• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

اسم الكريم: "حمام علي عمر"، وقد أثار جلبة في لقاء عبد الفتاح السيسي بمحافظة قنا، وتم تقديمه على أنه مواطن مصري بسيط، يكفي أنه يرتدي جلباباً ويتحدث بلهجة أهل الصعيد، حتى يبدو اللقاء عفوياً، والرئيس سمحاً، وقد ازدادت سماحته عندما دعا هذا المواطن على بساطته، ليصعد للمنصة ويشرح على الخريطة!

فيلم هندي هابط ولا شك، فالبسطاء لا يدعون إلى حيث يجلس السيسي، و"البساط ليس أحمدي"، وعبد الفتاح السيسي ليس من مشايخ العرب، الذين لا يهتمون بالترتيبات في لقاءاتهم، وهم على بساطتهم فإن هيبتهم تمنع من التجرؤ عليهم، أو التجاوز معهم.

وقد بدا واضحاً أن اجتماعات السيسي أعقد من أن يحضرها مواطن بسيط بالمصادفة، وعلى أساس أنه كان يمر فقيل له إن الحاج عبد الفتاح السيسي موجود فذهب على طريقة: "خالتي عندكم"، وإذا به يا إلهي يقطع اللقاء بصوته الجهوري، وإذا بالرئيس ينتبه له، فيستدعيه ليكمل حديثه، ويستمع له باهتمام قبل أن يدعوه للتقدم للأمام ويدفع به على المنصة ليشرح على الخريطة، ولم يبق لاكتمال الفيلم إلا أن يقال: وأغرورقت عيناه بالدموع وهو يسمع شكوى الرجل!

لم يكن الأمر بحاجة إلى "فك حجر رشيد" للوقوف على أننا في مواجهة فيلم هندي، فالحاج "حمام" يدخل في كلامه عبارات بالفصحى من نوعية: "حيث أنه"، و"أيضاً"، وهو حاسر الرأس، وهو أمر يعتبر خاصية للمتعلمين من أبناء الصعيد، لأن غيرهم لابد وأن يضع عمامة فوق رأسه، لاسيما في اللقاءات الرسمية، وإلا مثل هذا "قلة قيمة"، وفي العصور السحيقة كان عدم وضع عمامة على الرأس، إنما هو تصرف خاص بالأفراد الذين لا ينتسبون إلى العائلات الكبرى، ثم مع التطور، صار عدم وضع غطاء الرأس خاصاً بالمتعلمين، والذين لا يذهبون إلى المحافل الرسمية بالجلباب أصلاً!

هذا فضلاً عن أن السيسي، يتحرك في "كردون أمني"، ويخاف من الاحتكاك بالجماهير، لدرجة أنه المرشح الوحيد منذ أن عرفت البشرية الانتخابات، الذي لم يعقد لقاءات جماهيرية، حيث نقلوا الجماهير إليه، وجمهوره يتم اختياره على "الفرازة" بواسطة الأجهزة الأمنية. وقد ظهر في قاعة، لا نعلم أين تقع، في محافظة قنا أم في خارجها، ولا ندري إن كان قد انتقل إلى قنا، أم أن قنا انتقلت إليه، فما نعرفه، أنه قد افتتح المشروعات بواسطة "الفيديو كونفرانس"، وهي التي وصفتها جريدة "المصري اليوم" بعدد من المشروعات التنموية". حيث نادى على كل مهندس ليفتتح مشروعه، فظهر بجانب حجر الأساس وتحت الشمس الحارقة وكأنه "ملبوس" وهو يرد على نداء السيسي هاتفاً: "أفندم"، وكأنه "جندي مجند"، أو ضابط في مواجهة قائده العسكري. وهو في قنا افتتح بنفس الطريقة مشروع "كوبري طهطا"، وهي من أعمال محافظة سوهاج، والمعنى أنه كان يمكن أن يقوم بالمهمة ولو من بوركينا فاسو!

ولأول مرة في التاريخ لا يفتتح المسؤول المشروعات بنفسه، وسط لفيف من البشر، وبالطريقة التقليدية المتعارف عليها منذ أن خلق الله الخلق؛ ذلك بأن الهاجس الأمني يمنع دائماً عبد الفتاح السيسي من أن يقوم بالأدوار التي كان يقوم بها رؤساء الجمهورية السابقون، بمن فيهم حسني مبارك، والذي كان يعمل ألف حساب للمخاطر الأمنية، لاسيما وأنه تعرض لأكثر من مرة لمحاولة اغتيال، تقدر بالعشرات، ولاسيما أيضاً أنه شاهد السادات غارقاً في دمائه، فتسبب له هذا في عقدة، لكن الخوف عنده لم يصل إلى مرحلة عبد الفتاح السيسي!

ورجل يتحرك مفزوعاً هل يعقل، أن يسمح بشخص بسيط أن يغشي مجلسه، ويقف متحدثاً بدون إذن؟، وإذا بالسيسي يدعوه للصعود للمنصة وأن يشرح على الخريطة، فمَن هذا المواطن البسيط الذي يمكنه الشرح على الخريطة؟، إلا إذا سلمنا بأن الأمر يقوم به مجموعة من الممثلين الهواة، فكان تمثيلهم ارتجالياً لم يوضع له "اسكريبت" ولم تراع فيه الحبكة الدرامية، فلم يكد يجن الليل، ويتم التعارف على "الحاج حمام" حتى يتحول الأمر إلى فضيحة من العيار الثقيل!

فالحاج حمام، حاصل على شهادة عليا، وهو عضو سابق في الحزب الوطني المنحل، وعضو حالي في حزب الأجهزة الأمنية "مستقبل وطن" وسبق الاستعانة به في "أفلام" عن إنجازات الجيش، من إعداد وإخراج الشؤون المعنوية. وقد كان الفيلم يستهدف أن يبدو السيسي بسيطاً، ويبدو لبساطته مستعداً لأن يستمع لمواطن بسيط بل ويدفع به إلى المنصة ليشرح على الخريطة، ويبدو أن السيسي منبهر بالكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، الذي ظل لسنوات منبهراً بالاكتشاف العبقري المسمى "الخريطة"، فيشرح على "الخريطة"، ويطلب من محاوريه أن ينظروا إلى "الخريطة"، ثم يصمت متأملاً "الخريطة"، وقديماً قال أحد الصحفيين الشبان كاذباً، إنه التقى بالأستاذ في مكتبه والذي قال له "بص يا أحمد على الخريطة" في معرض إجابته على سؤال وجهه له الصحفي الشاب. ولما سألته: وماذا وجدت في الخريطة بعد أن نظرت إليها؟..بدا سؤالي مفاجأة له، فقد كان يعتقد أن انظر للخريطة تساوي بالضبط انظر إلى الأمام!

وعند اكتشاف حقيقة الحاج حمام، أصبح السيسي كَكَلّ على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير، فقد كنت أعتقد أن سوء الحظ يلاحقه في رحلاته الخارجية فقط، ولم أكن أعتقد أنه يلازمه في الداخل أيضاً، وإلى حد أن الناس انشغلت بالفيلم الهابط، فلم يهتموا بالوقوف على طبيعة المشروعات التي افتتحها والتي وصفتها جريدة "المصري اليوم" بأنها "عدد من المشروعات التنموية"، وإن كنت لم أنتبه إلا لكوبري طهطا، وهكذا تواضعت الأحلام فبدلاً من الحديث عن المشروعات العملاقة، صارت إنجازات الرئيس الهُمام هي افتتاح كوبري بواسطة "الفيديو كونفرنس"، وهو يتعامل على قواعد الاستشراق فيدخل في نوبة ضحك وهو يقول "الصعايدة".. ولم يكمل لأنه يفتقد في كلامه للجملة المكتملة، لكن عدم إكماله هنا مثل سخرية من القوم، وكأنه كان ينتوي إطلاق نكتة تسخر منهم، وبدلاً من أن يكسب أهل الصعيد الذين فشل في احتوائهم إذا به يزيد الهوة بينه وبينهم!

لقد رُفع عنه الستر الإلهي.

أضف تعليقك