• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

تجمدت مكاني من هول المنظر.. وأنا أشاهد أمامي وليس على شاشة التلفزيون، موكب الرئيس السادات ببدلته السوداء ذات خطوط بيضاء رفيعة، وقد تلاعب الهواء ببقايا شعره الأبيض..

كان السادات عائداً من أميركا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد. كنت فعلاً أقف –بلامبالغة- تمثالاً ثابتاً لصبي صغير فاتحاً فمه ورافعاً يديه إلى أعلى،هكذا كان هذا شكلي وأنا أقف وسط الجماهير على جانب الطريق لنحيي بطل الحرب والسلام أنور السادات، في هذه الأثناء كانت مصر قد غرقت في موجة الانفتاح الاقتصادي وبدأ (تاج العلا في مفرق الشرق) يسقط من على جبين مصر إلى وحل لبان تشكلتيس والبنطلونات الجينز وتوكيلات السفن آب.

كان العمال المصريون يعملون منذ سنوات قليلة في إعادة إعمار مدن القناة، بينما الرحلات المدرسية تحج إلى بورسعيد لتهريب أكبر عدد ممكن من الساعات والملابس والألبسة، وفي السينما كنا نغرق في إفلاس أفلام محمود ياسين ونجلاء فتحي وحسين فهمي..

في هذه الأثناء كان قادة الجيش المصري قد وضعوا أسلحتهم جانباً، وتفرغوا لحفلات التكريم على انتصار أكتوبر، في تلك الأيام كان عبد الفتاح السيسي برتبة ملازم أول لم ير الحرب إلا من خلال أفلام (بدور) (الوفاء العظيم) (الرصاصة لا تزال في جيبي)

وكانت ثلاجة السيسي وقتها لا يوجد بداخلها لحم أو جبنة رومي أو حتى خيار بلدي، إنما كانت تحتوي على المياه فقط. (كما قال هو بنفسه).

ليس لأنه كائن مائي ولكن لضيق ذات اليد، شاهد الملازم أول السيسي الرئيس السادات وهو يوقع اتفاقية كامب ديفيد فتنفس الصعداء، لأنه صدق أن حرب أكتوبر ستكون آخر الحروب..

فحمد الله أن جبهته لن تتعفر كما تعفرت جبهة محمود ياسين وهو يقتحم (ديكور) خط بارليف. في فيلم (بدور). وضعت إسرائيل عيونها على هذا الجيل من العسكريين المصريين..

وعرفت أنه جيل سيؤتي ثماره فيما بعد، في منتجع كامب ديفيد في ولاية ميريلاند باع السادات العرب، وارتأت إسرائيل أن المفاوضات المنفردة مع مصر أجدى من المفاوضات مع العرب مجتمعين..

كان على الحلف الصهيو أميركي أن يضمن بقاء أمة العرب خانعة تحت مظلة الديكتاتوريات التي تحكم، وبدأت الخطة باصطياد مصر منفردة إلى هذا المستنقع، فخططت أميركا لضمان عدم ظهور فيروس العسكريين العظام في جيش مصر، فوضعت يدها على السيسي وأمثاله حتى تستبدل الجمسي والشاذلي وعبد المنعم واصل وأحمد بدوي وغيرهم بقادة سينمائيين يحبون الكاميرات والميكرفونات،

هواة الظهور على أغلفة المجلات، يعشقون دخول الحروب الضارية على شعوبهم فقط، فوضع الحلف الصهيو أميركي عيونه على العسكريين المصريين الصغار، وعلّبهم عن طريق البعثات العسكرية إلى واشنطن، فتوافدت الرتب العسكرية المصرية إلى العاصمة التي قامت على جماجم السكان الأصليين، في قوافل من صغار النفوس الراغبين في الوصول إلى جنة عدن الأميركية،

لينتقل السيسي من عشريته المائية إلى عشريات المال والذهب، وينال المجد دون أن يطلق حتى الرصاصة الواحدة التي كانت في جيب محمود ياسين في الفيلم، بعد أربعين عاماً آتت كامب ديفيد ثمارها وحققت حلم بن جوريون ومناحيم بيجن وأريل شارون وموشي ديان وكل الصهاينة،

فكان أن تسلل السيسي المجهز أميركياً إلى رئيس جهاز المخابرات العسكرية المصرية، ومن بعدها إلى وزير دفاع، ثم جلس على عرش مصر في تخطيط مبدع عبقري ومحكم، وهو درس يعلمنا كيف تخطط للمستقبل ولا تستعجل النتائج، لم ينته الفيلم كما في السينما، فالنهاية لم تكتب بعد، وواضعو السيناريو ما زال لديهم تصور آخر للنهاية،

يقول العاملون في الفيلم إن الأحداث سوف تتطور لينتشر فيروس السيسي الذي انتشر في ليبيا وسوريا واليمن، إلى باقي الدول العربية التي يتم استدراجها من وقت طويل إلى نفس الفخ بجدارة وبطرق أسهل،

في هذه الاستراحة القصيرة، وقفت أتذكر مشهد عودة السادات من أميركا بعد توقيع اتفاقية ما يسمى بالسلام، وسألت نفسي هل سيظهر في نهاية الفيلم أحفادي وهم يرون الدول العربية وقد تلاشت وأصبحت حفراً ومستنقعات تعج بالجوعى والفقراء، بينما يحتفل الصهاينة بإسرائيل التي وصلت من النيل إلى الفرات، ثم تكتب بالعبرية والإنجليزية بعرض الشاشة كلمة……النهاية؟؟؟!!!

أضف تعليقك