• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

مرت علينا قبل أيام ذكرى ثورة يناير المصرية؛ تلك الثورة الرائعة التي مثلت حلم الجماهير العربية في الانعتاق من زمن التهميش، وسيطرة نخب محدودة على السلطة والثروة في المجال العربي.

 

لم يكن الربيع العربي حدثا عابرا، ولم يكن البوعزيزي هو من أشعله، بل كان نتاج عقود طويلة من الغضب الذي تراكم في وعي الجماهير، وتصاعد يوما إثر آخر بتحويل السلطة إلى لعبة بيد نخب محدودة، حملت الدول العربية من فشل إلى فشل، ومن هزيمة إلى أخرى.

لا تندلع الثورات لحدث عابر، وفي مصر تحديدا كان الغضب والتمرد يتراكم قبل ثورة يناير بسنوات، إذ أخذت الجماهير تتجرأ تباعا على نظام يشيخ وينخره الفساد، بينما يهيئ البلاد للتوريث، ويضيع هيبة مصر، ودورها في الخارج وفي قضايا الأمة.

 

كانت ثورة رائعة بكل المقاييس، وتمكنت من انتزاع انتصار كبير، لكن الثورة المضادة كانت أكثر قوة وحنكة، فتمكنت بسطوة المال والقوة المسلحة والدولة العميقة من إجهاض الحلم، بل تحويله إلى كابوس مخيف، إذ لم يعد الوضع إلى ما كان عليه من بؤس وفساد وتضييع للهيبة والحضور وحسب، بل أعادته إلى ما هو أسوأ.. دولة بوليس لا مجال فيها إلا لصوت الفئة الحاكمة ومن يطبل لها، مع فشل في التنمية وازدهار للفساد، وها إن عشرات المليارات من الدعم لا يظهر لها أثر، فيما يضيع الأمن القومي كما في سد النهضة، والأمن القومي بمعناه الأكبر كما في الموقف من الكيان الصهيوني والعدوان الإيراني.

على أن المؤامرة على الربيع العربي لم تبدأ من هنا، فقد كان الحلم يتعرض لعملية اغتيال بشعة في سوريا قبل ذلك، وحيث انضم أدعياء الممانعة إلى من يزعمون معاداتهم من أهل الثورة المضادة عربيا في محاربة الربيع العربي، وذلك بعد أن سماه كبيرهم (خامنئي) «صحوة إسلامية»، ثم جعله «مؤامرة أميركية صهيونية» حين وصل بشكل طبيعي، إلى سوريا التي ينخرها الفساد وتذبحها دكتاتورية طائفية.

 

بالاستعصاء في سوريا؛ تنفست الثورة المضادة الصعداء، ولم يعد بالإمكان الحديث عن امتدادها نحو مناطق أخرى، بخاصة بعد أن تعرضت ثورة اليمن إلى مؤامرة هي الأخرى، فيما كانت تونس تئن تحت وطأة ذات المعادلة البشعة أيضا، ومعها ليبيا التي حولت تلك القوى ثورتها إلى كابوس أيضا، وكل ذلك ولسان حال القوم هو تأديب الشعوب العربية كي لا تفكر في الثورة من جديد، وها إن المطاردة المستمرة لقوى ما يعرف بالإسلام السياسي التي تصدرت حركة الاحتجاج، تؤكد أن أعداء الشعوب لا ينوون ترك مجال للعودة، إذا يواصلون المطاردة وبذل كل ما بوسعهم كي لا يفكر أحد بالتحرك من جديد. وفي كل الأحوال، فقد حصلوا على مساندة كبيرة من الخارج، ومن الكيان الصهيوني الذي رأى في ربيع الشعوب خطرا عليه وعلى مصالحه؛ هو الذي استمتع طوال عمر دولة ما بعد الاستعمار بأنظمة تحقق مصالحه دون الحاجة لدفع كلفة الاستعمار المباشر. هل انتهت القصة؟ كلا بكل تأكيد، ذلك أن الأسباب التي أدت إلى اندلاع ربيع العرب لم تتغير، بل هي تزداد وضوحا وتجذرا في المجال العربي، وما يلجمها راهنا هو الصراع الدامي مع الجنون الإيراني، إلى جانب قوة المال والبطش التي لم تتوقف عن الهجوم.

 

كل ذلك ليس سوى وضع مؤقت، وإن طال أمده، وقد قلنا من أول يوم لثورة تونس، وتاليا مصر: إن الأمر لن يمر بسلاسة، وبالطبع لأنه يمثل تغيرا تاريخيا في منطقة بالغة الحساسية للعالم أجمع، وفيها سرطان (الكيان الصهيوني) يحرص العالم على سلامته، بينما تملك أدواته قدرة هائلة على التأثير على مكامن القوة في العالم.

أضف تعليقك