• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

القضاء حصن وأمان لأفراد المجتمع الذى يريد العيش بسلام واطمئنان؛ لأن الغاية من القضاء هى إقامة العدل بين الناس، لذلك يلجأ الناس إلى القضاء لرفع الظلم عنهم وإعادة الحقوق لأصحابها، فمهمة القاضى أن يقتص من الظالم وإنصاف المظلوم، فإذا اهتز نظام القضاء فسوف يهتز المجتمع، ويسقط أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا!. وكما هو مشاهد اليوم فى ظل النظام الانقلابى، أصبح القضاء عصا النظام الغليظة التى يعاقب بها من يعارضه!.


فقد قرأت رسالة الأخت خديجة خيرت الشاطر، والتى حملت عنوان "فى وقاحة منقطعة النظير"، حيث شرحت المعاناة التى يلقاها أهالى المعتقلين لرؤية ذويهم بعد حرمانهم من الزيارة لمدة عام كامل!. حيث قالت: ندخل القاعة لرؤيتهم خلف زجاج عازل كاتم للصوت وعاكس للضوء، ويؤسفنى ما سأفصح عنه، ولكن ليعلم الجميع عصور الحرية والعدل التى نحياها، بعد تفتيش
مهين بمعنى الكلمة لما به من تحرش سافر وخادش للحياء، إذا بالمفتشة التى تقوم بالتفتيش تطالب إحدى بناتنا بخلع غياراتها الداخلية أمامها للتأكد من أن الفوطة الصحية ليست شيئا مهربا.


رفضت ابنتنا الغالية والدموع في عينيها، وخرجت من الغرفة في اتجاهها خارج المعهد؛ لأنها لن تقبل أن تنزل على طلب المفتشة، لم أتمالك نفسي من الذهول والدموع في العيون، قلت في نفسي، لعل الفتاة أخطأت الفهم، فذهبت أسأل المشرفة لترد بابتسامة خبيثة، أيوه لو عايزة تدخل تقلع.. غير كدة مفيش، والضباط ينظرون قائلين: لو رفضتم التفتيش اخرجوا من هنا، قلت للضابط نحن لم نرفض التفتيش، ولم نرفض التحرش الصارخ المهين الذي يتم كل مرة, فرد متهكمًا أنتِ في محكمة مش مول! قلت له أترضاه لبناتك وأهلك؟، قال لي لو كانوا أهلي كنت أمرتهم ألا يحضروا لي في محبسي، قلت له وماذا لو مُنعت بالأعوام عن رؤيتهم حتى نسوا ملامحك؟ قال هذا هو النظام وشرط الدخول. قلت له في أي أعراف وأي دين وأي قوانين ما تطالبون به؟ فيمنّ علينا أن المفتشة امرأة!.


وتختتم رسالتها بقولها: أنا اليوم أحكى الأمر، ليعلم الجميع ما وصل إليه الإسلاميون من غربة وإيذاء وإذلال، وأي فجر في الخصومة يمارسه عبيد السلطة وأحفاد القردة والخنازير!!.


أختاه كما ذكرتى، إنه ابتلاء ابتلينا به، أن يتحكم فينا أمثال هؤلاء، فقد ورد أنه بعد أن تجبّر البرامكة حينما كانوا وزراء لبنى العباس، ثم عزلوا وسجنوا وقبعوا في السجون المظلمة التي طالما حبسوا فيها غيرهم, فقال ابن يحيي البرمكي لأبيه يا أبتِ، بعد العز أصبحنا في القيد والحبس، بعد الأمر والنهي، صرنا إلى هذا الحال؟ فقال: يا بُنِي، دعوة مظلوم، سرت بليل، ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها.


وما حدث مع القاضي المعتزلي "أحمد بن أبي داود"، الذي كان أحد رؤوس الفتنة في عهد الواثق، والذي كان يُفتي بضرْب العلماء وسجْنهم وقتْلهم، فسُئل بعد أن قتْل الواثق الإمام أحمد بن نصر الخزاعي، فقال: ضرَبني الله بالفالج- أي: الشلل، فشاء الله تعالى أن يُصاب بالفالج، فمكَث أربع سنوات، قبل موته طريحًا في فراشه، كما تسبب فى حبس الإمام أحمد وتعذيبه، وعزله المتوكل من وظيفته، كما تسبب في فصْل عشرات ومئات الأشخاص من وظائفهم، كما أمَر المتوكل بمُصادرة جميع أمواله.


ومن الذين جعَلهم الله عِبرة لغيرهم في هذه المِحنة: الجلادون الذين كانوا يَضربون الإمام أحمد بالسياط، فكان منهم رجلان:" أبو ذر، وأبو العروق"، أما أبو ذر فكان ممن يضرب الإمامَ بين يدي المعتصم، فأُصيب بالبَرص والمرض، وتقطَّع جسمه، وأهلَكه الله بسوء عمله، وأما أبو العروق فكان هلاكه أسوأَ من صاحبه، فمكَث خمسة وأربعين يومًا يَنبِح كما يَنبِح الكلب، ابتلاه الله بمرضٍ، فصار يَنبح كالكلاب، فهل نفعهم أن يقول أحدهم: أنا عبدٌ مأمور؟.


وقد يتمادى بعض الظالمين في ظلمهم، لكن الله لا يهمل، بل الله يحلم ويستر ويُنظر، لكن لا يترك ولا ينسى، فليعلم المظلوم أن هلاك الظالمين مؤكد، لكن وقت حلوله مجهول لنا، لأن في عدم تعجيل العقوبة للظالم حكمة يعلمها الله، مثل أن يستدرجه ليأخذه على أقبح حال، أو ليأخذه على حين غرة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) سورة هود 102.


كما أن تأجيل أخذ الظالم يكون أحيانا ليستحكم العذاب عليه يوم القيامة، حيث يموت في أوج قوته فيكون موته هو الأخذ، والعذاب ينتظره أمامه، كما قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء)سورة إبراهيم 42-43.


أختاه.. وأين هذا السجان الأحمق وهذه المفتشة الخرقاء، من تجبر حمزة البسيوني، مدير السجن الحربي في عهد الطاغية عبد الناصر، والذى بلغت به الوقاحة أن يقول للمعتقلين: لو نزل ربكم من السماء لأسجننه معكم في الزنزانة.. فماذا فعل الله به؟ اصطدمت سيارته بشاحنة محملة بالحديد فدخلت أسياخ الحديد في رقبته وجسده وجعل يخور كالثور، فما استطاعوا أن يخلصوا جسده من أسياخ الحديد التي نشبت به إلا بقطع رأسه.


أختاه.. إن دعوة المظلوم إذا خرجت من قلبٍ قد اكتوى بنار الظلم، فكأنما تخرج نارا مستعرة، وتخترق الحجب لأنه ليس بينها وبين الله حجاب!. 

أضف تعليقك