• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

لا تنكر أننا نعيش في أزهى عصور الكوميديا، صحيح أنها كوميديا لا معقولة، ولكنها في النهاية كوميديا، صحيح أنها لا تضحك بل تدعو إلى البكاء والإحباط، ومع ذلك لا يمكن أن تدخل في نطاق التراجيديا، وإذا اختلفت معي فتعال نحتكم إلى المنطق، سأضعك أمام المشهد، وستكون أنت الحكم، لحظة.. هذا هو المشهد: 


قوات المجرم العربي المسلم السوري بشار الأسد تقصف خان شيخون بالكيماوي، والنتيجة التي سجلتها الكاميرات مقتل ١٠٠ عربي سوري بالاختناق، من بينهم ٢٥ طفلاً، وسجلت عدسات الكاميرات اللحظات الأخيرة لوفاة بعض الأطفال، أرجوك أكمل معي المشهد.. صمت في العواصم العربية.. بينما دار الإفتاء المصرية تصدر بياناً رسمياً يبارك زيارة السيسي لواشنطن.. ولم تصدر دار الإفتاء المصرية أي بيان بخصوص هذه المأساة حتى تاريخ كتابة هذا المقال، ويبدو أنها لن تصدر.. العواصم العربية ما زالت صامتة.. الشعوب قرر بعضها اللجوء إلى توتير لعمل «هاشتاج» إدانة.. حتى هذه اللحظة يبدو المشهد عادياً متعارفاً عليه.

أين الكوميديا هنا حتى ولو كانت سوداء؟ الكوميديا لم تأتِ بعد.. فلا صمت الزعماء المسلمين العرب كوميديا، ولا سكوت الشعوب الإسلامية كوميديا.. بعد ساعتين من القصف صدر بيان يدين الهجوم المجرم على خان شيخون، ويصفه بالمأساة، تخيل أن إسرائيل هي التي أصدرت هذا البيان!!!!! تخيل أن نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني هو الذي وصف الجريمة بأنها «صادمة»، ولا يمكن السكوت عنها.. نتنياهو السفاح قاتل الأطفال يصف المنظر بالصدمة، بينما زعماء العرب صامتون لم يتحرك لهم جفن. 

أحد هؤلاء الزعماء يدعى السبسي، رئيس تونس بالانتخاب، أعلن قبل المذبحة بقليل أنه لا يمانع من عودة العلاقات مع بشار الأسد، وصمت بعد المذبحة؟؟ القاتل نتنياهو مصدوم، بينما أئمة الإسلام في بلاد الإسلام تجمدت مشاعرهم، وجفت الدماء في عروقهم، ولم يطلقوا بياناً واحداً، وحتى أكون أكثر دقة أقرر أنني لم أقرأ بياناً -صادراً عن جامعة الدول العربية أو دار الإفتاء المصرية أو مجمع البحوث الإسلامية، أو أي مجمع فقهي عربي- يدين الجريمة.. صمت تام.. الجميع شاهد المنظر على شاشات التلفاز.. في صمت، ربما ذرف أحدهم دمعة أسى على المشهد، ثم استدار ليتابع أخبار سوق الأسهم في طوكيو، أو أكمل مشاهدة برنامج ساخر على إحدى المحطات الأميركية.
يا سادة لا تنتظروا من العرب شيئاً، فيبدو أن هذا الجنس من البشر دخل متاحف التاريخ، واستعان بالمعتصم وعنترة وسيف بن ذي يزن، لكي يدافع عنه، بينما هو اكتفى بالتصفيق والتهليل لبطولات الخنساء، ووائل وكليب، ودريد بن الصمة.

يا إخوتي الذين يعبرون الميدان مطرقين، لا ترفعوا رؤوسكم إليّ حتى ينخر الفناء داخلي، ويقضي التسوس على آخر عرق ينبض في جسدي.. 
عزيزي القارئ لم يكن مشهد إدانة السفاح نتنياهو جريمة بشار مضحكاً كما ظننت، اعتقدت أنني المخطئ فلم يكن بالمشهد أي شيء مضحك ولا يحزنون، وإنما بللت الدموع المشهد كله، وما الضير إذن في خطئي، فأمة العرب ضلّت الطريق منذ أكثر من 60 عاماً، وصارت الخيانة بطولة، والنذالة شجاعة، والخسة شرفاً، والعمالة أمجاداً، صار أقزام العرب أبطالهم، وعلت أصوات المخنثين الذين اعتقلوا عنترة وخالد بن الوليد وأسامة بن زيد، بينما أصبحت صورهم المقرفة شارات وبيارق، وباتت أصواتهم المخنثة سيمفونيات، وأناشيد قومية، ما الضير إذا كنت أخطأت أنا في تصنيف الكوميديا، إذا كنا جميعاً نخطئ عندما نطلق على هؤلاء عرباً، ونرتكب جريمة عندما نضع أولئك الزعماء والمثقفين والإعلاميين في خانة البشر. 

أضف تعليقك