• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

إن تقدم المجتمعات ورقيها ، تبدأ من صفوف الدراسة وفصولها ، ولا مكان غير ذلك يمكننا أن نحكم من خلاله علي تقدم المجتمعات أو تأخرها غيره ، والتناسب بين نسبة التعليم وجودته ، وبين رقي المجتمع ورفعته ، تناسباً طرديا .

 

وكل المجتمعات التي مرت بكبوات في تاريخها ، وكادت أن تذوب وتنتهي وتتلاشي ، وتنتهي حضارتها ، ثم عادت علي قمة الهرم الحضاري وسادت وأصبحت قدوة وأنموذجا يُحتذي به إنما فعلت ذلك حينما بدأت إفاقتها في غرف الدراسة ، وفي معامل البحث ، حيث بدأت البناء من داخل الصفوف والفصول.

 

وحجر الزاوية في نهضة التعليم عوامل مشتركة ومتشابكة ومتداخلة ، ومن الصعوبة بمكان الفصل بينهما ، وأهم عناصر نهضة التعليم هو دولة المعلم ، الذي يحرك ويشكل وجدان الأمة ، ويغرس فيها القيم التي لا تنتزع جذورها من داخلنا إلا بعد أن نفارق الحياة ، ودولة المعلم تدرك حجم الدور الذي يقوم به المعلم ، فتمنحه من الحقوق والصلاحيات ما تجعله جديرا بالقيام بدوره في نهضة الأمة وتقدمها وارتقائها سلم التقدم هرولة حتى تصل إلي قمته مصحوبة بدولة المعلم الذي يشرف علي التقدم والرقي في كل المراحل من المهد حتى التربع علي قمة الهرم الحضاري العلمي الإنساني ، دولة المعلم يكون فيها المعلم قائدا ، وفارسا ، فقد كفته دولة المعلم هم الحياة وصغائرها التي تجعله ينصرف عن مهمته الأساسية إلي مهمة هي من أرذل وأخفض المهام التي تقضي علي التعليم ونهضته ، فوعت ذلك دولة المعلم وجعلته في مقدمة الصفوف ووقرته ، وأعطته المكانة التي يحترم فيها نفسه أولا ومن ثم يكون جديرا باحترام التلاميذ والطلاب.

والدولة الإسلامية الحقيقية هي دولة مُعلم ، فقد كانت أول كلمات الوحي المبارك دعوة للتعلم والتعليم والحرص عليهما وتحديد مجالهما وصرفه إلي كل أنواع العلوم والمعارف ، وأشاد الله بالعلم والعلماء في أكثر من مكان في القرآن الكريم ، وفي السنة النبوية المطهرة ، كان شأن المعلم فيها كبيرا بحجم مهمته المنوطة به .

وهناك معلم الدولة الذي انكسرت فيها هيبة المعلم وتمزقت كرامته ، وأصبح حجر الزاوية مهشما، لا طاقة له مادية ولا نفسية بمهمته التي أُوكل بها ، فهو إما معلم انتهازي ترك مهمته الأساسية وانصرف إلي تمزيق وتنظيف جيوب أولياء الأمور... طواعية وكرها نظير ما يقدمه من مهمة مكانها الأساسي صفوف الدراسة وليست حجرات الدروس الخصوصية ، ليحقق لنفسه حياة كريمة ، وأراه معذورا في ذلك فهو يريد أن يعيش في مستوي دولة المعلم وليس معلم الدولة ، وإما يكون مُعلما شريفا يبذل طاقته وجهده كالسواد الأعظم من المعلمين في مصر ، ويعجز عن توفير حد الكفاف لأسرته ولأولاده ، فتطحنه الحياة والديون ويفقد بريقه وروحه ويكون مسخا أمام طلابه وأمام أبنائه ، فأثوابه التي تخرج بها في الجامعة لا زالت رفيقته ويتعامل معها مرة بالتوسعة ومرة بالتقطيب ، فهو يؤثر أبناءه علي نفسه ، يحمل هم الطعام والشراب ، يحمل هم نفقات أبنائه ، ويكبر همه كلما كبر أبناؤه وكبرت مطالبهم ، وقد ينصرف إلي أعمال تتنافي وكونه معلما مما يجعله يشعر بأنه سقط متاع في هذا المجتمع ، فكل نداءٍ يفزعه ، ولا يتقدم في شيء... فيتأخر عن ركب الحضارة ويتأخر معه كل المجتمع ، فنهضة المجتمع موقوفة ومرهونة بنهضة المعلم وتحويله من معلم الدولة إلي دولة المعلم.

فإن أردتم نهضة فعليكم بحجر زاويتها رمموه وقدموه واكفوه عناء الحياة يكفيكم نهضة وتقدما.

 

أضف تعليقك