• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

في الأسبوع الماضي، وفي المقال الأول من هذه السلسلة، كتبت رؤوس موضوعات عن مواقف الشيخ صلاح أبو إسماعيل، عضو مجلس الشعب المصري في الفترة من سنة (1976)، وحتى وفاته في سنة (1990)، وبما سمحت به المساحة المخصصة لهذا المقال، واليوم نعرض أحد أبرز العناوين بشيء من التفصيل!.

فإذا تعرضنا للعلاقة بين الشيخ وجماعة الإخوان، فلابد من القول إن الجماعة كانت قاسية معه وهي قسوة لها مبررها، وإن كانت لا تقل عن قسوتها مع نجله الشيخ حازم، والذي اتخذته هزواً وهو يحذر من انقلاب عسكري وشيك، والفارق هنا أن الجماعة لم تقبل الوالد عضواً بعد البعث الثاني للجماعة في السبعينيات وما بعدها، في حين أن الابن كان عضواً في الإخوان إلى أن قرر الترشح للانتخابات الرئاسية !.

كان الإخوان يقولون إن الشيخ حازم لم يكن إخوانياً دفعاً للضرر من موقفه المتشدد من المجلس العسكري، ولتبرير فصلهم عبد المنعم أبوالفتوح عند قراره الترشح للانتخابات الرئاسية وتركهم حازم إلى أن استقال بمحض إرادته، وكنت قد وقفت على انضمامه للجماعة مبكراً، وهو ما تحققت منه بعد الانقلاب !.

تختزن ذاكرتي عدة مواقف للشيخ حازم في الفترة التي تعرفت فيها على والده، وكنا نشد الرحال إلى منزله، حيث تحلو الجلسة مع هذا الشيخ حاضر النكتة، سريع البديهة، متوقد الذهن، وقبل هذا وبعده، فهو المعارض الشرس لحكم السادات ومن بعده مبارك!.

معروف، أن مسقط رأس الشيخ صلاح أبو إسماعيل، ودائرته الانتخابية، تنتمي إلى ريف محافظة الجيزة، حيث من خصال الريفيين أن الكلام يبدو خشناً خالياً من اللياقة، وإن كان يحمل بعداً عاطفياً.

قال أحد الحاضرين من أبناء الدائرة، إن حازم يأتي للبلدة ويلقي دروساً في مساجدها، ثم قال والناس معجبة به، حد أنهم يقولون إن حازم أفضل من أبيه، ولمعت عينا الشيخ فيقولون "إن الإنسان لا يحب من يكون أفضل منه إلا أبناءه"، ونادى الشيخ: "ولد يا حازم"، ليأتي حازم، فيقف أمام والده في أدب، ولم يرفع عيناه من الأرض!، "أتذهب إلى الدائرة يا حازم وتنافسني والناس تقول إن حازم أفضل من أبيه وأنت مسرور بذلك ؟".

وكان رد الابن: "العفو يا بابا". كررها عدة مرات!

أما عن انضمام الشيخ حازم للإخوان فقد كان عندما أخبرنا الشيخ وبشيء من السرور ربما، أنه ظل يقول إنه لو أغلق الإخوان في وجهه الباب لقفز عليهم من الشباك، إلى أن قفزوا هم من شباك بيته ليضموا حازم إليهم!.

كان الإخوان يعلنون أن الشيخ صلاح ليس منهم، وفي كل مرة يتم سؤاله من قبل أحد الصحفيين فيقول هذا الرد: "لو أغلق الإخوان في وجهي الباب لقفزت عليهم من الشباك"، وهناك تكملة لهذا الرد المتكرر، لا تتسع لها المساحة. أعاد لي الرد وما أن انتهيت من حوار معه لصالح جريدة "الوطن" الكويتية، وأغلقت جهاز التسجيل، حتى أخذ نفساً طويلاً قبل أن يقول:"إن الإخوان يريدونني أسمع وأطيع وأنا أريد أن أسُمع وأطاع". وقلت له: معك حق يا مولانا، والحق هو في تقديره لنفسه، فمن فيهم في شجاعته، ووضوح موقفه، ومن من قيادات الجماعة يمتلك ملكاته وخبرته السياسية؟!

الإخوان كانوا يتمسكون بخطاب أرسله الشيخ صلاح إلى عبد الناصر من المعتقل يعلن فيه براءته من الجماعة. وهو يقول إنه خطاب وليد إكراه، ولقد كانت أول كلمة فيه تفقده قيمته، فقد بدأه بعبارة:"أنا المعتقل صلاح أبو إسماعيل محمد عبدالرحيم". ثم أنه كان صغيراً إذ كان في السنة النهائية بكلية اللغة العربية، جامعة الأزهر، ويخشى ضياع مستقبله!

الخطاب كان يأتي ذريعة من قبل الجماعة لإنهاء العلاقة التنظيمية للشيخ بالجماعة، ونفي علاقته بالجماعة لم يصدر في مواجهة الشيخ محمد الغزالي مثلاً، لدرجة أن محمود حسين القيادي في الإخوان الآن ظن أن الغزالي عاد عضواً تنظيمياً بالجماعة ولكن في مؤخرة الصفوف، وفي تقديري أن عدم نفي علاقته التنظيمية هو ما دفع القيادي إلى الاعتقاد بأنه عاد للجماعة، ولأنه لم يكن عضواً في مكتب الإرشاد فقد عاد عضواً عادياً!.

الغزالي فعل أكثر مما فعله الشيخ صلاح، فقد كان الشيخان: الغزالي وسيد سابق، ممن قادوا انشقاقاً داخل الجماعة يرفض الاعتراف بمرشدها العام الثاني: المستشار حسن الهضيبي، لكن نفي علاقة الشيخ صلاح كان بسبب مواقفه المعارضة الحادة، فيشتبك مع الرئيس السادات، ويعلن رفضه لولاية ثانية لمبارك، وكان في اشتباك يومي مع أشرس وزير داخلية عرفته مصر، هو زكي بدر!.

وبعيداً عن نفي قادة الإخوان عضوية الشيخ صلاح بالجماعة، فقد كانت العلاقة بينه وبينهم جيدة، فهو مهندس تحالفهم مع حزب الوفد في انتخابات سنة 1984، ومهندس تحالفهم مع حزبي "العمل" و"الأحرار" في انتخابات 1987، فهو وبعيداً عن عدم القدرة على تحمل تبعات مواقفه المعارضة الحادة، فهو زعيم لا يمكنه أن يسمع ويطيع !.

أضف تعليقك