• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ست سنوات مرت، هى أهم سنوات العمر، رغم ما صادفنا خلالها من محن ومعاناة؛ عرفنا فيها معنى الثورة، وذقنا طعم الحرية، ونفضنا عن أنفسنا ورث العبودية الذليل، وعلمنا أن فى الوقت متسعًا للنهوض، وأن هذه الأمة رغم عللها ومرضها لا زالت عفية، قوية تحتضن ثلة من الأحرار، الشجعان الأوفياء الذين لا يضرهم من خذلهم، وفى المقابل علمنا أن فى كل زمن عبيدًا، لا يصلحهم إلا الذل، ولو تحرروا لفسدوا، هم من يهيلون التراب الآن على ثورتنا المجيدة.

مهما قال القائلون، وكتب الكاتبون، وأبدع الشعراء والفنانون ستظل ثورة 25 يناير هى أطهر الثورات، وأشرفها وأعظمها وقد جاءت على قدر، ومرت كرياح الخير تحمل فى طياتها الخير والنماء، واهتزت لها الأرض وربت، وآتت أكلها ضعفين، وقد كتب الله -بإذنه وتوفيقه- أن تبقى تلك البقعة -بعد هذا اليوم- خضراء بالثورة لا تقبل بعدها ظلمًا ولا استبدادًا، بل يسعى أبناؤها سعيًا حتى يرحل الطاغوت وتنزوى الخيانة ويعم الناس الخير والبركة.

انظر إلى حال مصر وسائر بلاد المسلمين، بحكامها التابعين الإمعات، قبل الثورة وبعدها؛ لترى أننا تغيرنا من حال إلى حال، دعك من آثار المعركة بين أهل الحق وأهل الباطل، فلكل معركة آثار وضحايا -لكن انظر إلى درجة الوعى وصف الثوار، ستجد الملايين قد نقلتهم الثورة من مقاعد (حزب الكنبة) إلى طابور الأحرار، ومن التيه والضلال إلى موقع المسئولية والرشاد، وستجد آخرين قد عرفوا المعنى الحقيقى للوطن والوطنية، ومعنى الانتماء، وأدركوا أن هذه وتلك ليست كلمات تجرى على الألسنة، إنما هى فعل وعمل، وجهاد وتضحية، وصبر وثبات، وأنه لا يستوى القاعدون غير أولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله، وإذا كان ثمة غلبة الآن لطرف الباطل، وأن عجزًا يحيط بأهل الحق، فإنما هى جولة ولو سلمنا بأن تغيرًا حقيقيًا وكبيرًا فى مجال الوعى الجمعى، فإنما هى لحظات فى عمر التاريخ وسرعان ما يتحول الميزان وتتغير الكفة، ويصير الحق هو الأعلى، ويزهق الباطل وتصير كلمته هى السفلى.

جاءت ثورتنا المجيدة مثل رسالة نبى، على فترة من الرسل، إلى أقوام عبدوا الأصنام والحجارة، فانتزعت من قلوبهم هذا الشرك وتلك الضلالات، وردتهم إلى فطرة الله تعالى التى فطر الناس عليها مردًَا جميلاً، لقد كان الناس يسيرون -ولعقود- من مولدهم حتى مماتهم بطريقة آلية، مشغولين بعيشهم المكدود الذى ربما أنفت منه الأنعام، ولم يكونوا يدركون أن آخرين يسرقون عيشهم، ويبيعون وطنهم ويخدعونهم بالليل والنهار، وأنهم تسببوا فى جعلهم فى ذيل الأمم وفى مؤخرة الشعوب، بتبعيتهم وفسادهم.. فكانت الثورة نورًا متوهجًا ساطعًا كشف السرّاق لصوص الوطن، وعرّت المرتشين المخادعين، وأبانت حقائق غابت لسنين، وأخرجت الناس من أوهام عاشوها ظانين بالعسكر ظن الخير، والحقيقة أنه كان ظن الإثم واعتقاد السوء.

لتكن تلك الذكرى، فى ظل تردى البلاد والفقر الذى حل بالعباد، تجديدًا للثورة فى النفوس، وإعدادًا للانطلاق فى جولات جديدة ومبدعة لإسقاط العسكر، وتحرير الوطن واستلام الراية، فوالله: طالت المدة أو قصرت لسوف يكون لأبناء يناير شأن -وأى شأن- فى قيادة بلادهم، والنهوض بها والذود عن حياضها من كل معتد أثيم، خارجىًا أو داخلىًا، فهم أولى الناس بذلك، إنهم من قدموا الدماء، والأموال والأوقات، وباعوا الغالى والرخيص لأجل اللحظة التى سقط فيها الصنم، وذهب فيها المجرمون، ولا زالوا يضحون ويبذلون حتى اجتمعت عليهم الدنيا، فجردتهم من مكاسبهم، وأغلقت عليهم السجون، وأخرجتهم من ديارهم.. لكن كل ما وقع عليهم لم يفت فى عضدهم، ولم يصرفهم عن غاياتهم النبيلة، ولم يؤثر فى روحهم الطاهرة، بل استجمعوا قواهم، ورتبوا أوراقهم، وجاهدوا ونصروا، حتى يأتى أمر الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

تحية إلى الشهداء فى دار الحق، سلام عليكم بموتتكم النبيلة، وتحية إلى ذويهم الصامدين، سلام عليكم بما صبرتم، سلام إلى كل من بذل وضحى بجسد أو بمال، سلام إلى القابعين خلف الأسوار، صابرين صامدين داعين مسبحين مهللين مكبرين، منكم نستمد الثبات والصمود، وبكم تعلو الهامات وترفرف الرايات، سلام إلى تلك الطائفة القائمة على الحق، الذىن لم تؤثر فيهم رغبة ولا رهبة، سلام إلى كل من جمعتهم الثورة، وهو اجتماع فى الله ولله.

أضف تعليقك