• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لأن المثل المصري الدارجي يقول: «أبو بلاش كتر منه»، فقد ارتفعت أعداد الحملات التي تطالب بترشيح عبد الفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية القادمة، إلى ثلاث. فالحملة الأولى عنوانها «علشان يبنيها»، وجاء عنوان الثانية: «علشانك يا مصر»، أما «الاستمارة الثالثة»، فهي الخاصة بحملة «دعم القائد»!

وقد اطلعت على الاستمارات الثلاث، فهالني أنها رغم السطور القليلة، صدرت بصياغات ركيكة، لا تعرف من خلالها ما إذا كانت تهدف إلى حشد الناس لتأييد السيسي وتقدير جدارته بالترشح لدورة ثانية، أم أن الهدف منها هو تحريض القائد على الترشح؟، ليطرح سؤال نفسه: وهل قال القائد إنه لن يترشح؟!

في مقال سابق تطرقنا لحملة ترشيح جمال مبارك قبل الثورة، وكانت هناك دوافع وجيهة لهذه الحملة، فقد هدفت للتأكيد على أن الفتى له شعبية، وأنها تضغط عليه للترشح، وجاءت بعد خطاب «الوالد» في افتتاح البرلمان، عندما قال إنه سيظل يحكم ما دام هناك نفس يخرج، وقلب ينبض، ثم ارتفع بعيناه إلى الشرفة حيث يجلس الابن والزوجة، وقد تتبعت كاميرا التلفزيون نظراته، فوفقنا على المستهدفين بالرسالة، وقد علقت على هذا في حينه، وبدا لي أن التوريث ملفاً لم يحسم داخل «بيت الرئيس»، المتمسك بالحكم ما دام هناك نفس يخرج وقلب ينبض!

فكانت حملة تأييد ترشيح جمال مبارك، من بين حاشيته، لتمثل ضغطاً على الوالد ليستريح، ما دام فوز ابنه مضموناً، وهناك التفافاً شعبياً حوله للترشح، وبدا الوالد، أنه لا يمانع في توريث الحكم إلا بعد وفاته، وهذه الحاشية تدرك أنه إذا مات فقد انتهى كل شيء، فقد كانت تسارع الزمن، حتى لا تفاجئ برحيل مفاجئ لمبارك، لاسيما بعد سقوطه مغشياً عليه في البرلمان، وسفره للعلاج في الخارج لترميم عموده الفقري!

بيد أن عبد الفتاح السيسي، لا يوجد حوله زخم جماهيري مريء، يأمره بعدم الترشح لتصبح هذه الحملات المدعومة من قبل الأجهزة الأمنية والسلطة الحاكمة، مثيرة للسخرية، ولاسيما أنه لم يعلن مثلاً أنه يفكر في عدم الترشح، فهو سيخوض الانتخابات على قاعدة: «قاتل أو مقتول»!

السيسي جاء باستمارة، ويريد أن يبق في الحكم باستمارة، فقد جاء بـ «استمارة تمرد»، وأصحابها قالوا إنهم جمعوا أكثر من عشرين مليون توقيعاً، وكان الجنين في بطن أمه يعلم أنهم يكذبون، تماماً كما ادعوا أن عدداً مقارباً من هذا العدد كان في ميدان التحرير في يوم 30 يونيو 2013 (يوم الثورة المضادة) وكان الأمر خدعة، قام بها مخرج سينمائي هو (خالد يوسف) بطائرة الجيش، ويومئذ أعلن أستاذ في القانون أنها شرعية الحشود!

لا يستطيع السيسي أن يكرر التجربة، فلا يمكنه أن يدفع بأنصاره إلى الاحتشاد بأي ميدان ليطالبونه بالترشح، فيرى العالم هذه الحشود، ذلك بأنه سيعجز حتماً عن توفير أعداد مناصرة تشكل حشداً يملأ ميدان التحرير مثلاً، ثم إنه لا يضمن ألا تكون هذه فرصة للقوى الرافضة له أن تستغل السماح بالتظاهر، لتكون الرسالة المضادة تطالبه بالرحيل، فكان البحث عن طريقة آمنة، يمكنه من خلالها أن يرسل رسالة بها للخارج بأنه لا يزال مطلوباً مصرياً، فلم تكن هناك سوى وسيلة «الاستمارة»!

الراحل محمد حسنين هيكل (عراب الانقلاب) كان قد اقترح على السيسي فكرة التنحي، عندما وجد أنه قلق من اندثار شعبيته، وليس عنده ما يقدمه للناس، فكان الحل في إدعاء التنحي، لتخرج الجماهير تطالب بالتمسك به، وبخروجها فإنه يعود وقد أعفته المظاهرات المطالبة بعودته، عن ما يقدمه للناس، باعتباره وجود الضرورة، لكن طبيعة السيسي لا تمكنه من أن يخطو أي خطوة غير محسوبة، لأنه إن فعلها وخرجت الملايين للشوارع احتفالاً بقرار التنحي، فإنه يكون كمن أطلق الرصاص على رأسه من مسدسه!

ومن هنا فقد وجد السيسي أن «الاستمارة» هي الحل، فكانت استمارة «علشان تبنيها»، والتي تحولت إلى نكتة، بتوظيف صياغتها في «التنكيت والتبكيت»، ولأن أصحاب الاستمارة قالوا إن أعداد الموقعين عليها تجاوزوا ثلاثة ملايين، فإن العدد رغم أنه مبالغ فيه جداً، وقد أخذت التوقيعات في وجود التهديد الأمني، فإنه ليس شيئاً مذكوراً، إذا علمنا أن أعداد من لهم حق التصويت أكثر من (55) مليون مواطن، فكان الدفع بحملتين أخريتين الأولى حملة: «علشانك يا مصر»، والثانية «حملة دعم القائد»، ولم تتوقف الدعاية على إجبار الموظفين في الدولة على التوقيع كما في الحملة الأولى، ولكن تم استخدام تلاميذ المدارس الابتدائية في الدعاية، على نحو يمثل استغلالاً لهم منهي عنه قانوناً.

وعندما تطالع الاستمارات الثلاث، فسوف تقف على الإفلاس بشحمه ولحمه، فليس هناك إنجازاً ملموساً يمكن الانطلاق منه في تأييد الرجل، وتأكيد جدارته للبقاء لدورة ثانية، وقد اجتهدت حملة «دعم القائد» في اختراع إنجازات، إذا تجاوزنا ركاكة الصياغة، فسوف نقف على رداءة الإنجاز، والذي ليس أكثر من عبارات إنشائية، لا تشبع جائعاً ولا تروي ظمآناً، فالدافع لتأييده هو مواجهة التحديات التي (نواجهها) والتي تحتاج إلى (قائد قوي) يستكمل مسيرة التنمية والنهوض بمصر، بما لديه من قدرة على القيادة لاستكمال البناء!

دعك من مسيرة التنمية والنهوض بمصر، والتي تندرج ضمن بند «الغول والعنقاء والخل الوفي»، لكن يلاحظ أن الدعاية حيث الاحتياج إلى القائد القوي، تنطلق من المطلب القديم، بالاحتياج إلى (دكر) حيث لا يوجد (الذكور) سوى في الجيش، ولم يظهر عبد الفتاح السيسي كرامة في هذا الصدد!

فإذا تركنا مسيرة التنمية والنهوض والقدرة على القيادة لاستكمال البناء (السيسي أصلاً مقاول هدد)، وجدنا أنفسنا أمام مبرر آخر يدفع للتمسك بالمذكور لدورة ثانية، وهو، كما جاء في «الاستمارة الثالثة» يملك صفات القوة والحسم، بما لديه من قدرة على مواجهة الجماعات الإرهابية. وهو أمر يمكن اعتباره يدخل في باب الفكاهة، بعد حادث الواحات، وعند مواجهة حقيقية مع الشرطة مشكلة في أهم عناصرها، هذا فضلاً عن أن سيناء تحولت إلى ساحة مغلقة للمعارك ضد الارهاب لمدة أربع سنوات، عجز (القائد القوي) عن مجابهته والانتصار عليه، والذي وصل إلى قلب القاهرة بمحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق، واغتيال النائب العام، بجانب عدد من التفجيرات الأخرى، التي وصلت إلى الكنائس، دون الإمساك بالجناة!

لا شيء يمكن أن يقدمه السيسي إلا مزيداً من الفشل على كافة الأصعدة، وهذا ليس موضوعنا، فحملات الدعاية، كاشفة عن وضع بائس، حيث يخاف الرجل من خياله كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية، التي من المفترض أن تبدأ إجراءاتها في شهر فبراير المقبل، فيتصرف كالغريق الذي يتعلق في قشة، أو استمارة، لا فرق!

إنه كالذي يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت!

أضف تعليقك