• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

حين أبرزت صحيفة «الحياة» اللندنية على رأس صفحتها الأولى أمس (الأربعاء ٧/٦) تصريح وزير الخارجية السعودى عادل الجبير فى باريس الذى قال فيه إن «على قطر وقف دعم حماس والإخوان»، فإن ذلك زاد الأمر غموضا، ذلك أننا فهمنا حين انفجرت الأزمة الخليجية أن سبب الانقلاب على قطر راجع إلى التصريح الذى نسب إليها ودعا إلى عدم التصعيد ضد إيران، خروجا على ما دعا إليه بيان قمة الرياض، الأمر الذى دفع بعض الصحف السعودية إلى وصف قطر بأنها «جاسوسة إيران»، وهذا التفاوت فى تحديد سبب الأزمة، تزامن مع ما بثته الـ«سى. إن. إن» الأمريكية من أن خبراء المباحث الفيدرالية (إف. بى. آى) رجحوا أن يكون التسريب الذى كذبته الدوحة، وراءه قرصنة روسية. وكان القطريون قد طلبوا فى وقت سابق من الأمريكيين والأتراك أن يتحروا مصدر القرصنة التى تمت وأطلقت شرارة الأزمة.

 

إزاء ذلك فأغلب الظن أننا سنحتاج إلى وقت أطول لكى نفهم سبب الأزمة الخطيرة. لكن ما يدهشنا أن القصف الإعلامى والحصار شبه الكامل لقطر وشعبها مستمران بوتيرة متزايدة، فى حين أننا لا نعرف بالضبط هل عوقبت قطر لأنها دعت إلى عدم التصعيد ضد إيران، أو لأنها تدعم حماس والإخوان، أم أن هناك أسبابا أخرى لا نعرفها فجرت الخلاف واستدعت إعلان الحرب السياسية والاقتصادية ضدها.

 

وإذا كانت الوقائع غير ثابتة وغير واضحة، كما أن نتائج الحرب الدائرة فى علم الغيب، فإن فى لغة التراشق الحاصل وأسلحته ما يستحق الملاحظة، إذ إلى جانب الحصار غير المسبوق الذى فرض على قطر وشعبها، فإن الغطاء الإعلامى له كشف عن أن وسائل الإعلام المرئى منها والمكتوب تخلت عن وظائفها المهنية، وتحولت إلى «أبواق» للأنظمة وظفت لكسب المعركة السياسية. وإذا كان ذلك الوضع قد أصبح مألوفا فى العالم العربى، فإن لغة التراشق بدت صادمة على نحو مذهل. إذ حتى إذا صحت حكاية الدعوة إلى عدم التصعيد ضد إيران، فإننى لا أتصور أن يعد ذلك جريمة. خصوصا أن ذلك رأى له وجاهته يعبر عنه البعض، وأنا منهم، وهم الذين يختلفون مع السياسة الإيرانية ويحملونها بعض المسئولية عما يجرى، خصوصا فى اليمن، كما أنهم يحذرون من التصعيد السياسى العسكرى ضدها. ويعتبرون التحالف مع إسرائيل ضد طهران من الكبائر السياسية التى لا تغتفر.

 

وإذا فهمنا أن إسرائيل تعتبر حركة حماس إرهابية، ويتضامن معها فى ذلك الرئيس الأمريكى، فإننا لم نتوقعه من وزير الخارجية السعودى، بل أزعم أن وقوف قطر مع المقاومة الفلسطينية يحسب لها وليس عليها، أما دعم قطر للإخوان فهو قضية خلافية، علما بأن الإخوان المصريين فى أزماتهم السابقة كان يلجأ أكثرهم إلى السعودية والكويت وبعضهم إلى أبوظبى (أحدهم هو الدكتور عز الدين إبراهيم عمل مستشار للشيخ زايد رحمه الله لسنوات طويلة). وبالمناسبة فإن الموجودين منهم فى لندن أهم وأكثر ممن بقوا فى الدوحة التى أبعدت عددا منهم استقر أغلبهم فى تركيا.

بدا مدهشا أيضا ذلك الجدل الذى أثير حول وضع قاعدة «العديد» العسكرية الأمريكية فى قطر ــ وتضمن التشكيك فى تعاونها «الاستراتيجى» مع الولايات المتحدة. وفى حين أن جيلى كان يعتبر القواعد العسكرية «وصمة» يجب الخلاص منها، فإن التواجد الأجنبى على الأرض العربية صار فى زماننا وساما على الصدر تتنافس بعض الدول على الفوز به.

لا تغادرنا الدهشة حين نلاحظ أن زمن الصراع ضد هيمنة الدول الكبرى انتهى، وصار الصراع قائما حول الاحتماء بتلك الدول والتقرب إليها، كما أنه صار صراعا بين الأشقاء فى البيت العربى الذى تهدمت أركانه وغاب عنه الكبار، بحيث صارت مصائره مرتهنة للعبث والطيش. ألا يسوغ لنا ذلك أن نرفع أصواتنا مستنكرين ذلك العبث وهاتفين: لا تفعلوه باسمنا رجاء.

أضف تعليقك