• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

سأبتعد قليلا وأتجاوز حدود الوحي والتأييد الرباني لرسوله، الذي لم يقتصر الرسول عليه ولو كان قد اقتصر عليه لكفاه الله، ولكنه أخذ بكل الأسباب البشرية لنقتدي به، ولكن سأقترب جدا من الجهد البشري الذي بذله الرسول صلى الله عليه وسلم لإتمام وإنجاح الهجرة ، فإن بشريته لا بد أن يمتد أثرها فينا ، فليس هناك وحي بعد الرسول، وإعمال العقل والتدبير واجب شرعي لإنجاح وإتمام أي عمل دق أو عظُم .

فصاحب رحلة الإسراء والمعراج والمؤيد بربه وبكون هذه الرحلة معجزة ، والتي خرج النجاح فيها بمعزل عن كل أسباب البشر، و جاءت مثبته للعقول والقلوب المؤمنة وسالبة للألباب غير المؤمنة ، هو نفسه صاحب رحلة الهجرة من مكة إلي المدينة ، والتي اجتهد فيها ، وأخذ بكل الأسباب البشرية ليكون قدوة لنا في كل الأمور .

فبداية لقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم كل الوسائل المتاحة له والتي تتسق مع الواقع المجرد ، فلم يفكر في غير الوسائل المتاحة ، وما استصغر وسائله ، وتعلمنا منه ذلك حتى لا نُعَجْز أنفسنا بحجة عدم إدراكنا للوسيلة غير المتاحة أصلا ، فعلمنا النبي أن نجتهد في استغلال المتاح وتطويره، وعدم الوقوف حيال أمر ما موقف العاجز .

وقد كان الرسول ذو تصور ذهني لا مثيل له، فقد استشرف ببشريته كل ما قد يحدث أثناء الرحلة المباركة ، وتوقع الأزمات، ووضع لكل مشكلة قد تواجهه حلاً ، حتى أن خيالي يسرح طويل كلما قرأت عن الهجرة ، واقف موقف المحب الوله بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم البشرية ، في التخطيط والتنفيذ ، وفرض المواقف ووضع الحلول السريعة لها...

بدأت فكرة الهجرة للبحث عن قواعد جديدة للإسلام لتنطلق منها الدعوة بدلا من مكة التي ضاقت أرضا و واديا بالرسول وبممن اتبعه ، وأصبحت بيئة فاسدة ، لا حياة فيها ولا قرار فيها لغير الظالمين ولغير المجرمين الذين كرهوا كل ما هو طاهر وكل ما هو مرتبط بالسماء فقرروا إخراجهم أو إكراههم علي الخروج .

أخذ الرسول بكل أسباب النصر ، عنصر المفاجأة ، حيث لم يكن يعلم أحد بخروجه هو وصاحبه ، فهو يحارب قريش وحده ولكنها حرب عقول لا بد أن يكون النصر فيها للأكثر حيطة وذكاء وحنكة ، استخدم الخداع الاستراتيجي ، فأبقي عليا في فراشه الطاهر حتى تظل قريش أمام الباب ظنا منهم أن هذا المسجي في الفراش والملتحف ببردته هو النبي محمد ليكسب وقتا ويتمكن من السير حتى يخرج من مكة ، ومن الخداع الاستراتيجي تغيير الطريق الذي يألفه الناس ، بطريق قلما يسير فيه أحد ، ولم يكن النبي ليغفل عن أهمية المعلومات وفائدتها في الإبقاء أو تغيير مرحلة من مراحل الخطة بناء علي متغيرات حدثت علم بنبئها النبي ، فاستخدم عبدالله بن أبي بكر لجمع المعلومات وتوصيلها ، وحتي يُفسد علي قريش حرفتها في قيافة الأثر ، استخدم عامر بن فهيرة لطمس كل دليل ينم عن وجهة النبي ، واستعان في الإمداد والتموين بأسماء ذات النطاقين ، وهنا لا بد أن نتوقف عند الثقات الذين استعان بهم الرسول فمن الملفت للنظر أن ابن وبنت أبا بكر كانا يتفانيان في عملهما ، ومن الملفت للنظر أن يكون اختيار الرسول لأبيهما لصحبته ، آه لو وعينا هذا الدرس.

الطريق وعر ودروبه صعبة وشديدة الوعورة وقد يتوه هو وصاحبه في شعابه ، وهو الذي يوحي إليه من السماء ، ولكنه استعان بدليل علي غير دينه وملته ، عبدالله بن أريقط اليهودي ،ولكنه كان ثقة ، علي قدر الأجر الذي تقاضاه.

وكان لكل مرحلة من مراحل الهجرة المباركة ، تقيم من الرسول صلي الله عليه وسلم وتدارك لما يَجِدُ ، والتعامل حسب الرؤية التي تتكشف تباعاً.

ومن هذا التخطيط المحكم والتأييد الرباني جاء نجاح رحلة الهجرة النبوية الشريفة.

فيا كل مهاجر إلي الله ، يا كل ساعٍ لنصرة الحق ، هل تلفت حولك وعرفت وسائلك المتاحة وأخذت بالإفادة منها ، هل جلست وتصورت ما قد يحدث وأعددت له عدته ، هل طوفت بخيالك في واقعك واستشرفت مستقبلك ،ووضعت خططك بناء علي هذا التصور ، هل أخذت بكل أسباب النصر ، هل لديك رؤية ، هل لديك جهازك المعلوماتي الدقيق

اجلس وتباحث... وقرر.. وامضي فإنك إن فعلت فستصل إلي يثرب مؤزرا بتوفيق الله ونصره.

وستعود يوما لتفتح ما استعصي عليك مكبرا ومهللا.

لا تستصغر وسائلك طالما هي المتاحة.

أضف تعليقك