• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

كانت الحياة رغيدة ، وكانت بعض الشكوى عالية ، ولكن كانت الأمور تسير سيرًا هانئًا ، فالذي كان يشكو صعوبة الحياة ، كان يستطيع المسير ، وينعم بحياته هو وأبناؤه ، وزاد الترف وزاد النعيم مع الثورة.

وأُضيف إلي ذلك الترف وهذه الرفاهية ، الترف السياسي والرفاهية السياسية ، اللذان لازما الثورة ، فأصبح لكل واحد صوته المعتبر والمؤثر في الحياة السياسية.

وصاحب ذلك الترف التنوع السياسي الذي لاحظه الجميع ، فبعد أن كان الاختيار إجباريًا ، ومن فئة لا يخطئها أحد ، وممن هم داخل القوس فقط ، وما كان يحدث مجرد تحصيل حاصل ، لا قيمة فيه للأصوات إلا إذا حرستها إرادة النبلاء ، وبالكاد يحصلون علي بعض الأماكن التي كانت تظهر عوار من يجاورها وعمالته ، إلا أن الأمر قد اختلف تمامًا بعد الثورة وأصبح الاختيار من متعدد ، وأصبح للوطن إرادة سياسية تخالف إرادة الأباطرة ، وترغمهم إرغامًا علي النزول عليها واحترامها.

وصَاحَبَ هذا الترف السياسي ظهور أصوات لم تكن تُسمع من ذي قبل ، ولم تكن تستطيع حتى البوح بما تريد ، فلما رأت الأفق أمامها واسع ولا يُضيق عليها فيه بطش أو عين حمراء ، أو ابتزاز لها ولإرادتها ، علت وجلجلت وأسمعت ، وأقامت الشوادر والسرادقات لتعرض فيها فكرها علي الجماهير التي تحررت من قيود الاختيار الواحد والموروث عبر عقود ، وانطلقت لتسمع من الجميع وتُفاضل بينهم ، وتدرس البرامج التي تُطرح وتختار منها ما يتناسب مع مصالحها ويحقق آمالها العريضة التي أخذت تنشدها وتتغني بها والذي كانت تدور حول محاور ثلاثة عاشت محرومة منها عقودا طويلة وهي العيش والحرية والكرامة الإنسانية.

وأصبحت الجماهير تنتقل عبر الاختيارات المتاحة بأريحية تامة وبحرية مغتصبة من براثن الطغاة عبر ثورة أشاد بها الجميع ، وأصبح الوطن بين يدي أصحابه ، الذين شمروا عن سواعدهم ليبنوه ، ويرمموا ما تصدع منه عبر تلكم السنوات العجاف التي مرت وهم يتضورون جوعًا لحرية تلف الأفق وتجوب السماوات وهم منها محرمون.

وساد جو من الشعور بالحرية وممارستها بلا وصاية من أحد وأصبح الناس يؤمنون بضرورة المشاركة والتغيير لأنهم هم أصحاب القرار والاختيار ، ولأول مره لن يكونوا أصحاب الموافقة المقهورة والمغتصبة منهم ، ولأول مرة لن يكونوا أصحاب ابتسامات وضحكات بلهاء ترتسم علي وجوههم قسرًا وهم يرون إرادتهم تُزييف وأقدارهم تُنهب وتُغتصب علانية.

واتضحت الرؤى ، واختار الناس من فضلوا عمله وبرنامجه ، وأُعدت الصناديق ، وفُتحت أبواب اللجان لتستقبل ذلك الشعب العائد من صحاري القهر وأودية التيه ، ليجد نفسه ، وليلملم أجزاءه التي تبعثرت ، ويضعها في هذه الصناديق ، لتخرج بعدها وطنًا بثياب جديدة ، ظلت منزوعة من علي جسده طويلًا ، اختار مادتها وتفصيلتها هذه الجموع التي احتشدت ووقفت غير مباليةٍ بحرارة الشمس الحارقة ، ولا بزمهرير البرد القارص ، فهذا جزء من ثمن الحرية التي أرادوها رداءً وزيًا لهذا الوطن الجديد .

ووقفت إرادة النبلاء جنبًا إلي جنبٍ مع إرادة الشعب لتحرس اختيارها ومنتجها ، وخرج إلي النور منتج مهيب ، وتعددت منتجات الحرية ، مجلس نواب مُختار بتمام إرادة الشعب وكان التنافس فيه حقيقيًا ومشتعلًا ، ثم مجلس شوري ثم يحدث ذلك القلق الذي أقض مضاجع المجلس العسكري ، والذي رأي نفسه يُستبعد ، وينزوي ، فخشي أن ينجح الشعب حقيقة في نيل حريته والخروج من براثنه ومن بين أنيابه ، فأجهز عليه وقرر الدخول بمرشح يمثله ، ودعمه بكل وسائل الدعم.

وبدأت مع خوف المجلس العسكري ومتزامنة معه صحوة ثعالب الثورة المضادة ، وأراد المجلس العسكري أن يضرب الثورة والثوار في مواضع القتل ، فاستصدر قرارا من الدستورية العليا بحل مجلس النواب الذي أعطي قبلة الحياة لأنصار مرشحه ولأباطرة الثورة المضادة ، فقاموا بحلق لحاهم التي أطلقوها ليخدعوا الناس بأنهم معهم ولكن حينما تجدد الأمل ظهروا علي حقيقتهم التي اجتهدوا في إخفائها بعد الثورة ليجدوا لأنفسهم دورا إذا ما استقر الأمر للإسلاميين فهذه أول المؤهلات وهي اللحية علي حد فهمهم.

وكان قرار حل مجلس النواب قبيل يوم الانتخاب بيوم واحد ، فهم يعلمون أن كل القوي السياسة منشغلة تمام الانشغال ولن يستطيعوا التوحد والوقوف أمام هذا القرار المُعسكر والمُسيس ، لأن انتخابات الرئاسة في الصباح وكل المجهود الرئيس منصب فيها.

وأتبعوه حينما تأكد لهم أن مرشحهم يتهاوي بالإعلان الدستوري المُكبل ، الذي اختصر مهام الرئيس ، ولم يفت ذلك في عضد النبلاء من أبناء الشعب ، فاختاروا رئيسهم وصابروا ورابطوا ليجبروا المجلس العسكري علي إعلان النتيجة وتسليم السلطة للرئيس المنتخب.

وتحققت إرادة الشعب...

وبدأ منذ ذلك المجلس العسكري والدولة العميقة تضع كل العراقيل في سبيل نيل هذا الشعب لحريته وامتلاكه لإرادته ، واجتهد المجلس العسكري واجتهدت معه الثورة المضادة في عرقلة الإسلاميين وإظهارهم بمظهر العاجز ، فلا كهرباء منتظمة ولا وقود متوفر ، والأجهزة كلها أعلنت الخروج من الخدمة طوال فترة الرئيس المنتخب.

وعلي الرغم من ذلك ومن كل القصف الإعلامي الذي صب جام غضبه علي الرئيس وعلي الإسلاميين ، إلا أنه حدثت طفرات كبيرة في قطاعات كبيرة من الدولة فقد كنا علي مشارف أن نملك غذائنا ، ولكن كيف يحصل الشعب هذا الذي ظل خاضعًا عابدًا للعسكر علي حريته بل ويسعي لمناقشة ميزانيتهم التي لا يعلمها إلا الله.

خسئتم فلتعودوا عبيدا كما كنتم وكما ستكونون.......

ولأنه صراع مشاريع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصهيوأمريكي فقد رأي سدنة المشروع الأخير أنه لابد من القضاء نهائيا علي الإسلاميين وعلي الثورة وعلي الديمقراطية التي لم تأتي بأعوانهم وأتباعهم وذيولهم فأعطت الضوء الأخضر للعسكر بالانقلاب علي إرادة الشعب وعلي الرئيس المنتخب وعلي الديمقراطية.

وانقسم الشعب ، وزادت حدة الانقسام ، حتى تفككت البيوت ، وتخاصم الإخوة ، وتناحرت الأسر والقبائل ما بين مُغيبٍ موافق ومؤيد للانقلاب ويهلل له وبين رافض له وصامدا في وجهه.

ووعد قائد الانقلاب جموع المنخدعين فيه بجنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة ، فحنث في وعده مع كل الشعب إلا مع رجاله وأعوانه من الجيش والشرطة والقضاء ، فقد أعطاهم بمفردهم ما وعد به كل الشعب من الذهب والحرير ، فأغناهم وأفقر كل الشعب ، فالحياة في عهده كما ترون ، لا قرار فيها لأحد غيره ، ولا مشورة لأحد غيره.

وشكلت سياساته كل أنواع الأزمات التي مرت بنا جميعًا ، فكل الأمور في هذا الوطن تعود إلي الخلف وتسقط سقوطًا مدويًا ، كشأن كل البلاد التي يجثم العسكر فيها علي أنفاسها.

والشكوى الآن من ضنك الحياة وصعوبة العيش أصعب مما كانت فالحُريات مصادرة والغلاء يسيطر علي كل المنتجات ، والفقر يظلل الجميع.

الشكوى كانت من قبل مبالغ فيها إلي حد الاصطناع ، ومن فئات معينة ، أما الآن فالشكوى حقيقية وموجعة ومؤلمة ومبكية.

والكل يشتكي مر الشكوى حتي من نزلوا وفوضوه ومن دعوا له ومن أيدوه ، هم الآن يضجون بالشكوى أكثر من غيرهم ، وكنا قد حذرناكم من ذلك ولكنكم لم تصدقوا ، انخدعتم بمعسول الكلام ، حتى أرداكم أنتم وأبناءكم..

ولا حل ولا خروج إلا بثورة تطيح بكل الظالمين ، ولن يستطيع الإسلاميون القيام وحدهم بذلك ، وعلي المتضرر اللجوء لميادين الثورة.

 

أضف تعليقك