• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

وكما قال الشاعر أحمد بك شوقي: «إن المصائب يجمعن المصابينا»، فقد انضم بنيامين نتنياهو، إلى الحلف الاستراتيجي، الذي يدعو إلى إغلاق قناة «الجزيرة»!

وإذا عُرف السبب بطل العجب، فـ»الجزيرة» هى شريك في الانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني في موقعة المسجد الأقصى، فقد نقلت انتفاضة المرابطين إلى العالم أجمع، ومن خلال فريق عملها هناك، الذين واصلوا الليل بالنهار، لينقلوا الصورة الكاملة، لنضال شعب، في لحظة هزيمة للأمة. تجسدت باستماع المجلس التشريعي في غزة لخطاب من محمد دحلان عن طريق «الفيديو كونفرنس»!
كان دحلان يلقي خطابه، وتبثه القنوات المملوكة لحركة حماس بالصوت والصورة، في لحظة هزيمة للقضية الفلسطينية، بينما الجزيرة تنقل صورة الآلاف، في حشد قتال، إلى المسجد الأقصى، بعد أن تم اجبار الحكومة الإسرائيلية على رفع البوابات الالكترونية، وهي تتجرع السم، وتقبل بالهزيمة، فكانت هزيمتها على شاشة الجزيرة، واضحة، وكان انتصارها على شاشة قناة «الأقصى»، لا تخطئه عين، في لحظة لم نميز فيها بين قناة «الغد» المملوكة لمحمد دحلان، و«الأقصى» المملوكة لحماس.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فقد شاهدت تواً قناة «دحلان» ومقرها الرئيس في القاهرة، فوجدت تغييراً طرأ على اسمها، فلم تعد قناة «الغد العربي»، فقد تم حذف «العربي»، استعداداً للعب على المكشوف، فماله هو بالعربي ماضيا وحاضراً؟!

المرحلة الأضعف

لم يصل الفلسطينيون إلى هذا النصر، هبة من المجتمع الدولي، أو بعد تدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو خوفاً من المغاوير قادة الدول العربية، ولكنهم حققوه بحرصهم على النصر، في وقت كان هناك من خضع بالقول وبالعمل، لما يراه تغيرا طرأ في العالم الغربي، لا يسمح في العالم العربي إلا بالهزائم، ونقلت «الجزيرة» نضال أهل القدس، ومن المفارقات أنها المرحلة الأضعف في تاريخ القضية الفلسطينية، فأكبر بلد عربي لم يشهد مظاهرة هذه المرة تندد بالعدوان الإسرائيلي، ودول الخليج كانت قد قررت اللعب على المكشوف، وتستعد للتطبيع مع إسرائيل، وحدث توافق بين شيوخ الدين في المملكة وشيوخ السلطة في مصر، تجعل من المسجد الأقصى قضية فلسطينية – قطرية، وقال «خالد الجندي» عبر إحدى القنوات التلفزيونية، أن ما يجري في القدس، هو لرفع الحصار عن قطر، ولم نشاهد هذه المرة سوى مظاهرة في الأردن، وأخرى في تركيا، وبدا الاحتياطي الاستراتيجي من مخزون الشجب والإدانة والاستنكار قد نضب من البلدان العربية، فلم نسمع إلا صوتين فقط كانا معنيين بالأقصى والقضية الفلسطينية، الأول للرئيس التركي طيب رجب أردوغان، والثاني لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومن القنوات التلفزيونية لم تبق للقضية سوى قناة الجزيرة، وكفى بها نعمة.

عندما أُتخذ القرار بوضع البوابات الالكترونية أمام المسجد الأقصى، كانت الجزيرة مشغولة بقضية الحصار المفروض على قطر، لكنها مع ذلك انشغلت بالقضية الأم، ونقلت الانتفاضة الفلسطينية على مدار الساعة، وكانت كاميرا الجزيرة مباشر ترصد صمود الشعب الفلسطيني، ذوداً عن قدسية أولى القبلتين، فكانت ظهيراً للانتفاضة في زمن التعتيم الإعلامي، ووجد بنيامين نتنياهو فيما فعلت، جريمة لأنها نقلت الانتفاضة إلى العالم، فوقف على حجم الانتهاكات الإسرائيلية، فانضم إلى أصدقائه وأذرع المشروع الإسرائيلي في المنطقة، وطالب بإغلاق الجزيرة، وهدد بإغلاق مكتبها في القدس!

لقد وضعت دول الحصار على قائمة مطالبها، إغلاق قناة الجزيرة، وقال حاكم الشارقة في صبيحة يوم الحصار لن يكون مقبولا هذه المرة بأقل من إغلاق الجزيرة بعد إغلاق «الجزيرة مباشر مصر» بناء على طلب خليجي في السابق، ولم يكن الأمر له علاقة بتدخل القناة في الشؤون الداخلية لدول الجوار، يقصدون مصر، فالشاهد، أن الانقلاب العسكري هو نتاج تدخل السعودية والإمارات في شؤون القاهرة، وهناك قنوات سعودية وإماراتية وقفت مع الثورة المضادة، كما أن قنوات تلفزيونية وصحف ومواقع في مصر تمول تمويلاً كاملاً من هذه الدول، وعبر موفدها محمد دحلان، ولا يمكن أبداً فهم زيارة هذا الدحلان لمقار هذه الصحف، على أنها للوقوف على الخبرة المصرية في مجال الصحافة، أو انه توماس فريدمان جاء لينقل خبرته الصحافية للصحافيين المصريين في برنامج للتدريب على الكتابة الصحفية بين القديم والحديث!

محنة سيناء

ما علينا، لقد كان واضحاً للعيان، أن الحملة على قطر، والتي هبط فيها الإعلام السعودي للخوض في الأعراض، والتطاول على الأنساب، إنما يستهدف وقف قناة الجزيرة لترتيبات ستتم على مستوى القضية الفلسطينية، فيما عُرف بصفقة القرن، التي يتحاشى أطرافها ذكر تفاصيلها، والتي بدا من الواضح أنها تعني تسليم جزء من سيناء للفلسطينيين، وكانت البداية مع الانقلاب العسكري، لتحويل سيناء إلى ساحة حرب، وتهجير سكانها، استعداداً لهذا المخطط الجهنمي، وتحويلها إلى منطقة مغلقة ممنوع الاقتراب أو التصوير.

في مؤتمر الشباب الأخير، طالب عبد الفتاح السيسي الإعلام بتغطية انتصارات الجيش على الإرهابيين في سيناء، وهو يعلم أن سيناء أرض محرمة على الصحافيين، فهذه أول حرب تفتقد للمحررين العسكريين، وما ينشر من هناك، إما نقلاً عن ما يكتبه المتحدث العسكري عبر صفحته على «الفيسبوك»، أو نقلاً عن مواقع تنظيم داعش، أو مصدرها اتصالات بالأهالي، فليس مسموحاً للصحافيين بالانتقال لأرض المعركة، لأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، بمن في ذلك الإعلاميين الذين يمثلون الأذرع الإعلامية للعسكر!

وذلك، لأن الحقيقة يمكن أن تتسرب عبر الصحافيين، وإن لم ينشروها، وفي تجربتي في هذا الصدد أن بعض الأخبار المهمة، كنا قبل الثورة لا نعرفها إلا من خلال طلب «مكتب الصحافة» التابع لوزارة الإعلام، وهو وإن كان يقوم بإبلاغ الصحف بقرارات النائب العام بحظر النشر في بعض القضايا فإنه كان يطلب بشكل عرفي عدم النشر لأخبار أخرى، وفي اليوم التالي كانت هذه الأخبار هى مثار حديث الناس على المقاهي وفي الحافلات العامة، وقد توقف عمل «مكتب الصحافة» بعد الثورة، ثم عاد مرة أخرى بعد الانقلاب، وقد تلقيت منه اتصالاً هاتفياً بصفتي رئيس تحرير، يطلب الاهتمام بإبراز خبر يخص إعلان تأييد مسؤول أمريكي لبيان عبد الفتاح السيسي، ولم أكذب خبراً ونشرت أنني تلقيت اتصالاً هاتفياً من مكتب «الصحافة» يطلب مني إبراز تصريحات المسؤول الأمريكي. ولا أعرف إلى الآن الطبيعة القانونية لمكتب الصحافة هذا.

كان اتصال مكتب الصحافة في فترة يؤكد فيها الإنقلابيون انحياز البيت الأبيض لهم، وفي المقابل فإن رافضي الانقلاب، كانوا في دعايتهم يؤكدون أن الغرب لن يقبل بالانقلابات العسكرية، وكانوا القادة الميدانيون في خطابهم يحرصون على أن يكونوا على مستوى «رجال الدولة»، وفي انتظار الحل الدولي، وقد انتصر الفلسطينيون في موقعة المسجد الأقصى لأنهم لم يلقوا بالاً للمجتمع الدولي ولم يطلبوا النصر منه.

صفقة القرن

ما علينا، فقد كانت الخطوة التالي لإعلان سيناء ساحة حرب مغلقة، يمنع الاقتراب أو التصوير، هو الترويج بأن سيناء لم تكن مصرية، وهى الدعاية التي بدأها الجنرال حمدي بخيت، المربي الفاضل للسيسي، في برنامج تلفزيوني، ثم بدأ الكلام يتردد بقوة في كثير من البرامج وبواسطة جنرالات بالجيش، وهذا ما يمهد الطريق لخطوة تالية، هى صفقة القرن، التي لا يمكن تمريرها في وجود قناة الجزيرة، فاحتشدت الأذرع السياسية للمشروع الصهيوني، لتطالب بإغلاقها ضمن الشروط الثلاثة عشر، مقابل رفع الحصار!

وإذا كانت الكتلة الصهيونية في المنطقة قد وجدت أن هذه هى الفرصة المواتية للانقضاض على القضية الفلسطينية وتصفيتها، لاسيما وأن حركة حماس استقامت أكثر مما ينبغي فلم تقبل بمحمود عباس، وإنما قبلت بما هو دونه وهو محمد دحلان، فإن النصر جاء من جبهة أخرى لم تكن في الحسبان، وربما وجد نتنياهو أن هذه فرصته لتأميم المسجد الأقصى، فمن يخيف في أمة العرب، فحتى حماس وفي ذكرى الاعتداء على غزة، استقبلت موفد إسرائيل على الرحب والسعة، ليطل من قناتها «الأقصى»! 

وكما فوجئ نتنياهو برد فعل الشعب الفلسطيني في القدس، فقد فوجئ بموقف الجزيرة، التي ظن أنه جاءها ما يشغلها، والحصار المفروض على قطر يلزمها بألا تفتح جبهات أخرى، لكن الجزيرة نقلت بالصوت والصورة الجريمة الإسرائيلية، تماماً كما كانت تفعل في السابق مع كل جرائمها، منذ بث إرسالها في سنة 1996، وفي كل الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، كانت الجزيرة تنقل هذا الإجرام، الذي لم يرحم صغيراً، ولم يستثن مدنياً.

وهنا، فقد نتنياهو صوابه، وطلب بإغلاق الجزيرة، وغلق مكتبها، ولم ينتبه إلى أن أذرع المشروع الصهيوني في المنطقة، فُضحت فضيحة المختون يوم طلوعه على المعاش، فقد نظر إليهم العالم على أنهم قدموا تواً من عالم ما قبل العصر الحجري، عندما «يتحزمون» ويطلبون «على واحدة ونصف» بإغلاق قناة تلفزيونية، بدلاً من أن يطالبوا بتغيير سياستها مثلاً، ولأنهم تحولوا إلى مسخرة من العيار الثقيل، فقد بدأت بعض الأذرع الإعلامية لدول الحصار تردد أن إغلاق الجزيرة ليس مطلبها ولكن قطر وضعته لتستجلب اللعنات عليهم!

وفي هذا التوقيت يعلن ولي أمر دول الحصار من مستوطنته بضرورة إغلاق مكتب الجزيرة في القدس، باعتبارها شريك في هزيمته في وقت ظن أن القضية الفلسطينية لم يعد لها من ينصرها.
وهذه الدعوة من نتنياهو هى إحدى علامات الهزيمة، في وقت كان من المفترض أن يكون فيه مبتهجاً، ومحمد دحلان يصل لغزة، وتنقل خطابه التاريخي قناة مملوكة لحماس.
فالأقصى كان عبر شاشة الجزيرة، وليس عبر قناة الأقصى، في يوم أذل الله فيه نتنياهو ومن معه.

أضف تعليقك