• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

صناعة اليأس حرفة قديمة ، ولها صُناعها وعُمالها الذين قد تتخطي مهارتهم كل تخيل، والذين قد ينبهر بمنطقهم وبحديثهم، الأفذاذ من الرجال، وقد تتأثر نفسيات الكثير بذلك، وتفعل حرفة صُناع اليأس فيهم الأفاعيل، بل أن صناعة اليأس قد تتفوق علي مصانع بث الأمل، وقد يتضح ذلك في عز الأزمة وقبيل الانفراجة ، وأعزو ذلك لخلل جلل في الأحداث وعراقيل وحواجز تملأ دروب الأمل ، واستغلال صناع اليأس لهذا الخلل الجلل واللعب عليه. وهو قد يصادف هويً في نفوس البعض ، فيدور معه ويتبني نشره وبثه في النفوس، بلا تدقيق وبلا روية وبلا مناقشة أو تحليل، وذلك لحبكة الصناعة وحرفيتها، التي تأخذ بمجامع قلبه ونفسه إليها.

وأتذكر معكم مفاوضات النبي صلى الله عليه وسلم مع أشراف مكة من كل قبيلة وأذكر منهم عتبة بن ربيعة ، وأبو سفيان ، وأبو البختري بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام وغيرهم ، وهؤلاء كانوا سدنة الصد عن سبيل الله وكهان معبد الشرك والكفر قبل إسلام بعضهم.

وكذلك هم كانوا صناع اليأس وتقديمه كمنتج لكل من تسول له نفسه ويترك دين أبائه وأجداده ، فقد اتهموا النبي محمد بأنه أدخل علي قومه ما لم يدخله رجل قبله علي قومه ، فهو قد سب آباءهم ، وشتم الآلهة ، وسفه العقول ، وعرضوا عليه المال والحكم ، ولكنه كان يريد ما أراده الله له من النبوة والحكمة ، فقال لهم رسول الله أنه ما جاء يطلب مالا ولا حكما ، وإنما جئتكم برسالة السماء ، فإن قبلتموها فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم.

وتبرز من المشركين صناعة لليأس يئن تحت وطأتها أقوي الرجال ويشعر بالعجز ويلقي بنفسه بين منتجات اليأس يتخير لنفسه منها ما يرتاح إليه لتبرير فشله وعجزه وليرفع الحرج عن نفسه ويكف عن جلد ذاته ، لكن هيهات لهم ما يتمنون ، قالوا له إن كنت لست قابلا منا شيئا مما ذكرنا ، وتزعم أنك قد جئت برسالة السماء فاصنع لنا صنيعا يليق بزعمك اتصالك بالسماء ، اذهب عنا الجبال ، وابسط لنا بلادنا ، واجعل الأنهار تتفجر فيها كأنهار بلاد الشام ، وابعث من مضي من آبائنا ، ويكون منهم قصي بن كلاب فإن كان قصي شيخ صدق ، نسأله عما تقول أحق هو أم باطل ، فإن صدقك وصنعت ما سألناك ؛ صدقناك وعرفنا منزلتك من الله ، وأنه بعثك رسولا كما تقول .

إن لِمثل هذا الحديث وهذه المطالب لجديرة بأن تحطم العظام وتدرس النفس درسا تحت وقع كلماتها ، وجديرة بأن تجعل الأفذاذ من الرجال ينصرفوا عن أي مهمة أوكلت بهم ، لأنها مطالب معجزة ولا طاقة لبشر بها ، ولكن حينما يصدق العزم وتتضح الرؤية ، وتُعلم حقيقة المهمة ، يكون الرد أكثر إعجازا، وأكثر مضيا، بل يجعل السحر ينقلب علي الساحر .

ثم يزداد القوم صلفا وغرورا وتيئسا وتعجيزا، وقالوا فإن لم تفعل فسل ربك أن يرسل معك ملكا يؤمن علي ما تقول ، ويراجعنا عنك ، أو يجعل لك قصورا وجنانا وكنوزا ، لأنك مثلنا تمشي في الأسواق وتأكل الطعام!!!

وارتفع سقف مطالبهم وظنوا أن صناعتهم قد أفلحت..

ولكن لم يزد الرسول عما قاله لهم.. إنما أنا رسول السماء فإن قبلتم فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإلا أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم ، فلم تفلح هنا صناعة اليأس ووأد الأمل رغم حرفة الصنعة ولكنها صادفت قلباً وروحاً مملوءاً بالأمل والثقة واليقين فبارت صناعتهم وكسدت تجارتهم.

فخذوا القدوة من نبيكم واجعلوا أملكم وثقتكم ويقينكم في الله ، فما أنتم إلا علي درب نبيكم ، وما عدوكم بأكثر حرفة وحنكة وضراوة منهم ، خذوا بكل أسباب النجاح وبكل عوامل القوة ، وأعدوا ، واحفروا الخندق ، فالمدد سيأتيكم بعدها من السماء ، واجعلوا الأمل الذي يملأ قلوبكم في ربكم هو السيف الذي تمزقون به كل ما تنتجه لكم مصانع اليأس.

 

أضف تعليقك