• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

وانتهى، مسلسل «الراية البيضاء»، على قناة «ماسبيرو زمان»، قبل أن أهم بكتابة هذه السطور، وكانت خاتمته نداء بصوت الفنانة «فردوس عبد الحميد»، إلى الجالسين على الرصيف من أهالي الإسكندرية، للانضمام إلى الدرع البشري، الذي جلس في مواجهته «بلدوزر الجهل» لمنع هدم «فيلا أبو الغار»، فبدا المسلسل كله كما لو كان إسقاطاً على المرحلة الحالية، وأن هذه الفيلا الأثرية ترمز إلى مصر، التي تتعرض الآن، لمحاولة إجبار مالكها لبيعها لـ «فضة المعداوي»، التي ترمز على غير إرادة كاتب العمل ومخرجه، إلى الإمارات العربية المتحدة!

لم يعد أمام عبد الفتاح السيسي، إلا أن يغلق قناة «ماسبيرو زمان»، التي بدت كما لو كانت تستهدفه، مع أنها لا تقدم سوى الأعمال القديمة، وقبل مسلسل «الراية البيضاء»، تم عرض مسلسل «عصفور النار»، وفيه تكررت عبارة الأرض كالعرض، وهذا في مرحلة يفرط فيها المذكور، في أرض مصر، ومن «تيران وصنافير»، إلى «الوراق»، لكن المسلسل الذي انتهت آخر حلقاته قبل قليل، بدا كله إسقاطاً على الوضع الراهن، مع أن عرضه الأول، كان في سنة 1988، ومؤلفه هو الراحل أسامة أنور عكاشة، ومخرجه هو محمد فاضل، وعكاشة هو أيضاً مؤلف «عصفور النار»، كما أن «فاضل» هو مخرجه أيضاً.

وفي تقديري أن صاحب قرار اختيار الأعمال التي تعرض على شاشة «ماسبيرو زمان»، لم يكن في نيته الإساءة إلى السيسي، فمن يعتقد أن أعمالاً قديمة يمكن أن ترمز إلى أعمال ارتكبت بعد أكثر من ثلاثين سنة من إنتاجها، فصاحب قرار الاختيار قطعاً حسن النية، مثله مثل زميله في القناة الأولى، الذي أراد أن يحتفي بالدور الوطني العظيم للفنان حمدي أحمد، الذي استدعاه الأمن، وجلب له الشبيحة ليقوموا بدور أعضاء الجمعية العمومية لحزب العمل قبل سبعة عشر عاماً، وتنصيب الفنان المشهور رئيساً لحزب كان قد استقال منه، وذلك لتمكين لجنة شؤون الأحزاب من تجميد الحزب، وإغلاق صحيفته «الشعب»!
ليلتها، جاءت الطوبة في المعطوبة، وعرض التلفزيون المصري احتفاء بالرجل، مسلسل القاهرة 30، حيث قام فيه «حمدي أحمد» بدور «محجوب عبد الدايم» القروي الذي جاء إلى ابن قريته «سالم الإخشيدي»، طالباً منه أن يعينه في وظيفة في الوزارة التي يعمل بها، فإذا بعمله زوج بالإنابة وعلى الورق فقط، حيث زوجه من عشيقته «إحسان»، على الورق على أن يزورها «سالم» في بيتها مرة في كل أسبوع، فكان التلفزيون كالدبة التي قتلت صاحبها!

أثرياء الانفتاح

تدور أحداث مسلسل «الراية البيضاء» حول حرص «فضة المعداوي»، على شراء فيلا أبو الغار الأثرية، التي تقع في محافظة الإسكندرية، وقامت بدورها الفنانة القديرة «سناء جميل»، وهي ترمز إلى أثرياء سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي أخذ بها الرئيس السادات في فترة السبعينيات، وقد أفرزت مجموعة من الأثرياء الجهلاء، الذين ظنوا أنهم بأموالهم قادرون على أن يشتروا أي شيء، وأن يفرضوا ثقافة الجهل على المجتمع.

«فضة المعداوي» كانت فتاة فقيرة، سبق اتهامها في قضية سرقة، ودخلت السجن لتقضي فيه عامين، و»الفيلا»، التي قررت شراءها بأي سعر، مملوكة للسفير «مفيد أبو الغار»، أو جميل راتب، والذي تقاعد بعد خدمات جليلة أداها للوطن، لكن هذا كله لم يمنع من أن يخسر بعض الجولات أمام نفوذ صاحبة المال على جهلها، وتعرض لسلسلة متصلة من الضغوط، إلى أن تم إدخاله السجن، في قضية ملفقة بحيازة قطعة أثار، ولم ينقذه منذ ذلك إلا التقارير التي أفادت أنها مقلدة، كما أن من ناصروه، تعرضوا لضغوط أيضاً، فسمية الألفي أو الصحافية «أمل صبور»، والفنان هشام سليم أو «هشام أنيس عبد الحليم»، تم تلفيق قضية دعارة لهما، والقبض عليهما لأنهما ناصرا «أبو الغار» في قضيته، ودخولهما السجن كان خدمة لشبكات الفساد، وتمثل الأولى «فضة المعداوي»، والثانية عصابة، كانت مشغولة بتدمير الصحافية «أمل صبور»، لأنها قادت حملة صحافية ضد هذه العصابة، وكان خط الاتصال يتمثل في محامي العصابتين الفنان محمد متولي، أو «أبو طالب» كما هو في الدور!

الأمر الذي يكشف أننا أمام مؤسسة فساد، وقد نجحت «فضة المعداوي» في شراء الصحيفة التي تعمل بها «أمل صبور»، بالإعلان فيها، فامتنعت عن نشر حقيقة «فضة»، التي عندما كتبت «صبور» تتهمها بأنها عدوة الثقافة، تحولت بمساعدة المحامي أبو طالب، إلى راعية الفنون بمجرد تبرع قدمته لقصر الثقافة، وكان مشهداً فكاهياً و»فضة» تنتصب خطيبة، و»النونو»، أو الفنان «سيد زيان» يقف خلفها ويلقنها الخطاب، وكان «النونو» ابن المرحلة، فهو أحد صبيان «فضة»، ويظن أنه يمتلك صوتا جميلاً، ويسعي لأن تنتج له «فضة» ألبوماً غنائياً، كما أنه يظن أنه مثقف، ويحرص على أن يستخدم بعض المفردات بالفصحى بشكل فكاهي، فهو دائماً روحه المعدنية (يقصد المعنوية) في الحديد (يقصد في الحضيض) وهكذا!

«النونو»، في آخر مشهد في المسلسل التحق بمجموعة «أبو الغار» عندما علم أن ابن «فضة» زجّ بوالده إلى السجن في قضية كان من المفترض أن يسجن فيها ابن فضة.

ثلاث مؤسسات

إنه مسلسل يفسده التخليص، لأنه ليس كدراما هذه الأيام، التي يغلب عليها «المط»، ولا غرو حيث يقف خلفه ثلاث مؤسسات من العيار الثقيل، الأول المؤلف الذي هو بثقل مؤسسة، والمخرج وهو بحجم محمد فاضل، أما المنتج فهو اتحاد الإذاعة والتلفزيون، الذي تم تدمير قطاع الإنتاج به، بعد مرحلة ممدوح الليثي، وكان الهدف هو إفساح الطريق لمدينة الإنتاج الإعلامي، التي فشلت الآن، ولم تعد هناك جهة إنتاج يمكنها أن تتحمل الإنتاج الضخم، والأعمال الكبيرة والجادة.

وبعيداً عن هذا، فقد بدا مسلسل «الراية البيضاء» يحمل إسقاطاً على المرحلة الحالية، وكأنه يستهدف عبد الفتاح السيسي بشخصه، وما يفعله بتمكين الإماراتيين من السيطرة على مصر، أو «فيلا أبو الغار»، وفي شهر واحد وقفنا على ثلاث عمليات للتفريط دفعة واحدة، ولا شك أن ما خفي كان أعظم!

فبعد أن اكتشفنا أن إخلاء جزيرة الوراق من سكانها يستهدف تسليمها للإماراتيين، وهناك مدينة سياحية مكتملة جرى تصميمها في انتظار مهمة السيسي بتسليمهم الجزيرة، تم الإعلان عن تأسيس شركة مصرية – إماراتية، للسيطرة على مشروعات قناة السويس، وقبل هذا قرأنا أن الإمارات تم تمكينها من أراضي الساحل الشمالي تحت لافتة تنميته! 

لقد قاوم أهالي جزيرة الوراق، محاولة الاستيلاء على أراضيهم، وبعد أن فشلت قوات الأمن والجيش، في مهمة إخلاء الجزيرة، عاد عبد الفتاح السيسي يعرض على الأهالي مئتي ألف جنيه عن كل قيراط ، بعد أن فشلت الدعاية المكثفة من أن الأرض ملك الدولة، وأن الأهالي خارجون على القانون بالبناء عليها، الآن يأتي سمسار الأراضي ليعرض عليهم «البيع بالخسارة»، فبعد فشل مهمة الإخلاء القسري، فإننا أمام طريقة جديدة للإخلاء، لم يتوصل القانون الدولي لتوصيفها، لأن سماسرة الأراضي أصحاب عقول متجاوزة للقانون بشقيه المحلي والدولي!

ولا نعرف لماذا لم يظهر للأرض ثمن من قبل.. وما هو ثمن قيراط الأرض كما قبضه السيسي من الإماراتيين، لنعرف «فارق السعر» بين المعروض ثمناً للقيراط وما بيع به فعلا؟.. وذلك ليمكننا الوقوف على عمولة «سمسار الأراضي» من جراء هذه الصفقة، كما لا نعرف كيف تدفع الدولة مئتي ألف جنيه لكل قيراط، في الوقت الذي لم تدخل فيه ميزانياتها ثمن جزيرة الوراق كما دفعه الإماراتيون للسيسي؟.. ولماذا لا يتم الإعلان عن بيع الجزيرة بإجراءات البيع المتعارف عليها، فربما يكون هناك من يمكنه شراؤها بثمن أكبر، بدلاً من هذا البيع السري؟!

ونفس الأمر يسري، على مشروع تنمية قناة السويس، ومنطقة مثلث ماسبيرو، وتملك الساحل الشمالي؟ فنحن أمام بيع سري بالأمر المباشر، ليقودنا هذا إلى مقولة السفر «مفيد أبو الغار» الخالدة في مسلسل «الراية البيضاء»، من يفرط في الجزء يفرط في الكل!

الجدير بالذكر، أن إعلام الثورة المضادة الممول من قبل الإمارات، كان قد أشاع أيام حكم الرئيس محمد مرسي، أن الإخوان باعوا للقطريين منطقة قناة السويس، ومثلث ماسبيرو، ولم نكن نعلم أنهم يرتبون ثمن ما يدفعونه للانقلاب على الرئيس المنتخب، هو هذه المناطق، ويبدو أن مصر ستدفع من لحم الحي المال الإماراتي الذي منح بسخاء لحركة تمرد، ولكتّاب، وصحافيين، ومقدمي برامج، وصحف، وفضائيات، ولم يكن من الطبيعي أن نصدق أن أشخاصاً مصريين يمكن أن يؤسسوا قنوات تلفزيونية، ويدفعون لإعلاميين رواتب بملايين الجنيهات، ففي أي قناة في العالم يصبح فيها راتب مقدم البرامج يتجاوز المليون جنيه!

بيد أننا لم نعلم أنه كان استثماراً إماراتياً في الانقلاب، وقد جاء الوقت لأن تستولي الإمارات أو «فضة المعداوي»، على مصر أو «فيلا أبو الغار»، وهو دور واضح في هذا المسلسل، وإن كان دور عبد الفتاح السيسي، يدور حول دورين: الأول يمثله الفنان «محمد متولي»، أو «المحامي أبو طالب»، والثاني الفنان «أحمد صيام» أو «رجب»، والأول هو المحامي السمسار، الذي زوّر العقود، وفبرك القضايا، والثاني هو صبي المحامي أنيس عبد الحليم، حيث خانه لصالح أبو طالب وكانت أداته في بعض المهام القذرة!

لقد رفع «مفيد أبو الغار» ممثلاً عن المصريين «الراية البيضاء» كناية عن الاستسلام، ثم سرعان ما استمد من الحضور الجماهيري قوته، ليواجه مع جموع الشعب «فضة وزمانها».

إنها دعوة للوقوف في وجه «فضة» وذراعها في مصر عبد الفتاح السيسي، أو «أبو طالب» مزوّر العقود، وملفق القضايا، وصبيه «رجب»!

أيها المصريون «فيلا أبو الغار» تناديكم.

أضف تعليقك