• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

الغلط يورطنا في مزيد من الغلط. فقد اختير ضابط الشرطة السابق الذي وصف بأنه خبير في التعذيب رئيسا للجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب. وهو أمر افتقد إلى الملاءمة وحسن الإخراج. وبدلا من أن نستر المسألة ونداري على الخبر، فإن الرجل بصفته تلك ألقى كلمة مصر في اجتماع لمكافحة الإرهاب والجريمة عقدته الأمم المتحدة في فيينا. وكان ظهوره في محفل دولي هو الغلط المضاعف. إذ لم تكن هناك مشكلة في الخطبة العصماء التي ألقاها (التي تمنيت أن يراجعها أحد الدبلوماسيين لكي تكون أكثر رصانة واحتشاما) لأن وجوده هو ما كان ملفتا للأنظار ومثيرا للدهشة. ذلك أن الذين أوفدوه تصوروا أن المشاركين في المؤتمر لا يعرفون شيئا عن الذي يجري في مصر، ونسوا أن دولهم لها سفارات في القاهرة تتابع كل صغيرة وكبيرة بأعين مفتوحة وآذان شديدة الحساسية وسريعة الالتقاط لما يثار فيها من لغط. بالتالي فإن سجل الرجل على الفيسبوك والوقائع التي حفل بها خاصة ممارساته في قسم شرطة الهرم سواء تعلقت بالتعذيب أو بأشياء أخرى أو ممارساته حين كان مرشحا عن الحزب الوطني. ذلك كله في متناول الجميع. لذلك لم أستغرب ما قاله أحد الدبلوماسيين الغربيين عن أن أكثر ما أثار الانتباه في اجتماع فيينا وجود الرجل وليس كلامه. وكانت رمزية ذلك الوجود هي موضوع الهمس واللغط بين المشاركين.

ويبدو أنه تقليد في خطاب السلطة المصرية، تفترض بمقتضاه أن المتلقي الأجنبي لا يعرف شيئا عن مصر، ناسية أن السفارات في عاصمة مهمة كالقاهرة ترصد وتتابع بدقة ما يجري فيها وتنقل كل ذلك إلى دولها، بل إنها كثيرا ما لا تخفي شيئا عن الصحفيين من مواطنيها الذين يجيئون لمتابعة ما يجري في «أم الدنيا». وأزعم أنني لست وحدي الذي يستقبل بعض أولئك الصحفيين ويكتشف أثناء اللقاء أن لديهم كمًا كبيرًا من المعلومات التي استقوها من سفاراتهم بمجرد وصولهم. وليست تلك ملاحظتي الوحيدة، لأن لديَّ ملاحظة أخرى على الطريقة التي يخاطب بها بعض المسؤولين الرأي العام في الخارج. ذلك أنني وجدت أن بعض التصريحات التي تنقل إلى الخارج يراد بها في حقيقة الأمر مخاطبة الداخل. ومن أولئك المسؤولين من يبالغ في الحديث عن التطلعات والإنجازات الحاصلة في مصر. لا لكي يقنع الرأي العام هناك ولكن لكي تحتل تلك المبالغات مكانها في عناوين الصحف المحلية، لطمأنة أولي الأمر في القاهرة إلى أنهم عند حسن الظن ولم يقصروا في القيام بالواجب في الدفاع عن النظام وقياداته.

خذ مثلًا رد وزارة الخارجية في مصر على تقرير الخارجية الأمريكية الأخير الذي أخذ على النظام المصري إفراطه في استخدام القوة وقصور الإجراءات القانونية مع استمرار قمع الحريات العامة. في ذلك الرد انتقد المتحدث باسم الخارجية المصرية التقرير الأمريكي وذكر أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر ترتبط بالتزامات دستورية واضحة، وتتم مراقبتها من جانب المؤسسات الوطنية المستقلة مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان فضلا عن مجلس النواب الذي يراقب أداء السلطة التنفيذية في مختلف المجالات. إلى غير ذلك من الكلام الذي يصلح لعناوين الصحف المحلية، لكنه لا ينطلي على أحد من المشتغلين بحقوق الإنسان في داخل مصر وخارجها، ليس فقط لأن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة في مصر ترسم صورة مناقضة تمامًا لما ادعاه المتحدث باسم الخارجية، ولكن أيضا لأن كل من يهمه الأمر يعرف جيدا أن أهم المنظمات الحقوقية المستقلة المصرية محالة للتحقيق ومسؤولوها ممنوعون من السفر وأموالهم مصادرة ومقارهم تعرضت للمداهمة والإغلاق.

لقد نشرت صحف الأسبوع الماضي التصريحات الرسمية الأمريكية التي تحدثت عن أن مصر تعاقدت مع شركتين للعلاقات العامة في واشنطن لتحسين صورتها مقابل مليون و800 ألف دولار. وذلك عمل مشروع هناك، لكن الذين أقدموا على تلك الخطوة لم ينتبهوا إلى أن جدية الإصلاح الداخلي هي أفضل ما يحسن الصورة في الخارج.

أضف تعليقك