بعد شهرين أو أكثر من مسح أحمد دومة عرقه، وهو يعلق على غنائم قتل عبد الفتاح السيسي الإخوان المسلمين في ميدان رابعة العدوية من قناة الملياردير ساويرس، وكأن الإخوان كانوا هم يهود بني قريظة، وعلى فرحة أحمد حرارة التي لم يستطع حتى أن يكتمها في صدره إلى ما بعد جمع الغنائم من "رابعة" كالسيوف والنبال والمنجنيق والمدافع والدانات.
وبعدما تفضّلت القوى المدنية قاطبةً بالرقص على "تسلم الأيادي" في استديوهات محمد أبو العينين، يتقدمهم باللاسّة الحرير شاعر الشعب، أحمد فؤاد نجم، راقصا بالعصا بصحبة القصائد التي تم تخميرها في "حوش قدم" بماء الفقر واللفت والاشتراكية والحاجة، وانطلقت الدعوات "افرم يا سيسي" أو "اشنق يا سيسي". وقال أصحاب التنظير الفرعوني: "لقد عاد لنا أحمس". وقال القوميون: "عادت أمجاد السد العالي ونور ناصر يضيء في عيون ابنه عبد الفتاح". وخرجت فتاوى أهل السلف من زبائن أروقة أمن الدولة، ومنهم من قال "لقد استعجل الإخوان تقسيم الغنائم".. وهكذا، فموقعة أحُد تتناسل فيهم، وتعيد آياتها فيهم.
وبعد شهرين، إذا بأحمد دومة ومحمد عادل وعلاء عبد الفتاح في السجن. وبعد أسابيع يلحقهم أحمد ماهر، ثم بعد ذلك جماعات من "6 إبريل" و"الاشتراكيين الثوريين"، وكلهم انطلقوا من مقاهي البورصة في وسط البلد. الآن ومن سنتين تم غلق كل مقاهي البورصة تماما، وتكاد لا ترى هناك سوى القطط.
وكان هذا هو أول جزء مأساوي في السيناريو، جعله المخرج ناقوس إنذار في المقدمة، كي يعتبر المشاهد، ولا يندهش من الآتي، لأن الآتي دائما أفدح. الآن، تم بيع قناة ساويرس نفسها لأحمد أبو هشيمة، وتم تسريح جمال فهمي بكل نظريات جمال عبد الناصر، وتمت أيضا محاكمة كاتب برنامجها العضو الفاعل في نقابة الصحافيين، ورئيس نقابة الصحافيين السابق يحيى قلاش وسكرتير نقابتها، ولا عزاء لأي شو ناصري يتم بزواج عرفي ثم ينتهي (ولنا في برنامج قلم رصاص لحمدي قنديل أسوة حسنة).
ثم جاءت أشياء للتسالي، كغلق قناة توفيق عكاشة وعودته إلى البط والخيول، وإدخاله مرة أخرى في مسلسل جانبي مع طليقته، كمسلسل أحمد عزّ مع زينة، أو مسلسل الممثلة انتصار مع ضابط الداخلية في آخر الليل، وأشياء أخرى مصنوعة تشبه أجواء ميمي شكيب. ولكن بممثلات كومبارس، اشترك بعضهن في الثورة، كنهى العمروسي، فجاءت تهمتها بالمخدرات في جاليري الزمالك، أو الممثلة ميريهان حسين، وتحرّش الضابط بها وضربها، بعدها استقامت نهى ورمت الثورة وميدان التحرير من الشباك، وعادت ميريهان حسين إلى الأضواء.
وتواصلت باقي الأطباق الفاتحة للشهية والدسمة للجماهير، كفصْل عكاشة من البرلمان، وتقديمه للمحاكمة لتزويره شهادة الدكتوراه، وجاء الحكم بسنة سجنا. ويقول عكاشة ضاحكا، وكأنه يلاعب الجماهير في مسرح هزلي بروض الفرج: "أخذت الدكتوراه بالبوس". واضح أننا ننتقل، خلال خمسين سنة، من روض الفرج إلى العباسية، ثم نعود إلى تياتروهات روض الفرج عند اللزوم، ثم نعود إلى العباسية، حسبما يرى المخرج، تم عزل محمد عصمت السادات (رئيس حزب) ومازلت أعتقد أنه من المهندسين العتاة لانقلاب 30/6، فأين ذهب حزبه، وأين راحت كوادره الحزبية؟ (والله يمكن يقولوا في تركيا)، وإن كنت أرى أن ملعوب محمد أنور السادات مازال كبيرا، والأيام ستقول، مثله مثل مسلسل أحمد شفيق وعبد الرحيم علي.
"هو عبد الرحيم، بنى منصات المعارضة ولا لسه؟ وهيبنيها من بلكونة أحمد شفيق بالإمارات العربية المتحدة؟ ولا من الأمن الوطني المصري؟". ثم سريعا جاء مسلسل غلق 467 موقعا إلكترونيا، وغلق مكتبات وسط البلد بالشمع الأحمر، وآخرها مكتبة رئيس الحزب المصري الديمقراطي، حتى ولو كان مصريا وديمقراطيا، ومن أشرس مكونات "30/6"، خدمة واستخداما، ولا يهمنا، كله من أجل مصر، حتى انتهينا إلى نزع الجنسية، وآخرتها: "ملط". وبكره: "تشوفوا الباقي".
أضف تعليقك