• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

غطت "زفة" بابا الفاتيكان في زيارته للقاهرة، على أزمة "آية حجازي" التي أخرجها قائد الانقلاب العسكري في مصر من السجن، فلم يكن الحكم القضائي الذي قضى ببراءتها ومن معها، إلا تنفيذاً لأمر إداري من عبد الفتاح السيسي بعد أن قبل وساطة "ترمب" الذي طلب بإخلاء سبيلها، على النحو الذي جعل من القضاء المصري، مادة للسخرية، في جلسة لمجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً!

ما علينا، فقد كتبت هنا في يوم الأربعاء الماضي، أن هذه القضية مثلت لي لغزاً عند التعمق فيها، وليس في المادة المنشورة في الصحف ما "يشفي الغليل"، ففي كل مرة عندما يتم نظر القضية، تنشر نفس الاتهامات، فلم تنشر مرافعة النيابة، أو دفوع المتهمين، وإن كان معظم الشهود لم يحضروا أمام المحكمة، وكان في مقدور المحكمة أن تجلبهم للشهادة بقرار ضبط وإحضار، إذا كانت الأجهزة الأمنية عجزت عن ذلك!

المنسوب إلى المتهمة ومن معها أنهم أسسوا جمعية "لاستغلال أطفال الشوارع"، من بين ما قيل أن من بين من تم القبض عليهم في مقر الجمعية من هم هاربون من بيوتهم، وقد وجه أولياء أمورهم إلى مؤسسة الجمعية الاتهام بإخفاء أبنائهم، وتحريضهم على الهروب!

وفي المقابل فإن من دافعوا عن المذكورة، انطلقوا في دفاعهم من أنها أرادت بمصر خيراً، من خلال الاهتمام بأطفال الشوارع فيها، لدرجة أنها سخرت مهرها ومصاريف الزواج لهذه المهمة الإنسانية العظيمة، لكن في مصر دائما فإن "خيراً تعمل شراً تجد" كما يقول المثل الشعبي!

بعض المدافعين عن "آية حجازي"، وبالتأكيد على نبلها إنما يسعون لتبرير الدعم المالي الذي يقدم من المنظمات الغربية لما يسمي بالمجتمع المدني ودكاكين حقوق الإنسان في مصر، وهم عندما يهبوا للدفاع عن هؤلاء فهم يريدون أن يمرروا هذه التمويلات لتصبح أمراً لا ينتقص من الاستقامة الوطنية، بعد أن كان ينظر إليها قديماً من قبل القوى السياسية التقليدية على أنها عمل من أعمال الخيانة الوطنية!

لقد لفت الانتباه في الأسبوع الماضي، إلى مقر الجمعية التي أسستها "حجازي"، والتي لم تر إلا شارع "محمد محمود" لتؤجر فيه مقراً لها، وهو الشارع الذي شهد أحداثاً جساماً في أيام ما بعد الثورة، ومن مواجهات مع أجهزة الأمن راح ضحيتها بعض الشباب مثل الشاب جيكا، فهل هذا الشارع يعد مكاناً مناسباً لممارسة جمعية لعملها، ولماذا شارع محمد محمود بالذات؟!

من الواضح، أنه بنقل فضائيات الثورة المضادة الأحداث بالصوت والصورة لحظة بلحظة، ومحاولة المجلس العسكري الحاكم دفع قوى سياسية للذهاب إلى هناك، فإنه يؤكد أن هذه الأحداث لم تكن تجر من وراء ظهره، لاسيما وأنها في الجانب المعلن منها كانت تستهدف وقف المسار الديمقراطي ومد المرحلة الانتقالية، وعندما كان السياسيون المتواجدون في موقع الأحداث يشاهدون احتدام المعارك بين الشباب والشرطة، كانوا يتساءلون في دهشة: ماذا يريد هؤلاء الشباب الصغار؟!.. وبدا الأمر لهم غير مفهوم، قبل أن يجري توظيف هذه الأحداث في مرحلة ما بعد الانقلاب باتهام الإخوان بأنهم "باعونا في محمد محمود"، مع أن القاتل في "محمد محمود" رفعوه فوق أعناقهم ودخلوا به القصر الرئاسي يداً بيد مع الدكتور محمد البرادعي، الذي كان قد تقدم ببلاغ للنائب العام يتهم فيه وزير الداخلية بأنه من قتل "جيكا"، لكن البرادعي أصبح نائباً لرئيس الجمهورية، ووزير الداخلية المتهم بموجب بلاغ البرادعي صار مستشار أمنيا للرئيس، في ذات القرار!

لا بأس، فإذا تجاوزنا اختيار شارع محمد محمود مكاناً مختاراً لجمعية "آية حجازي"، فإن سؤالاً يطرح نفسه، وهل تكفي شقة محدودة المساحة، لعملية إيواء وإعادة تأهيل أطفال الشوارع الذين يبلغ تعدادهم في إحصاء للمركز القومي للبحوث الجنائية (16) ألف طفل، في حين تقدر منظمة اليونيسيف أعدادهم بمليوني طفل؟!

عندما تم إلقاء القبض على "آية حجازي" قبل ثلاث سنوات، كان "الحاكم العسكري" يفكر بصوت مسموع في تجنيد أطفال الشوارع، وهو ما فهمنا منه أنه يستهدف استخدامهم في العمليات القذرة، ثم قيل إن الكنيسة قد اتفقت مع أهل الحكم على توزيعهم على الأديرة، قبل أن يتوقف الحديث عن ذلك كلية!

والمعنى الذي فُهم أن أهل الحكم وجدوا في "حجازي" منافساً لهم في مهمة استغلال الأطفال فتقرر القضاء عليها، لكن كيف لامرأة وزوجها وعدد من العاملين في جمعيتها، أن ينافسوا دولة بإمكانيتها، وهى لا تملك إلا شقة، بالإضافة إلي تكلفة مستلزمات الزواج التي قررت التضحية بها، من أجل هذا العمل الإنساني؟!

لقد جرى استغلال أطفال الشوارع في مهمة إسقاط الرئيس محمد مرسي، بمحاولة الاعتداء في كل يوم جمعة على أحد الفنادق، وبتعطيل المرور، وأيضا في تنظيم "البلاك بلوك" سيئ السمعة، فهل كانت جمعية "آية حجازي" طرفاً في هذا، والقضاء عليها كان بعد انتهاء مهمتها، وحتى لا تستغل من آخرين ضد سلطة الانقلاب في المستقبل؟!

أقول قولي هذا، وأنا أتذكر سيارة السفارة الأمريكية التي دهست المتظاهرين في أول يوم للثورة، وقد قالت السفارة بعد ذلك أن سيارتها كانت مسروقة وإن كانت لم تحقق في الأمر، وجاءت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس محمد مرسي لتثبت أن سبعة عشر سيارة تابعة للسفارة الأمريكية بالقاهرة استخدمت ضد المتظاهرين، وليست سيارة واحدة، فكل تم سرقة أسطول سيارات السفارة  دفعة واحدة؟!

اللافت، أن "آية حجازي" عندما التقت الرئيس "ترمب" لم تتعامل كصاحبة قضية، وإذا كانت الدوافع الإنسانية النبيلة دفعت لأن تدخر مهرها من أجل أطفال الشوارع، فإن هذه الدوافع لم تحرضها على إثارة قضية "أطفال السجون" الذين يتم قتلهم بالبطيء في سجون عبد الفتاح السيسي، وكانت أمامها فرصة تاريخية لاستكمال الدور الإنساني بأن تطلب من الرئيس الأمريكي أن يتدخل لدى صديقه السيسي للإنقاذ هؤلاء من الموت المحقق، وفي لحظة كان الإعلام الأمريكي كله آذان صاغية لها، لكنها لم تفعل.

أضف تعليقك