إن رسولكم محمدٌ صلي الله عليه وسلم جاء بالحق الذي لا شك ولا مراء فيه ، وقد بشر به آخر الأنبياء قبله ، فقال : ومبشرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد.. وكل أحبار أهل الكتاب وعلمائهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، فكل الأمارات التي عاشوا يتدارسونها فيما بينهم قد وجدوها فيه ، وكانوا هم أولي بالإيمان به وبتصديقه من أي أحد ، ولكنهم كفروا به ، بل بلغ الكفر بهم والطغيان مبلغًا عظيمًا حينما سألهم المشركون عبدةٌ الأصنام عن دينهم ودين محمد فأقروا زورًا أن دين المشركين وعبادتهم ، هي الدين الصحيح وأن ما جاء به محمدٌ هو البهتان ، وذلك لحقد في نفوسهم وسواد في قلوبهم ، بسبب أن نبي آخر الزمان كان عربيًا قرشيًا ولم يكن من بني إسرائيل فسلكوا كل طريق لتكذيبة وهاموا في كل وادٍ يدعون الناس إلي الكفر به وتكذيبه ، وكلفهم ذلك الكثير ، ولكنهم بذلوا كل جهد في سبيل هذا الإفك ، وصدوا بذلك عن سبيل الله.
واستخدموا في ذلك كل وسائل الإعلام المتاحة لديهم ، بل وابتكروا وسائل عديدة لتدعم باطلهم وتؤازره ، وذلك لفطنتهم وخبرتهم بذلك الدور الكبير الذي يمكن أن يقوم به الإعلام في الصد عن الحق وفي الصد عن سبيل الله ، فقاموا بزيارة القبائل وتحريضهم علي محمد ، بل كانت لكتائبهم الإعلامية الدور الأكبر في حشد القوات وتجيش الجيوش لاقتحام المدينة المنورة علي النبي ومن معه فيها في غزوة الخندق .
ولكن الإعلام النبوي كان قويًا وأكثر تأثيرًا من إعلامهم ، فقد استخدم النبي الإعلام استخدامًا مؤيدًا بوحي السماء ، فكان النبي صلي الله عليه وسلم لا يترك وقتًا ولا فرصةً إلا وبلغ الناس برسالته ، بشكل إعلامي لا حدود لروعته .
فحينما أمره ربه بأن يصدع بدعوته ، ارتقي جبل الصفا ونادي في قريش ببطونها وأفخاذها ، فاجتمع الناس حوله ، وهيئهم الرسول إعلاميًا ونفسيًا لما سيلقيه عليهم ، وقال : يا أيها الناس أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا خلف هذا الجبل تُريد أن تُغير عليكم أكنتم مُصدِقي . وهو بذلك يختبر مصداقيته لديهم ، ويحفزهم علي السماع والإنصات لما سيقول ، لأنه سيلقي إليهم رسالة السماء ، وهو أمر مُعجز وقد يكون عصيًا علي التصديق ، فبادروه جميعًا بإجابتهم المستقرة في نفوسهم عن صدقه وأمانته... قالوا نعم ما جربنا عليك كذبًا قط.. فبادرهم بدعوته وقال إني رسول الله إليكم بين يديَّ عذاب شديد.
ولم يتوانَ المشركون في استخدام آلتهم الإعلامية المضادة الجبارة بجهد فردي ولكنها كانت جبارة حقًا ، فانبري أبو لهب وبث في قناته قوله : تبًا لك يا محمد ألهذا جمعتنا ... وجبروت هذه الرسالة وهذا البث المباشر من أبي لهب أنها من عمه ، وهو الذي يجدر به أن يصدقه ، ولكنه كذبه ونافحه وهو عمه فدعايته ضد محمد أقرب للتصديق عند الناس لأنه عمه والذي من المفترض أن يدعمه ويصدقه لأن هذا من عادات العرب أن ينصر أخاه ولو كان على باطل .. ألا فلا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجهالينا.. فحينما تكون المناوءة والمعارضة والتكذيب من أقرب الناس فهو أدعي للتصديق ومن هنا كانت رسالة أبي لهب قوية وءاتت أكلها فانصرف الناس عن النبي الذي يُوحي إليه من الله.
وصاحب الفكرة ، والقضية أيً ما كانت فكرته وقضيته إن غفل عن هذا الدور الجبار للإعلام وقصر في تطويره وفي التدريب عليه فلا يلومن إلا نفسه ، إذا أطاح به الإعلام المضاد المُضل في ظلمات الهلاك.
أضف تعليقك