• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لا زالت رائحة القش الجديد تملئ المكان ، وأصوات أكواب الشاي ورائحته التي يميزها كل من تذوق حلاوته في هذه الأكواب الصغيرة وهذا المذاق الخاطف هي أيضًا تلف المكان ، والود الذي عكره هذا الاعتداء لا يزال واضحًا علي وجوه الحاضرين دونما تمييز يذكر بين أطراف الخصومة فالكل في تلاحم وفي حالة تأهب قصوى لإعلان لحظة الرحيل ، رحيل تلكم الأحزان التي ظلت جاثمة علي كل أجواء البحيرة ، فطلقات الذخيرة التي كانوا يدخرونها لتكون زادهم إذا ما احتد الخلاف واشتد وطال ، وتحتم عليهم العداء ،يريدونها أن تكون دليلًا علي ذهاب الحزن وحلول الأفراح والسعادة بإطلاقها في سماء البحيرة ابتهاجًا بالصلح الذي حدث ، فتكون تلكم الطلقات التي دوت وأضاءت سماء البحيرة المظلم إيذانًا ببداية تزاور العائلات الأخرى للعائلتين المتخاصمين اللذان وقعا عقد التصالح قبيل هذا الإطلاق الكثيف لنيران البنادق التي تطفئ نيران الغضب.

وقبل أن يجيب الصائل المعتدي علي سؤالي ، استأذن صاحب البيت المعتدي عليه في أن يتحدث هو لدقيقتين فقط ، فأشرت إليه أن يصمت ويؤجل ما يريد قوله إتباعا للعرف ، ولكن مفرح كان كمن رأي ضالته في هذا الاستئذان ، لظنه أن الرجل قد يقول كلامًا لا يحتاج معه الصائل أن يجيب علي سؤالي ، فنادي علي القضاة بهيئة المستعطف الذي يسبل عينيه وهو يدعونا لأن نستمع للرجل في دقيقتين وقال نصًا " ميجراش حاجه يا خلق نسمع الراجل هيقول ايه يا ناس مش قضية انه يتكلم وقلَّب نظره في وجوه الحاضرين يستحفزهم علي الانضمام إليه قائلًا ولا ايه يا رجالة البحيرة " فتحدث الرجل موجهًا حديثه للصائل في شكل استعطاف مكسوًا بالمهابة والشموخ ومنتهي العزة.. اسمع يا بني احنا من يوم المشكلة واحنا مطلعين ولادنا ع البر وحالفين عليهم ما ينزلوا البحيرة قبل ما المشكلة تتحل عشان نقصر الشر وأنت عارف ولادنا اللي بره وكل أهل البحيرة عارفينهم.

كل ما واحد منهم ناره تشتعل جواه نحلف عليه ونخرجه ع البر ، فيا ولدي متخليناش نندم إننا قصرنا الشر وما تكدبش... كانت هذه الكلمات بمثابة الروح التي سرت في ضمير الصائل فقام من رُقاده واستيقظ من سباته العميق ، ثم قال كنت أعمل علي البر وأحيا حياة ترضيني إلي أن رمتني الخطوب والحوادث والهروب من اضطهاد الحكومة فأردت الاختباء تحت صفحات الماء وبين أعواد البوص علني أتوه ولا يعثر علي أحد وكنت حدثًا إلي أن تعرفت علي هذه العائلة الكبيرة والتي تزوجت منهم كما تعلمون ، ولكنني كنت اليد القذرة التي يبطشون بها إن أرادوا ، وكانوا خلفي كلما بسطت لهم نفوذًا علي أماكن جديدة ، وطاب لي الأمر فبالسلاح أفعل ما أشاء في أطراف البحيرة وأبسط نفوذًا وأحقق لنفسي ما أريد من ثراء ، وتزداد الحماية من حولي ويعلو شأني ، ولم أكن أتجرأ علي الاقتراب ممن لديهم قوة ، فسطوتي علي البسطاء أفردها ، وأبدوا ناسكًا متعبدًا مبتسمًا أمام الأقوياء ، وضقت ذرعًا بسطوتي علي البسطاء ، وأردت تطوير قوتي واختبار ، بسط سيطرتي تدريجيًا وكنت محظوظًا أنني أتعثر في المسالمين ، فبالفعل زادت سطوتي ، وأردت تطوير الهجوم مدعوما من بعض أصهاري ، وبينما أتجول للبحث عن مكانٍ ارفع فيه راياتي لمحت هذا المكان الذي أعرف أصحابه جيدًا ولكنني ما كنت أعلم أنهم بهذه القوة وذلك الصولجان وتورطت فيما ترون ولا أُنكر كلمة مما قيل ، وأعلم جرمي الذي ارتكبت و مستعد لتحمل كل النتائج ، ومعي هؤلاء القوم الذين دعموني ، وأشعروني خفية أن كل ما في البحيرة كلأ مباح ما دامت القوة معي ولا أحد يقاومني...

فخيم الصمت علي الجميع وأخذت العيون تدور حول بعضها مستغربة لما قيل ، فيبدو أن هناك عالمٌ مخفي لا يعلم عنه أحد شيئًا ويجب علي الجميع البحث عنه وفيه حتى ينعم الجميع من أهل البحيرة بالأمان...

أما عني فقد هدأت نفسي وارتاح ضميري وسعدت بما وصلنا إليه بعد محاصرة العدالة للشيخ مفرح وللصائل حتى نطق بالحقيقة مرغمًا دونما أن يبدو أثرًا لمن تأَمروا لقلب الحقائق وقنص الحق من أصحابه... لأن الله سلم..

وكانت هناك عزيمة قوية للوصول إلي العدالة حيث العدالة شقيقة الحقيقة وقرينتها..

وعندما نطق الصائل بالحقيقة وفشلت كل محاولات التأثير عليه من بغاة القضاة واستيقظ الضمير الذي بداخله واستجاب للنداء الذي أرسله الله إليه في حروف وكلمات نطق بها صاحب البيت المُعتدي عليه فاستنهضه من غفوته التي قد طالت ، غرورًا بقوة زائلة وبنسب لن يغني عنه من الله شيئًا.

تفرستُ وجوه الحاضرين خلسةً ، فوجدت أن الجميع قد ارتاحوا لمجرد سماع الحقيقة فطالما ذُكرت الحقيقة فالعدل ردفًا لها ، ولأول مره أري هذا الارتياح علي الوجوه ، فقد سمعت من يقول الله أكبر يا رجال إنها محكمة حقيقية بقضاة حقيقيين ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.

 

ولقد سمعت منهم من قال :أن الحق سينتصر حقيقة لأول مرة ، ولأول مرة نري أن القاضي مفرح يخسر قضية ، فوجهت حديثي لمن قال ذلك وقولت بأن القاضي أبدًا لا يخسر قضية تحري فيها العدل لله فهو قاضٍ وليس محامٌ ... ولكن هو الضلال الذي يسبح في ظلماته قضاة النار يجعلهم يرتدون أرواب المحاماة علي الرغم من أنهم يجلسون علي منصة القضاء.

 

ولست أدري أهو التباسا في الوظائف أم فسادٌ في النفوس وفي العقول وفي القلوب .

 

انتهت القضية وتوجهنا لإقرار القرار الذي ينتظره الناس علي الرغم من تنبؤهم به ، وكان الحاج عبدالستار يسير معنا ويبدي إعجابه بكل ما حدث وأتممنا المحضر وكتبنا فيه أن الصائل المعتدي ومن دعموه يخسر كل المال الذي اتفقوا عليه ، ويغادر البحيرة حتى وإن بدا عليه الندم ، ولقد راوغنا مفرح في ذلك كثيرًا وقال بيكفي حكم واحد علي ذنب بلاش حكمين علي ذنب واحد ، فتحدثت بأن هذا الحكم مخفف ففي الأمر شروع في القتل وهتك العرض وانتهاك الحرمات فصاح مفرح كفاااية يلا عشان نمشي.... أتممنا المحضر وعودنا لنعلن الخبر... فانطلقت النيران من البنادق حينما رأوا النور يتهلل من محيانا وظلمات الجحيم تكسو وجه مفرح ومن معه من قضاة الهوى.... وأُضيئت سماء البحيرة بنيران العدل والحقيقة والسعادة...

انتهت

بفضل الله تعالي..

أضف تعليقك