• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

(2) .. بداية اختلاط الحابل بالنابل .

وعندما يكبر هؤلاء الأطفال الذين تربوا فى مؤسسات الأحداث كرافد أساسي للمجرمين والبلطحية والمواطنين الشرفاء يبدأ كل منهم يصنع أسطورته حسب إمكاناته الجسمانية والعقلية ويشق طريقه ويعرف تخصصه فصاحب البنيان الضعيف نسبيا يصلح كنشال وصاحب الإمكانات العقلية الأعلى يصلح كلص منازل وبنوك وخلافه وصاحب الإمكانات البدنية العالية يصلح كفتوة قاطع طريق أو جامع إتاوات أو حارس شخصي لأحد المهين ووجهاء البلد من الراقصات والفنانين وكبار السياسيين .

ومنهم من يستطيع عندما يكبر السيطرة على مجموعة من أطفال الشوارع والمراهقين وتكوين فرقة خاصة به تعمل بأمره ولحسابه فى كل ما هو ممنوع .

وهناك روافد أخرى كثيرة للبلطحية والمجرمين حسب طبيعة النشأة والبيئة والمناخ فمنهم الكثيرين فى الأرياف والأحياء الشعبية وحتى من أبناء العائلات الطيبة لكنهم منبهرين بنموذج البلطجى فى الأفلام السينمائية والتى تقدمه فى صورة البطل المبهر المشهور .

هذه النماذج وغيرها يشتركون جميعهم فى خاصية أن لكل منهم ملفا فى القسم القريب منه ويكبر ملفه بزيادة نشاطه وسوابقه وعليه فهو مرتبط ارتباطا مباشرا بضابط مباحث المنطقة ويدور فى فلكه .

يحتاج رضا هذا الضابط أكثر من أى شيء فى حياته لتأثيره الشديد على مفردات معيشته وينتقل ملفه وتبعيته إلى الضابط الذي يليه أو يحل محله فى أي حركة تنقلات .

يتوازى مع هذه الشبكة من المجرمين والبلطجية من الرجال شبكة أخرى معروفة من النساء يعملون أيضا فى مجالات النشل والسرقة ويزيد عليهم شبكة منتشرة وكبيرة تعمل فى الدعارة وكلها معلومة وتحت سيطرة الداخلية .

وبما أن الشرطة جهاز يعتمد على الملفات والبيانات وجمع المعلومات فقد كانت هناك دائما قاعدة بيانات للبلطحية والسوابق رجالا ونساء فى زمامات الأقسام المختلفة تتصاعد لتصبح قاعدة بيانات فى كل مصر .

وتماما كما أن هناك قاعدة بيانات للطرق فى هيئة الطرق وقاعدة بيانات للترع والمصارف في وزارة الري وقاعدة بيانات للمحولات ومحطات الكهرباء في وزارة الكهرباء توجد قاعدة بيانات البلطجية والخارجين على القانون وقطاع الطرق وأرباب الدعارة بل وحتى الشحاذين في وزارة الداخلية .

وعندما قامت ثورة 25 يناير كانت هذه المعطيات السابقة كلها وكل قاعدة البيانات موجودة معدة ومرتبة فى وزارة الداخلية وموجودة أيضا عند المخابرات العامة وغيرها من الأجهزة المعنية .

وقد كان من السذاجة أن ظن البعض منا ومن هؤلاء البلطجية أيضا أن كل تلك الملفات كانت فقط مع الشرطة وعليه وفى بداية انهيار الشرطة تمت على أيدي هؤلاء البلطحية عمليات انتقامية وسحل للضباط ومحاولات انتقام ممن كانوا يعذبونهم وأيضا بحث مستعر عن ملفاتهم .

وهم لا يعلمون أن نسخا إليكترونية من كل تلك الملفات بالإضافة لملفات السياسيين والفنانين ورموز المجتمع محفوظة في أماكن أخرى أمينة .

وسرعان ما خرجت الملفات لكل فريق على حدة لتوضع الأمور للدولة العميقة فى نصابها وتبدأ عمليات المساومات والتنازلات والخدمات والسيطرة على كل من له ملفات مشينة .

هذا العالم الموازى من أرباب السوابق والبلطحية رجالا ونساء لم يكن الكثير من الناس منتبها له ولا لإمكانياته وقدرته على التأثير .

وإذا كان الليبراليون والعلمانيون واليساريون والإسلاميون ورموز النظام القديم يحسبون حساب بعضهم البعض بدقة .

وإذا كان الجميع يستطيع تحديد رموز التيارات الأخرى بمنتهى السهولة ويستطيع توقع ردود أفعالهم والاجتماع والتفاوض معهم كلما أراد .

فإن كل هؤلاء وغيرهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن هذا المارد الكامن والمتواري خلف ملفات الداخلية والمخابرات ليخرج لهم وقت اللزوم فى صور مختلفة .

تارة فى صورة شباب ثورة يواجهون الشرطة فى الميادين بكل شجاعة وسط الثوار فى محمد محمود وماسبيرو وغيرها وبخطط وأهداف خاصة مدروسة .

وتارة فى صورة مواطنين شرفاء يدافعون عن النظام القديم .

وتارة فى صورة إسلاميين ملتحين يهتفون ضد الليبراليين والعلمانيين . وتارة فى صورة تيارات يسارية وعلمانية يزايدون على الإسلاميين .

والجميع يزايد على الجميع والكل يشتم ويتهم الكل .

وليختلط الحابل بالنابل .

وللحديث بقية .

أضف تعليقك