول الذى كان يسأل فيه خليفة المسلمين من أين لك هذا الثوب؟ وتفحمه امرأة أمام الملأ، فيعقب قائلا أصابت امرأة وأخطأ عُمر.

لست أخفى أننى عارضت دائما موقف الانبهار بالحضارة الغربية، ودعوت إلى التعامل النقدى معها، الذى يقدر فضائلها وينكر عليها رذائلها. وهذا الذى ذكرته من الفضائل لا ريب، وان كنت لا أستبعد أن يرد على أحد المتحمسين قائلا: مهلا، فهذا الذى تحتفى به يمكن أن يحدث عندنا، إذ بوسع أى واحد فى بلادنا أن يقف فى أى ميدان بأى عاصمة عربية ويوجه نفس النقد والتوبيخ بذات المستوى من الشجاعة والجرأة إلى الرئيس الأمريكى.

أضف تعليقك