• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ذكرت دراسة لمعهد أتلانتيك كاونسيل البحثي الأميركي "إنه على الرغم من مرور ست سنوات على ثورة 25 يناير، فإن مصر تراجعت على جميع الأصعدة إلى ما قبل الثورة، أو كأن الثورة لم تقع أصلًا ، فهل كانت الثورة مجرد حلم يقظة؟". للإجابة على هذا السؤال شديد الأهمية، علينا أن نعود بالذاكرة إلى ذلك اليوم، 25 يناير 2011، ونسترجع الأحداث المتعاقبة على مدى السنوات الست الماضية، في محاولة لفهم ما جرى، وما كان.

مرت ست سنوات على الشعب المصري، منذ خرجت طلائعه من الشباب في 25 يناير 2011، ترفع شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وكانت تلك بمثابة شرارةٍ، سرعان ما سرت فى أوصال جماهير واسعة من أبناء الشعب، التحقت بمواكب الثوار، لتؤكد مطالبها بالتغيير، وتطورت الأمور بسرعة مذهلة، ورفعت الجماهير شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".

 

وعلى مدى الثمانية عشر يوماً "25 يناير - 11 فبراير/2011"، والتى سيقف التاريخ أمامها طويلا، سجلت القوى الحية من الشعب المصري، بكل فئاته وأطيافه، ملحمة من الوحدة، والتحدّي، والإصرار على فرض الإرادة، انتهت بتخلى رأس النظام عن السلطة، وهو حدثٌ غير مسبوق طوال نضال الشعب المصري وحركته الوطنية الممتدة عبر تاريخ طويل. وبالقطع، لم يكن ذلك "حلم يقظة".

 

سيطرت نشوة الشعور بالانتصار على الجماهير في الميادين، في كل أرجاء مصر، ولم يكن هناك مجال في تلك اللحظات من تاريخ الأمة للتوقف أمام جوهر الحدث ومضمونه، وإدراك أبعاده، بينما لم يشأ رأس النظام أن يترك السلطة، ويغادر المشهد، إلا بعد أن يسلم الدولة إلى المؤسسة العسكرية، ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

 

ولا شك في أن الموقف الإيجابي للقوات المسلحة في التعامل مع الثوار في ميادين مصر على مدى الثمانية عشر يوماً كان له أثر بالغ في الترحيب والقبول الشعبي المبدئي بتولي المجلس "كانت لحظةً فارقةً في تاريخ الشعب المصري، أحدثت حالةً ثوريةً غير مسبوقة" الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد. وفور إذاعة البيان الذي تلاه نائب رئيس الجمهورية، في ذلك الوقت، مساء 11 فبراير، انتابت الجماهير فرحةٌ عارمةٌ، وعمّ شعورٌ بالنصر، والزهو، وانصرفت من الميادين، بعد أن نظفوا الساحات.

 

لم تكن تلك النهاية، بل كانت بداية مرحلة جديدة تماماً على الشعب المصري، أهم ما يميزها أن الفعل الثوري وحركة الجماهير قد توقفت، واتجهت الأنظار إلى الفعل السياسي الذي رأت فيه بعض القوى الفاعلة على الساحة، في ذلك الوقت، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، أنه فرصتها للوصول إلى السلطة، وقيادة عملية التغيير طبقا لرؤيتها، على الرغم من أن بعض القوى الثورية حاولت الاعتراض، وطالبت باستمرار الفعل الثوري، حتى تحقيق الأهداف التي تطلعت إليها الجماهير، لكنها كانت أضعف من أن تفرض إرادتها، في ظل التوافق الذي بدا واضحاً، بين التيارات الإسلامية والمجلس العسكري حول المضي في المسار السياسي.

وما لبث المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن بادر إلى إصدار إعلان دستوري مختصر في يوم 13 فبراير لطمأنة الشعب، قرّر فيه أنه سيدير شؤون البلاد ستة شهور، أو إلى حين انتخاب برلمان ورئيس جمهورية، مع تعطيل الدستور وحل مجلسي الشعب والشورى، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، خصوصاً المواد المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية.. وتم ذلك بالفعل، وجرى الاستفتاء يوم 19 مارس/ آذار من العام نفسه، وأعقب ذلك إصدار اعلان دستوري شامل في 30 مارس، تضمن ما يمكن اعتبارها خريطة طريق لبناء المؤسسات السياسية، وانتخاب رئيس الجمهورية، وتسليم المجلس العسكري السلطة.

 

وبدا الأمر وكأن ما جرى في مصر في 25 يناير وحتى 11 فبراير زلزال عنيف هزّ أركان الدولة. ولكن، أعقبته توابع ربما كات أعنف منه، بدأت بما عُرف بالمرحلة الانتقالية، لكن من دون تحديد، انتقالية من ماذا، وإلى ماذا بالضبط، حيث فهم كل طرف تلك المرحلة طبقاً لتصوّره، أو طبقا لما يريد، حيث اختلفت الطرق وتفرّق الجمع. قوى الثورة، على اختلاف أطيافها، تصورت أنها مرحلة انتقالية، ستؤدي إلى تحقيق أهداف الثورة بتغيير النظام جذرياً، بينما كان مفهوم المجلس العسكري أنها مرحلة انتقالية لإعادة ضبط النظام ومؤسساته الرئيسية، باعتبارها تمثل ركائز الدولة، أما قوى نظام حسني مبارك وأركانه، فكان مفهومها للمرحلة الانتقالية أنها فرصة لإجهاض الثورة، وتفريغها من مضمونها، والعودة إلى نظام مبارك، حتى ولو بدون مبارك وأسرته وبعض أركانه.

 

ومضى كل فريق في طريقه، قوى الثورة والتغيير انقسمت وتشتتت، عدا الإخوان المسلمين، والتيارات الإسلامية التي ارتكزت على تنظيمها الجيد، واتجهت إلى اللعبة السياسية، بحكم طبيعة تكوينها التنظيمي المنضبط، وبقيت باقي التيارات اليسارية والليبرالية والقومية وغيرها تتخبط، تحاول شدّ التيارات الإسلامية إليها أو اقتسام ما تحققه من نجاحاتٍ على الساحة السياسية معها، بدعوى الشراكة في الثورة، والمجلس العسكري مضى في طريقه طبقاً لخريطة الطريق التي وضعها، وأصرّ على تطبيقها بصرامة، ومواجهة القوى التي تصوّر أنها قد تعوّقها، حتى لو تطلب الأمر شيئاً من العنف، باعتبار أن ذلك قد يهدم الدولة، وكان لذلك انعكاس سلبي على موقف الرأي العام من المجلس العسكري.

 

وفي ظل تلك الظروف المضطربة، بدأت عملية سياسية ملتبسة، بانتخابات برلمانية، أسفرت "هو حدثٌ غير مسبوق طوال نضال الشعب المصري وحركته الوطنية الممتدة عبر تاريخ طويل" عن مجلسي شعب وشورى بأغلبية إسلامية، مع استمرار المجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد. وحل استحقاق الانتخابات الرئاسية، والتي سبقها حل مجلس الشعب، وإصدار إعلان دستوري يكبل الرئيس القادم، ويحدّ من سلطاته، في ظل عدم وجود دستور للبلاد.

 

وفي ظل استقطاب حاد، وانقسامٍ شديد بين كل القوى السياسية، والمجتمعية التي على الساحة، تسلم الرئيس المنتخب، الدكتور محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين "منصب" رئيس الجمهورية، في غياب الدستور ومجلس الشعب، مع تولي المجلس العسكري السلطة التشريعية، لتبدأ فترةٌ شديدة الالتباس والاضطراب وعدم اليقين لدى كل القوى والتيارات، وازدادت حدة الانقسامات، والتشرذم، والاحتجاجات، حتى بلغت ذروتها في 30 يونيو/ حزيران 2013، بعد عام من تولي الرئيس المنتخب منصبه، وأعقب ذلك "3 يوليو" وعودة المجلس العسكري إلى صدارة المشهد السياسي، ليعلن خريطةً جديدة للمستقبل، ومرحلة انتقالية جديدة، بعد استبعاد الرئيس المنتخب، وتعطيل الدستور الذي تم خلال توليه المنصب.

 

وتتابعت الأحداث تحت إشراف القوات المسلحة وسيطرتها، وتم تعيين رئيس مؤقت، ووضع دستور جديد معدل، ثم تمت انتخابات رئاسية، أعقبتها انتخاباتٌ برلمانية. وهكذا عادت مؤسسات الدولة الرئيسية بالشكل الذي كان يريده المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عندما تولى إدارة شؤون البلاد، بعد تخلي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية في 11 فبراير 2011.

 

يبقى السؤال الذي طرحته الدراسة البحثية حول ثورة 25 يناير، وما آلت اليه بعد ست سنوات، وهل كانت مجرد "حلم يقظة"؟ قد يبدو هذا، وللأسف الشديد، صحيحاً للوهلة الأولى، إذا ما تعاملنا مع ثورة يناير باعتبارها مجرّد حدثٍ وانتهى، من دون أن يترك أثراً، أو يحقق هدفاً، وهو ما تسعى قوى الثورة المضادة إلى تكريسه في الوعى الجمعي للجماهير، ولكن الحقيقة أن ثورة 25 يناير لم تكن مجرد "حلم يقظة"، ولكنها كانت لحظةً فارقةً في تاريخ الشعب المصري، أحدثت حالةً ثوريةً غير مسبوقة، حققت، في موجتها الأولى، إنجازاً أذهل العالم، عندما توحدت كل القوى المجتمعية أمام هدفٍ محدّد، هو رحيل رأس النظام وأركان حكمه، وتحقق لها ما أرادت. وستبقى تلك اللحظة حيةً في وجدان الشعب المصري وأجياله، حتى يتحقق ما انطلقت من أجله ثورة 25 يناير من أهداف، وهي العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية.

أضف تعليقك