• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

هذه بعض العناوين التى ظهرت فى الفضاء المصرى خلال الثمانى والأربعين ساعة التى أعقبت تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية.

فبعض الأصوات دعت إلى عدم الاكتفاء بإعلان الطوارئ وإضافة ما أسموه «إعلام الحرب» الذى يكمم كل الأفواه. فى الوقت ذاته تعالت أصوات أخرى داعية إلى التوسع فى الإعدامات بحيث تشمل من يفجر نفسه (يقتل مرة ثانية).

كما رفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت الأمن». فى الوقت ذاته فوجئنا بإعلان رئيس البرلمان أنه سيتولى من جانبه تجديد الخطاب الدينى، دون انتظار جهة أو وزارة.

على الأقل، فذلك بعض ما أعلن خلال اليومين الأخيرين. ولا علم لنا بما لم يعلن. وهى قرائن كافية فى التدليل على أن الانفعال بلغ مداه حتى خرج أو كاد يخرج عن السيطرة. وهو أمر مبرر ومفهوم، لأن الصدمة أحدثت زلزالا هز المجتمع المصرى وفجر فى كل جنباته عوامل السخط والنقمة والغضب. وإذ أزعم بأن الغضب جراء ما جرى بات فرض عين على كل مواطن مصرى شريف، إلا أن له محظورا واحدا هو أن يتجاوز الأفراد ويصبح حاكما للقرار السياسى.

ذلك أن غضب الأفراد إذا كان من علامات الصحة والتوازن النفسى، إلا أن انفعال أو غضب أهل القرار له حسابات أخرى مختلفة تماما. فغضب الأفراد يؤثر على محيطهم الخاص، لكن غضب أهل القرار له مردوده الذى يتعلق بمصالح ومصائر المجتمعات.

ولئن قيل فى الأثر إنه لا يقضى القاضى وهو غضبان (الأرجح أنه حديث نبوى) فإن ما يسرى على طرفين متخاصمين أولى له أن يصبح نهيا حين يتعلق الأمر بالناس كافة. وإذا اعتبر الغضب مفسدا لعدالة القاضى، فإنه أيضا يجرح ــ بدرجة أكبر وأخطر ــ عدالة السياسى.

إن استسلام الأفراد للغضب يظل محدود الأثر فى اسوأ فروضه. إلا أن السياسى إذا وقع فى ذلك المحظور فإن الأثر يصبح أفدح وقد يفضى إلى ويلات لا تخطر على البال. وتدفع أعدادا غفيرة من البشر أثمانا باهظة جراءه. وليس غائبا عن البال أن شرارة الحرب العالمية الأولى (١٩١٤ ــ ١٩١٩) انطلقت فى لحظة غضب استسلم لها امبراطور النمسا والمجر فرانسوا جوزيف، حين قتل ولى عهده على يد دولة صغيرة هى صربيا. فشعر الرجل بالإهانة التى دفعته إلى إعلان الحرب عليها مع إدراكه بأن موازين القوى فى أوروبا لم تكن فى صالحه. الأمر الذى أشعل الحريق الكبير الذى راح ضحيته نحو ٢٠ مليون شخص.

أرجو ألا يلتبس الأمر على أحد لأن ما أدعو إليه على وجه الدقة أن يستمر الغضب بشرطين أولهما ألا يصبح حاكما للقرار السياسى. وثانيهما أن تقدر الأمور بقدرها، فلا نشتط فيه. بحيث يهدر مصالح أخرى تتعلق بأمن الناس وحرياتهم، ولا نتخذه ذريعة لتمرير أمور أخرى لا علاقة لها بالموضوع، مثل قضية تيران وصنافير التى أثير حولها لغط كبير نظرا لحساسيتها الوطنية، الأمر الذى من شأنه أن يوقعنا فى محظور أكبر.

إن أكثر ما يبعث على القلق فيما يجرى أن توظف دماء الأقباط التى أريقت ليس فى توثيق عُرى اللُحمة الوطنية، وإنما فى تشديد قبضة السلطة وإهدار مبادئ الدستور وضمانات القانون. وأزعم فى هذا الصدد أن إسقاط أولوية الديمقراطية ورفع شعار «الأمن أولا» يمثل منزلقا خطرا يخدم نزعات السلطة ويلحق ضررا فادحا بالمجتمع. ذلك أن الأمن تحرسه الأجهزة الأمنية ولا توفره. فى حين أن وحدها الديمقراطية التى ترسى قواعد السلام والأمن للمجتمع. وأى تجاهل لها أو إهدار لمبادئها يخدم الإرهاب وإن ظن بعض حسنى النية أنه يخدم السلطة.

أضف تعليقك