• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

(يمكن لثلاثة أن يكتموا السر، فقط إذا كان اثنان منهم موتى)

بينجامين فرانكلين - أحد مؤسسي الولايات المتحدة.

***

لا يجب النظر إلى بعض الملفات الساخنة إقليميا ودوليا على أنه جزء من صراع محدود بين الديمقراطيين والجمهوريين فحسب، أو أنه صراع بين أمريكا وروسيا فقط، فهذا فيه تبسيط (أو قل تسطيح) للأمور، ولا يفسر الكثير من التصريحات والمواقف الدولية، التي تبدو غريبة ومتناقضة نوعا ما، إلا إذا فسرت في السياق الحقيقي لطبائع الأشياء!

***

جاءت التسريبات الأمريكية لصحيفة هآرتس الإسرائيلية عن تفاصيل اجتماع قمة بين السيسي ونتانياهو وعبد الله، عند الأخير في العقبة، برعاية وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري في العام الماضي، (رقم 1 في المصادر) لتطرح تساؤلات عدة حول توقيت هذا الاجتماع وتفاصيله والغاية منه والغاية من تسريب خبر انعقاده في هذا التوقيت!

1- جون كيري: الحليف

ويجب منذ البداية أن نتفق أن جميع رؤساء الولايات المتحدة وساستها، من الحزبين على حد سواء، مؤيدون بشكل مطلق لإسرائيل، وحلفاء مخلصون ليهوديتها، وأن الخلاف فقط على ما هو الأفضل لإسرائيل، والوسيلة الأفضل لدعمها، وليس على مسألة دعمها المطلق في حد ذاتها على الإطلاق!

ويمكننا أن نقول أن هناك فريقان دوليان مختلفان بشدة، ويتصارعان في كل المحافل، في داخل أميركا وخارجها، لتحقيق ما هو الأفضل من وجهة نظر كل فريق؛ ما هو الأفضل لأميركا، وما هو الأفضل لإسرائيل كما قلت، وما هو الأفضل للعالم أجمع!

الفريق الأول هو ما أسميته في مقالات سابقة بالغرب الأوسط (الأوسط جغرافيا وسياسيا)، وهو الغرب الذي يرى أن أفضل ما يمكن تحقيقه لإسرائيل هو حل الدولتين المبني على اتفاقية سلام مجحفة مع الفلسطينيين تبقيهم تحت رحمة الاحتلال، وتقيم لهم دولة منزوعة السلاح، وليس لديها أي فرصة لتحرير الأراض المحتلة! (رقم 2 في المصادر)

في مقابل هذا الفريق يوجد فريق آخر (الغرب الأقصى)، وهو تيار يميني استيطاني، يرى أن الحل الأمثل لإسرائيل أن تظل تتوسع في الاستيطان في الضفة، وأن تبتلع القدس، وأن يعيش الفلسطينيون في ظل دولة إسرائيل اليهودية (حل الدولة الواحدة، ) أو أن تعود بقايا الضفة للأردن ويعود قطاع غزة لمصر (أو ما يسمى بحل الثلاث دول)، وهو ما يخيف كلا الدولتين، الأردن ومصر، ودفع السيسي وعبد الله لمحاولة التنصل من هذه الحل الأخير تحديدا، والإصرار على حل الدولتين، ولو نظريا، حتى لا يصطدما بأمر واقع أميركي إسرائيلي لا يستطيعان تنفيذه، ويخشيان من معارضته في نفس الوقت!

وجود كيري في هذا الاجتماع المشار إليه إذن كان محاولة من الفريق الأول( الذي يقوده أوباما، أفضل حليف لإسرائيل منذ الرئيس هاري ترومان، بحسب آفي شلايم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد)، لتمرير رؤيتهم لإنهاء الصراع، قبل أن يستفحل الأمر وتضيع فرصة ذهبية تحتاجها إسرائيل! (رقم 3 في المصادر)

***

2- عبد الله: الأليف

وعند الحديث عن إسرائيل لا بد من الحديث عن ملك الأردن، تلك الدولة التي استقبلت جزء كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين واحتضن شعبها المقاومة لفترة مهمة من تاريخ الصراع!

لكن من وجهة النظر السياسية؛ فإن تأسيس إمارة شرق الأردن المستقلة، المنشأة حديثا، والتي تزامن نشأتها مع نشأة إسرائيل تقريبا، كان خطوة لتأمين الحدود الغربية للدولة الصهيونية، وهي الحدود الأطول للدولة الوليدة، والتي تثير رعب الصهاينة، حيث أتى السبي البابلي قديما من هذه الجهة!

كما كان إنشاء دولة الأردن ضرورة للدولة الصهيونية، حتى لا تكون على حدود تماس مباشرة مع دولتين كبريين، كالعراق والسعودية، وتركز إسرائيل جهدها الحربي في جبهتين فقط، الشمالية والجنوبية.(مصر وسوريا)

أي تحرك غربي لترتيب معين في الشرق الأوسط لابد أن تكون الأردن وسيطا فيه، وحين أرادت الدول الكبرى إجراء مناورات "الأسد المتأهب" منذ عامين، وهي المناورات العسكرية الأضخم في التاريخ بمشاركة 18 دولة، عقدت في الأردن، ( رقم 4 في المصادر) وحين اجتمع هؤلاء الزعماء آخر مرة في موسكو كانت مقدمة للتدخل العسكري الروسي الآثم في سوريا، (رقم 5 في المصادر) وهدف كل هذه التحركات المعلن في كل مرة هو داعش، بينما في الحقيقة هو إعداد لترتيب جديد للمنطقة!

***

3- السيسي: الضعيف

ولا يمكن للسيسي أن يفوت فرصة هذه اللقاءات دون الحضور، ليس فقط لدوره الهام في تأمين حدود إسرائيل الجنوبية، وقد قال سابقا أنه لا يمكن أن يسمح بأن تستخدم سيناء لتهديد أمن إسرائيل، (رقم 6 في المصادر) ولا لدعوته للسلام الدافئ معها، ولكن لرغبته في التواجد الدولي الذي يمنحه شرعية يبحث عنها، في ظل أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة داخليا، وأوضاع سياسية مسدودة كذلك.

السيسي يستمع لنتنياهو جيدا ويتحدث معه كثيرا كما صرح من قبل، ويمتثل لرأي الإسرائيليين في جميع القضايا، مهما كانت طلباتهم، وحين أمروه أن ينقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، لتدويل مضيق تيران المصري، ولضمان الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة، لم يتردد السيسي، رغم مواجهته موجة انتقادات واصعة، مدعيا أنه تلقى الرصاصة نيابة عن الباقين!

كما بينت التسريبات التي عرضتها قناة مكملين لوزير خارجيته سامح شكري كيف كان الأخير يستمع بتركيز شديد لأوامر إسحاق مولخو مستشار نتنياهو، منفذا أوامره حول بنود الاتفاقية، ومستفهما عن بعض الأسطر التي أضافها مولخو بيده، ولا يفهم شكري - صاحب الاتفاقية - معناها! (رقم 7 في المصادر)

وحين حاول أوباما تمرير قرار ضد الاستيطان في مجلس الأمن، في الأيام الأخيرة لولايته، انتصارا لرؤيته التي ينفذ من خلالها ما يعتقد أنه الأفضل لإسرائيل كما أسلفنا، ثارت ثائرة الفريق الاستيطاني، الغرب الأقصى (أقصى جغرافيا وسياسيا،) وكتب ترامب على تويتر يدين هذا القرار، بعد أن اتصل بالسيسي طالبا منه سحب مشروع القرار المقترح الذي يدين إسرائيل، وهو ما فعله السيسي، الباحث عن الرضا الأمريكي بالحرف، فخرجت الصحف الصهيونية تعنون بالبنط العريض: شكرا سيسي (رقم 8 في المصادر)!

***

4- نتنياهو: الكفيف

موقف نتنياهو معقد بعض الشيء، فهو على رأس الحكومة بفضل دخوله في ائتلاف حكومي هش مع أحزاب يمينية شديدة التطرف، مثل حزب إسرائيل بيتنا الذي يتزعمه وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان، وحزب البيت اليهودي الذي يتزعمه وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، وكلاهما يناديان بدولة إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر، ويؤيدان الاستيطان، ويعارضان بشدة مبدأ قيام دولة فلسطينية، وحذرا نتنياهو من ذكر مبدأ حل الدولتين في لقائه مع ترامب!

نتنياهو يسير مدفوعا بضغوط اليمين، خائفا من غضبهم عليهم وخروجهم من الحكومة، مرتعشا من فكرة وجوده خارج الحكم في ظل قضايا فساد عنيفة تلاحقه، ولا يرى خطورة ما يؤدي به هذا الطريق!

سياسيون وخبراء في إسرائيل حذروا نتنياهو من خطورة التماهي مع تصريحات ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، مطالبين الرئيس الأميركي الجديد بتأجيل الخطوة، نظرا لما يمكن أن تؤدي إليه تفجير الأوضاع، بشكل لا يمكن أن تتحمله إسرائيل. (رقم 9 في المصادر)

وحين عرض كيري خطته في لقاء العقبة، رفض نتنياهو بشدة خوفا بشكل رئيس من غضب ائتلافه الحكومي، عارضا اعتراف السعودية والإمارات بشكل رسمي بالدولة اليهودية، (حيث العلاقات وطيدة بينهما ولكن من وراء ستار، وقد آن الوان لتخرج إلى العلن) والاعتراف بالمستوطنات في الضفة (لإرضاء أحزاب اليمين في حكومته) مقابل إجراءات لبناء الثقة مع الفلسطينيين.

المعارضة الإسرائيلية (اليسار) انتقدت نتنياهو بشدة لرفضه هذا العرض، ورأوا أنه أضاع فرصة ذهبية قد لا تعوض، وهذا لأن هذا التيار الإسرائيلي ينتمي لفريق الغرب الأوسط، الذي ينتمي إليه كيري وأوباما، ويرى أن مصلحة إسرائيل تتمثل في حل الدولتين، لذا فلا عجب أن من سرب تفاصيل هذا الاجتماع هم أعضاء في هذا التيار (مساعدون لكيري) لصحيفة إسرائيلية يسارية تنتمي لهذا التيار (هآرتس) لمنع خصوم هذا التيار (الغرب الأقصى) من خطوة في الاتجاه المعاكس، قبيل أيام من لقاء السيسي "الضعيف" مع عبد الله "الأليف" في القاهرة اليوم (الثلاثاء).

***

الخلاصة:

السيسي وعبد الله لا يستطيعان إغضاب أميركا أو إسرائيل، بل يبحثان عن رضاهما، وحيث أن تيار الاستيطان هو الذي يحكم في كلا البلدين الآن (الغرب الأقصى)، فمن غير المستبعد أن يكون لقاء السيسي وعبد الله في القاهرة تمهيد لطبخة كبرى، تقدم تنازلات ضخمة جديدة تجاه إسرائيل، وربما هذه الطبخة تشمل ما قاله الوزير الإسرائيلي أيوب قرا عن تبادل أراض مع مصر لإقامة الدويلة الفلسطينية في سيناء، وهو ما اشار إليه نتنياهو في أميركا بحديثه عن صفقة إقليمية كبرى مع عدة دول عربية، رغم نفي القاهرة التي حاولت أيضا نفي لقاء العقبة على استحياء!

ولن يكون مستغربا إذا خرجت القمة العربية القادمة بمبادرة أشد انبطاحا من سابقاتها، مع إصرار وعناد إسرائيلي أرى أنه سيرفض كل مبادرة تطرح، طمعا في المزيد!

 

***

 

مصادر:

1- هآرتس: قمة سرية إسرائيلية أردنية مصرية جرت بالعقبة

https://goo.gl/7ikzMe

2- لحظة انقسام الغرب.. بين الغرب الأوسط والغرب الأقصى!

https://goo.gl/BbKOZ2

3- آفي شلايم: أوباما أكثر الرؤساء الأمريكيين تأييدا لإسرائيل

https://goo.gl/EyWl2w

4- 18 دولة تشارك في مناورات 'الأسد المتأهب' في الأردن

https://goo.gl/EXmaZP

5- مفاوضات بين رؤساء مصر والأردن والإمارات مع بوتين حول داعش (قبيل التدخل الروسي في سوريا مباشرة)

https://goo.gl/mDsjr2

6- السيسي لفرانس 24: لن نسمح ان تهدد سيناء إسرائيل

https://goo.gl/MzBVTH

7- تسريب لمكالة سامح شكري مع مستشار نتنياهو بشأن اتفاقية تيران وصنافير

https://goo.gl/Vg6mBe

8- صحف إسرائيلية: شكرا للسيسى

https://goo.gl/kF4JIE

9- عسكريون إسرائيليون يحذرون من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس

https://goo.gl/x9KPrb

10- صفحة الكاتب على الفيسبوك

https://goo.gl/nQb8vs

11للاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال:

https://goo.gl/A6oYWc

أضف تعليقك