• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

عندما صدر حكم القضاء بسجن آخر وزير ري في عهد مبارك، الدكتور نصر الدين علام، بتهمة الفساد، قلت: لقد شاهدت هذا الفيلم من قبل!

فالانتقام من الخصوم تحت لافتة مقاومة الفساد، كان يقدم في دور العرض السينمائي في المحروسة على مدى الثلاثين عاماً الماضية، ومنذ أن تولى حسني مبارك الحكم في أكتوبر سنة 1981، وكانت البداية، بتقديم شقيق الرئيس الراحل وأبنائه للمحكمة القيم، بتهمة الفساد واستغلال النفوذ، كما ظل مصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار، خاضعاً للتحقيق أمام النيابة، لأكثر من ثلاثة عشر عاماً بذات التهمة، ولم يتوقف أحد ليعرف الأسباب الحقيقية وراء ما فعله مبارك، فقد كان الانتقام من شقيق السادات لأن نجله "طلعت"، اتهم مبارك في وجهه بأنه من قتل عمه، كما أن والده "عصمت" كان ينشر هجوماً ضد مبارك عبر أحد مراسلي الصحف الأمريكية بأنه يحارب أسرة السادات وذلك لابتزازه، أما مصطفى مراد، فقد استنكر على السادات اختياره لمبارك نائباً وهو "حمار" في السياسة، وقد كان مبارك حاضراً حوار الأخذ والرد والوصف بـ "الحمار"!

وقد انتقل سلوك الانتقام بملفات الفساد من مبارك إلى رجاله، فألقت الرقابة الإدارية القبض على أحد مساعدي وزير الزراعة يوسف والي، وإذا كان الرجل فاسداً فعلاً، فإن فساده لم يكن هو الدافع وراء ما جرى له، فقد كان الدافع الحقيقي هو أنه رفض طلباً لرئيس الرقابة اللواء هتلر طنطاوي بتخصيص قطعة أرض محددة لجهازه. كما تم سجن وزير المالية الأسبق محيي الدين الغريب، بحكم من محكمة الجنايات، مرتين وحصل على البراءة من محكمة النقض، بعد أن أوشكت مدة العقوبة على الانقضاء، وكان زميله في الحكومة وزير قطاع الأعمال ينتقم منه بأثر رجعي، وهو عاطف عبيد، الذي أصبح رئيساً للوزراء!

ملف متخم، ويحتوي على عشرات القصص المؤلمة والمسلية في نفس الوقت، وفي اعتقادي أن ما حدث من الحكم بسجن وزير الري الأسبق، في قضية الشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي، هو من نوعية هذه القضايا، بعد رسائل التحذير التي أطلقها من المؤامرة على مصر ببناء سد النهضة، وقد وصلته رسائل كثيرة بالصمت، لكنه لم يصمت، ربما لأنه لم يستوعب الرسائل، وربما لأنه لفرط طيبته فقد اعتقد فعلاً أن عبد الفتاح السيسي جرى التغرير به من قبل وزير الري، فدفعه للتوقيع على اتفاق المبادئ، الذي بمقتضاه وافقت مصر على بناء السد، دون أن يضمن لها قطرة مياه واحدة، ولم يعلم لطيبة قلبه أن السيسي على رأس المؤامرة، حتى إذا تم تعطيش مصر، كان هذا المبرر بتحقيق حلم إسرائيل بتوصيل مياه النيل إليها، عندما تتدخل لدى أثيوبيا فتفيض علينا من الماء أو مما رزقهم الله!

وإن كنت لا أستبعد أن الوزير السابق لم يكن طيب القلب، لكنه تصرف بلباقة، وكان مدفوعاً بشعور وطني جارف دفعه لإطلاق تحذيرات متكررة من الكارثة التي تنتظر مصر بعد الانتهاء من بناء السد.

ليس عندي دفاع عن الوزير السابق في قضية "الشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي"، والتي حصلت من أراضي الدولة على (26) ألف فدان في منطقة العياط، ودفعت للحكومة مئتي جنيه عن كل فدان، ثم وبحجة عدم توفر المياه الجوفية للزراعة، تحولت إلى أراض للبناء، وتم الشروع في بيعها للناس على هذا الأساس!

لقد أثير هذا الموضوع قبل الثورة، لكن من الواضح أن هناك مراكز قوى في البلاد حمت هذا الفساد، وقيل إن مالك الشركة هو صديق "جمال مبارك"، وكل هذا ولم يكن قد ظهر اسم وزير الري ضمن المتهمين، وعريضة الاتهام كانت تبدأ بمبارك الابن، وبرئيس الوزراء أحمد نظيف، ووزير الزراعة يوسف والي، ووزير الإسكان والسياحة أحمد المغربي وليس فيها نصر الدين علام، وبدا واضحاً أنه لا توجد هناك قوة تستطيع أن توقف هذه الجريمة، لأنها أكبر من مجرد تورط الحكومة فيها إلى كونها قضية فساد تطال "البيت الرئاسي" ذاته!

وعندما قامت الثورة، فإن المجلس العسكري الحاكم أحال ملفها إلى "منازعات الاستثمار" وحدث تدخل خارجي، جعله لا يضعها ضمن قضايا الفساد. وفي عهد الرئيس محمد مرسي بدا التبشير بتسوية، تدفع الشركة بمقتضاها عشرة مليارات جنيه دفعة أولى لفرق السعر، ولم نسمع بعد ذلك ماذا جرى، فقد وقع الانقلاب، وصارت الملفات كلها بقبضة شخص عبد الفتاح السيسي، وتوقف الحديث كلية عن أراضي الشركة، حتى الفترة الأخيرة!

لقد وقع السيسي على اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة، وانطلق الوزير السابق محذراً، من أن مصر ستتعرض لمجاعة بسببه، وإذا اكتمل بناؤه فإن البلاد ستشتري المياه لكي تعيش، واصفاً المشروع بـ "السياسي" الذي يهدف إلى تقليص القوة الشاملة لمصر، وتقليص دورها في القرن الأفريقي، ويرى أن هناك حلاً للخطأ الذي ارتكبه "الرئيس" بالتوقيع، يتمثل في إلغاء البرلمان لاتفاق المبادئ ومن ثم اللجوء إلى مجلس الأمن، معلناً أن هذا سيكون سبباً في توقف البناء فوراً وإحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية!

وخطا الوزير السابق خطوة أخرى، بتقديم بلاغ ضد وزير الري يتهمه بارتكاب جريمة وطنية، وكتبت أقول له: ليس الوزير، ولكنه عبد الفتاح السيسي، وأقيل وزير الري، وجاء الوزير الجديد ليطبق ذات السياسات، والاستمرار في مفاوضات وصفها "علام" بأنها "لبّست مصر في الحائط"!

عندما استدعته النيابة للتحقيق، ظن "نصر الدين علام" أن الاستدعاء للتحقيق في بلاغه، ليجد نفسه متهماً في قضية فساد، ونعرف تماماً أن مصير بلاغه سيكون الحفظ!

فالسيسي متورط مع سبق الإصرار والترصد في مؤامرة سد النهضة، وليس مغرراً به.

أضف تعليقك