• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

تفتح جريمة اغتيال الأستاذ محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، ملف الحديث عن جرائم الإهمال الطبي داخل سجون الانقلاب.

وبات من الواضح أن "الإهمال الطبي" أصبح وسيلة يتبعها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ومعاونيه، لتصفية القيادات المعارضة المحتجزة في السجون، خصوصًا المنتمية لجماعة "الإخوان المسلمين".

فقد لقي الشهيد محمد مهدي عاكف تعنتا شديدا من القضاء الظالم، وذلك بعد أن صار مطيّة للانقلاب العسكري الدموي يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، فما بين رفض الإفراج عنه بضمانات احترازية، ورفض نقله للعلاج في مستشفى خاص ليتلقى العلاج الطبي المناسب.

ورفض جزار القضاء القاضي "شيرين فهمي" إخلاء سبيل عاكف بضمانات احترازية بعد تدهور حالته الصحية بشكل كبير، ففي 18 سبتمبر أثناء هزلية "أحداث مكتب الإرشاد"، عُرض تقرير طبي بتاريخ 13 سبتمبر ففي 18 سبتمبر يفيد الكشف الطبي عليه، والذي أكد أن المريض يعاني من سرطان بالبنكرياس، وارتفاع نسبة الصفراء بالجسم، وورم القنوات المرارية، مما يتعذر نقله لحضور الجلسات.

وفي 19 يناير سبقه تقرير طبي أيضًا عن "عاكف"، يفيد الكشف الطبي عليه، وشُخّصت حالته بسرطان في القنوات المرارية وتضخم في البروستاتا وكسر في المفصل الأيسر وضعف في عضلة القلب، وأنه حضر إلى المستشفى يعاني من ارتفاع حاد بالصفراء وتم عمل قسطرة بالقنوات المرارية، وتركيب مفصل أسمنتي، وأنه لا يزال تحت الرعاية الطبية والعلاج اللازم، وأن الحالة لا تسمح بخروجه من المستشفى ويحتاج رعاية خاصة، لعدم قدرته على تناول الطعام بشكل منفرد، أو تلقي العلاج وتغيير ملابسه بشكل منفرد.

إلا أن القاضي منذ ذلك التقرير والتقارير الطبية المتلاحقة التي تؤكد الحالة الصحية المتدهورة للغاية، لـ"عاكف"، لم يخلِ سبيله بتدابير احترازية لتلقي العلاج، رغم تعدد هذه التقارير على مدار 9 شهور كاملة، وكانت هيئة الدفاع عن "عاكف" تحمّل القاضي مسئولية حياته.

شهداء الإهمال الطبي

لم يكن استشهاد الأستاذ مهدي عاكف هو الجريمة الأولى لسلطات الانقلاب، ففي أغسطس المنصرم استشهد عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، المهندس عبد العظيم الشرقاوي، داخل المستشفى العام في بني سويف، بعد احتجازه 6 أيام داخل قسم العناية المركزة في المستشفى إثر تدهور حالته الصحية داخل سجن بني سويف.

وأفادت التقارير بأن الشرقاوي توفي بعد رحلة قاسية من الإهمال الطبي ومنع العلاج والدواء، وعاش فترة طويلة في سجن انفرادي شديد الحراسة - كغيره من قادة الجماعة وشبابها - يقاسي الموت البطيء، ولم تتحرك للمجرمين أي مشاعر إنسانية بل ازدادت تبلدًا وقسوة حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.

كما استشهد الدكتور فريد إسماعيل، القيادي بحزب الحرية والعدالة، وعضو مجلس الشعب الشرعي عام 2015، إثر غيبوبة كبدية في زنزانته أثناء اعتقاله في سجن العقرب شديد الحراسة.

جاء ذلك عقب حرمانه من الأدوية والتعامل معه بقسوة وإهمال علاجه من جانب سلطات الانقلاب، مما أدى لتدهور حالته الصحية ووفاته.

طارق الغندور

تكررت الجريمة مع القيادي بحزب الحرية والعدالة وأستاذ الطب بجامعة عين شمس د. طارق الغندور، والذي توفي بعدما تعرض في سجنه لنزيف حاد استمر ثماني ساعات بلا مغيث.

وأفلادت التقارير بأن الغندور ظل ينزف ثماني ساعات وهو مكبل اليدين، وبعد النزيف الحاد زاره طبيب السجن المناوب بعد طلوع النهار، رغم أن هذا الطبيب موجود ليلًا وطوال فترة النزيف، لكن لم يمر عليه إلا بعد أن تأكد أنه توفي إكلينيكيًا وانخفض "الهيموغلوبين" من 11 الى 3.5 أي إنه توفي تماما بحسب التقارير التي حصلت عليها العائلة.

وصرح شقيق الغندور بأنهم أخذوا شقيقه إلى المستشفى وألحقوه بجهاز الأكسجين للتظاهر بالاهتمام به رغم أنه كان قد توفي فعليًا، لكنهم أرادوا تجنب التهم الجنائية وهي القتل العمد، وذلك عبر استخراج شهادة الوفاة الرسمية بما يفيد بأنه توفي في المستشفى وليس في السجن.

الفلاحجي 

كما استشهد النائب وأحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين محمد الفلاحجي في سجن جمصة العمومي، نتيجة الإهمال الطبي في السجن.

وكانت حالة الفلاحجي الصحية قد تدهورت ليتم نقله للمستشفى مرتين، وفي المرة الأولى في التاسع من مارس 2015،  قالت زوجته إنه أصيب بتليف الكبد وتضخم فى الطحال وبوادر حالة استسقاء بحسب تشخيص الأطباء الموجودين معه بسجن جمصة .

وأضافت زوجته إن إدارة سجن جمصة قامت بتحويله إلى قسم شرطة ثانِ دمياط لعرضة على أحد المستشفيات دمياط، وبحسب زوجة ‫‏الفلاحجى وقتها فإن المستشفى التخصصى بدمياط رفضت توقيع الكشف الطبى عليه واكتفت بإعطائه حقنه مسكنه وأمام إصراره على الكشف قاموا بإجراء أشعة تليفزيونية له ورفضوا أعطائه صورة لها أو تقرير بالحالة – على حد قولها، وبعدها تمت إعادته إلى قسم شرطة ثانِ دمياط ليتم احتجازه في ظروف سيئة.

"الكرامة" تعلق

وقال مركز الكرامة لحقوق الانسان تعليقًا على الواقعة إن الفلاحجي بعد إعادته لقسم شرطة ثاني دمياط، وتم وضعه في زنزانة بلا فراش أو غطاء ما أجبره على النوم مباشرة على الأرض.. وأفاد الضحية أن الآلام بلغت به حدا لم يستطع معه النوم، وطلب مجددا نقله إلى المستشفى.

وعن واقعة نقله الثانية للمستشفى قال مركز الكرامة  "إنه بعد معاناة طويلة، وبعدما ساءت حالته، نقل في 8 أبريل 2015 على وجه السرعة إلى مستشفى دمياط".

وجاء التشخيص في هذه المرة مخالفًا لم نقل عن أسرته في المرة الأولى.. حيث أشار المركز إلى أن "الفحوصات أظهرت أنه يعاني من حصى في كليته اليسرى والتهاب في المرارة"، وأضاف المركز إنه رغم ذلك لم يصف له الأطباء أي علاج.

ونقل المركز عن أقارب الفلاحجي تشكيكهم في أسباب نقله للمستشفى وأن الغرض هو إعطاء الانطباع بأنه يتلقى العناية الصحية المناسبة وليس علاجه.

سياسة القتل البطيء

لا تتوقف مطالبات منظمة هيومن رايتس مونيتور بفتح تحقيق دولي في ظروف الاحتجاز في سجون الانقلاب، بعدما دق جرس الإنذار في تزايد أعداد القتلى داخل السجون، مع وقوع حياة نحو 5000 معتقل مريض في الخطر بعد تهدد حياتهم وتردي حالتهم الصحية.

كما طالبت المنظمة بتوفير خدمات الرعاية الطبية والأدوية الكافية للمرضى، وتمكينهم من الحصول على أعلى مستوى ممكن من الرعاية الصحية، وضمان توفير أفضل الظروف الممكنة لتحقيق ذلك، مع توفير أماكن احتجاز آدمية لائقة بالمعتقلين.

وهو ما لا يقابله تحرك من قبل مصلحة السجون، فإما أن تترك المعتقلين داخل الزنازين حتى الموت وإما أن تنقلهم إلى مستشفيات السجون غير المجهزة طبيًا بشكل كامل، وهي مع ذلك ترفض دخول أدوية إليهم، حسب ما يرويه كثيرون من أهالي المعتقلين.

ولا توجد إحصائية رسمية بعدد المتوفين داخل سجون الانقلاب العسكري بسبب تدهور حالتهم الصحية نتيجة الإهمال الطبي أو رفض مصلحة السجون نقلهم لمستشفيات مجهزة.

وحسب مراقبين فإنه لا يمتلك أرقامًا دقيقة لأعداد المتوفين لأسباب صحية إلا النيابة العامة ووزارة داخلية الانقلاب، وهو لايودون الكشف عن الأرقام الحقيقة كي لا يكشفون حجم جرائمهم، التي يرتكبونها ضد المعتقلين.

وتتوالى انتقادات الحقوقيين لحالات الإهمال الطبي في السجون، مؤكدين أنها أصبحت متعمدة ووسيلة للتنكيل بالمعارضيين، ذلك بالإضافة إلى أن النيابة في كافة الحالات ترفض السماح بالاطلاع على ملف القضايا لتعرض المتهمين للاختفاء والتعذيب.

ويوضح حقوقيون أن من حصلوا على الإفراج الصحي كان بعد ضغط وتدهور الحالة الصحية للنهاية واقترابهم من الموت، موضحين أن الأمر يبدأ بالأحوال المعيشية السيئة داخل السجون والتنكيل والوضع في التأديب والانفرادي ونظرًا للتعنت في التريض وعدم التعرض لأشعة الشمس يصاب المحبوسين بالأمراض المزمنة وقد يصل الأمر لإصابتهم بالسرطان.
 

أضف تعليقك