• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

إذا وجد الحمار كنزاً فهو لا يفرح به إلا إذا كان حملاً كبيراً من التبن أوالبرسيم ، أما لو كان ذهباً فلربما دخل وخرج عليه ورآه عشرات المرات لكنه لن ينظر إليه إلا على أنه يضيق عليه الحظيرة ويشغل عليه مكاناً يمكن أن ينام ويتمرغ فيه .

وإذا تعقد حبل الحمار بعقدة بسيطة يكاد يختنق منها لكنه لا يستطيع فكها ولا التعامل معها ،إنما يظل يجذب الحبل بقوة فتشد عليه العقدة وهو على وضعه وطريقته فى حل الأزمة البسيطة التى يستطيع أى طفل صغير التعامل معها .

وقوة الحمار لا تعنى فى هذه الحالة أنه قد يستطيع حل العقدة وإنما ربما تصبح قوته عاملاً سلبيا فى زيادة تعقيدها أكثر وأكثر ،بل إن قوته تعنى عنده مزيداً من الرفس والعض لمن يمكن أن يتسلل ليحل عقدته وينقذ الموقف .

والحمار يمتلك صوتاًعالياً منكراً يخيل إليك حين تسمعه أنه غاضب مستفز يمكن أن يقلب الدنيا وينسف الجبال ثم حين ينتهى من النهيق يعود الى وضعه بمنتهى البساطة وكأن شيئاً لم يكن .

وهو رغم صوته العالى إلا أنه ليس عنده جديد ولا ابداع إنما هو صوت متكرر على نفس النمط ،يظهر عليه الحماس الشديد وكأنه يحتج على شئ ما أو يرفض ما هو فيه أو يريد شيئا مهما ،ثم تكتشف أن كل هذا الحماس والصوت العالى ليبدى اعجابه بحمارة تسير فى الجانب الآخر من الطريق ،فى الوقت الذى لا يصدر صوتاً ولا يتململ إذا زاد عليه الحمل أو منع عنه الطعام او ظل حبيس الحظيرة سنوات طويلة .

والحمار لم يتعود العيش إلا على حالتين اثنتين لا ثالث لهما ،إما مربوطاً فى الحقل أو الحظيرة لا يستطيع التقدم الا بما يسمح له طول الحبل وبعده عن الوتد ،وإما طليقاً لكنه مركوب يسير أينما وجهه من يركبه دون تفكير، وحتى حين ينزل من عليه من يركبه ويتركه أو حين يحاول الهرب فإنه لا يفعل شيئاً إلا أن يذهب للحظيرة ويدفع بابها برأسه ويقف فى مكانه وسط الروث والمخلفات منتظراً أن يأتى من يربطه .

والحمار لا يرفع رأسه لأعلى أبداً فمستوى النظر عنده دائماً أقل من المستوى الأفقى ، فهو لا يرى أكثر مما تحت أقدامه ومترين إلى الأمام لا أكثر، فهو يعيش لحظته ولا يفكر فيما هو قادم لأنه لا يراه أصلاً ولا يملك عقلاً للتفكير فيه .

وقد تعود الحمار على الطاعة العمياء لمن هو فوقه ولو كان طفلاً صغيراً فهو يتحرك وفق إرادته إن كان يميناً او شمالاً ولا تعلو همته ولا يتخلى عن بلادته الا بالتلويح له بالعصا .

وحين تحكم الحمير المكان يتحول بالتأكيد بمرور السنين إلى حظيرة كبيرة لا ترى فيها إلا الروث والمخلفات ولا تسمع فيها إلا صوت النهيق العالى الذى يستطيع أن يعلوا ويطغى على جميع الأصوات مع أنه مجرد نهيق .

وشيئاً فشيئاً بمرور السنين يستحيل العيش فى مكان تحكمه الحمير ولا تجد الأغلبية العظمى بداً من ترك المكان تباعاً ، فمن الذى يستطيع إقناع الحمير أن تستوعب أن هنا اسوداً ونمور وهنا ذئاباً وضباع وهنا أفيالاً وهنا غزلان وزرافات وهنا ثعالب وهنا حيات وعقارب وهنا أحصنة أصيلة ، وأن لكل خصوصيته وحسنانه وسيئاته وأن الكل يجب ان يعيش .

وعندما تحكم الحمير فهى لا تنظر لأنفسها على أنها حمير ولكنها تعتبر أنفسها أحصنة ما دامت تشبه الأحصنة وما دامت وضعت حدوة فى أقدامها كالأحصنة وزينت برادعها من الأمام بالنجوم والأشرطة وكأنها أحصنة صالت وجالت فى الميادين وخاضت حروباً وحققت بطولات واستحقت ألقاباً حتى وإن كانت لم تخض فى تاريخها حرباً ناجحة ولم تحرز انتصاراً ،لكن الثعالب الماكرة من حولها تزين لها ما تفعل وتصغق وتهلل لها ما دامت مستفيدة .

وعندما تحكم الحمير لا يبقى فى المكان إلا الثعالب التى تستطيع خداعها والحيات والعقارب والسحالى والصراصير التى تعجبها بيئة الحمير النتنه وتعتبرها مكاناً مثالياً للعبش فلا هى تشكل خطراً على الحمير ولا الحمير تحس تجاهها بالخطر .

ولكن على الكل أن ينتبه !!

حينما تتحكم الحمير وتحكم لا يجب أن يقال هذا حاكم متغلب والخروج عليه فتنة ،وإنما هذا حمار يحكم يأخذنا الى مصير مجهول ومظلم ، يجب على الجميع أن يتحدوا مهما كانت الخلافات والاختلافات لفداحة الخطب وعظم المصيبة وخطورة الأوضاع ، فلا أحد فى أمان والحاضر معهم مظلم والمستقبل أكثر ظلاماً .

أضف تعليقك