• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

مسلسل عجائب الزمان مستمر خارج حدودنا المحصنة ضد أمثال تلك «الخوارق». ذلك أننا وجدنا قاضيا يوقف أمر رئيس الدولة فى الولايات المتحدة، مخالفا بذلك ما نعرف من أن كلام الرئيس لا يرد، ليس فقط لأنه رئيس الكلام لكنه أيضا عصير الحكمة ، وفى عجيبة أخرى فوجئنا بانتفاضة المجتمع ورموزه لتحدى قرارات الرئيس من خلال جمع نحو ٣٠ مليون دولار خلال أيام معدودة لصالح الدفاع عن الحريات المدنية التى انتهكتها قراراته الأخيرة. وحينما قال الرئيس إن على المهاجرين غير القانونيين أن يعودوا إلى بلدانهم التى جاءوا منها، فإن أمريكيا من سلالة الهنود الحمر، سخر منه وقال: حسنا إلى أين أنت عائد؟ فى إشارة إلى أصول الرئيس الألمانية، وما يشاع عن أن جده دخل إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية.

هذا الذى يحدث فى أمريكا فصل آخر من فصول الانتفاضة التى عبرت عنها النخب والجماهير التى رفض نفر منها الاعتراف بشرعية الرئيس الجديد، وقال قائلهم أمام الملأ إنه لا يحترم الرئيس أو جماعته ولا أعوانه الذين شكلوا الحكومة أو هيمنوا على الكونجرس، فهؤلاء جميعا لا يمثلون أمريكا، ولكن المجتمع بتنويعاته وفئاته المختلفة هو الممثل الشرعى الوحيد لها.

ما دعانى للعودة إلى الموضوع الذى سبق أن تطرقت إليه ثلاثة أمور هى:

< حكم القاضى الفيدرالى لمحكمة سياتل (ولاية واشنطن) ــ اسمه جيمس روبارت ــ الذى قضى بتعليق قرار الرئيس دونالد ترامب منع دخول مواطنى ٧ دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة لمدة ٩٠ يوما على الأقل، وكان عدد آخر من القضاة قد تبنوا نفس الموقف، وسبقتهم إلى ذلك وزيرة العدل بالنيابة سالى بيتس التى أقالها الرئيس ترامب من وظيفتها. وكانت السيدة بيتس قد طلبت من المدعين العامين عدم تطبيق قرار الرئيس فى رسالة شككت فى قانونيته وأخلاقيته. هذا الموقف للقضاء اعتبر «صفعة» لترامب، الذى لم يملك سوى الامتثال له، رغم وعده بالطعن فيه. وترتب على ذلك أن تم تجميد قرار الرئيس، وأعلنت الإدارة الأمريكية أن أبواب الولايات المتحدة عادت وفتحت أمام رعايا الدول السبع.

< إننا فى مصر نعيش واقعا على النقيض مما جرى فى الولايات المتحدة. ذلك أن القضاء الإدارى بمختلف مراتبه أصدر سبعة أحكام أكدت مصرية جزيرتى تيران وصنافير وأبطلت الاتفاقية التى عقدت بهذا الخصوص، ورفضت الطعون التى قدمتها السلطة، ورغم أن الحكم السابع أصدرته المحكمة الإدارية العليا التى تشكل أعلى مراتب القضاء الإدارى، واعتبر الحكم أن الاتفاقية فى حكم المنعدمة، إلا أننا فوجئنا بأن الحكومة لم تأبه بحكم القضاء وأصرت علي استمرار احالة الاتفاقية إلى مجلس النواب. ولم يكن ذلك أسوأ ما فى الأمر، لأن ما هو أسوأ أن رئيس مجلس النواب انضم إلى الحكومة فى موقفها من الحكم، رغم أنه أستاذ فى القانون. إذ أعلن فى برنامج تليفزيونى أن المجلس صاحب الكلمة النهائية فى الموضوع، متجاهلا فى ذلك حكم الإدارية العليا، الذى يعد نهائيا وبمقتضاه أصبحت الاتفاقية منعدمة. وهو ما فسر بحسبانه انحيازا إلى موقف الحكومة من جانب رئيس البرلمان، وإعلانا عن موقف مسبق قبل نظر الموضوع.

< الأمر الثالث الذى لا مفر من الاعتراف به يتمثل فى تقدير مدى قوة المجتمع الأمريكى وعمق استقلال القضاء فيه، ولولا ابتذال كلمة الشامخ فى بلادنا لقلت إنه نموذج لذلك الشموخ المنشود. وهو ما ينبغى أن ننحنى له احتراما، رغم اختلافنا وسوء ظننا بالسياسة الخارجية الأمريكية. وإذا كان تسجيلنا لهذه الحقيقة واجبا فإن اعترافنا أوجب بأن عافية المجتمع وقوة مؤسساته تعد من ثمار الممارسة الديمقراطية التى نسمع عنها فى خطب أهل الحكم فى بلادنا، لكننا نراها عندهم شاخصة فى الشوارع والميادين.

أضف تعليقك