• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لأن لكل فرعون كاهن، أو أكثر، تكمن مشكلة السيسي في عدم ثقته في المدنيين، ليختار منهم كاهنه، أو كهنته، كما هو معمول به، ومنذ عودة حكم الفراعنة، بحركة ضباط الجيش في سنة 1952، فاختار المذكور كهنته من الجنرالات لهذا السبب، وعندما يتابعهم المرء تلفزيونياً، فإنه يدرك معنى مقولة عباد الله المتصوفة، إن مصر محروسة، أو محمية، ببركة أولياء الله الصالحين. فمع هذا المستوى الضحل في المواقع المهمة، والذي هو كفيل بإسقاط ممالك وإمبراطوريات، فإن مصر باقية!

عبد الناصر، كان كاهنه الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، وقد كتب الكاتب الراحل أيضاً صلاح عيسى دراسة عن «الكاهن والفرعون»، في مجلة «الهلال»، أنهت على علاقته بهيكل، لدرجة أنه عندما أجرى عيسى عملية في القلب، لم يتصل به هيكل ليطمئن عليه، وقد نسي الفضل بينهما، فعندما صادرت السلطات كتاب «خريف الغضب»، الذي صب فيه هيكل جام غضبه على السادات، كانت خطة صلاح عيسى، وكان يشغل مدير تحرير جريدة «الأهالي»، أن ينشر الصفحات سبب المصادرة، على طريقة السؤال والجواب، وباعتبار المنشور هو نتاج مقابلته الصحافية «مع هيكل»!

ما أوغر صدر صاحبنا، أن دراسة صلاح عيسى انتهت إلى أنه، أي هيكل، هو كاهن يبحث دائماً عن فرعون، ويبدو أنه ضغط على «العصب المكشوف»، فكانت القطيعة. وقد جرب هيكل أن يكون كاهناً لعدد من الفراعنة، لكنه لم يوفق، وكان آخرهم السيسي، ونظراً للحرج الذي ينتاب المرء من توجيه الاهانة لفرعون، بهذا التشبيه، وهو مع كفره، كان صاحب وجهة نظر، مع فسادها فإنه نطقها في صياغة مقروءة، على العكس من المذكور، الذي لا يمكنه البتة أن ينطق جملة واحدة مستقيمة. فنظراً للحرج فإني ميال للتفسير الذي يقول إن «فرعون» تعني «الرئيس»، أو «الحاكم»، ليس إلا!

بعيداً عن الدير

عدد من الكتاب، وجدوا في عودة الحكم العسكري، فرصة ليقدموا أنفسهم كهنة في البلاط، بما مثلته لهم تجربة هيكل مع عبد الناصر من اغراءات واجتهدوا في ذلك، والقائمة تبدأ بعبد الله السناوي، ولا تنتهي بعبد الحليم قنديل، وخير الأسماء ما عُبد وحُمد، لكنهم فشلوا، لأن المذكور السيسي، لا يثق إلا في طبقة الجنرالات، فجعل منهم كهنة المرحلة، فمنهم من استدعاه رسمياً لذلك، ومنهم من تركه «كاهناً حراً» يعمل بعد «الدوام الرسمي» على المقهى، ويكون عمله الاضافي ضيفاً في برامج «التوك شو»، وأمامنا نموذجين لذلك، يحسن قراءة شخصيتهم، للوقوف على مستوى ضحالة المرحلة.

الأول هو لواء شرطة متقاعد، والثاني هو لواء جيش متقاعد أيضاً، وفي السابق كان يحظر اسباغ الألقاب العسكرية على من خرجوا للتقاعد، لكن الآن صارت البلاد معسكراً ووحدة عسكرية، فأصبح «المتقاعد» عبد الفتاح السيسي نفسه، لا يجد حرجاً في أن يخاطب «المتقاعدين» بالرتب العسكرية!
الأول هو اللواء «المقرحي»، والثاني هو اللواء «حمدي بخيت»، وهما نجوم المرحلة التلفزيونية التي نحياها!

«المقرحي» كان يعمل ضابطاً في جهة مهمة، هي مباحث الأموال العامة، لكني أدركت مبكراً أنه ليس تحت القبة شيخ، فبعد خروجه للتقاعد ترشح لعضوية مجلس الشعب، وأحدث أزمة عندما نودي عليه للقسم في أول جلسة، فاحتج لمناداته باسمه مجرداً، وليس مسبوقاً بلقب «اللواء» وعبثاً حاول رئيس البرلمان إفهامه أن رتبة «اللواء» وهو في الخدمة، وقد غادرها إلى الحياة المدنية، فقد سقطت بذلك، ولم يوقف الجدل الصاخب، إلا وقوف «البعبع» الراحل كمال الشاذلي منحازاً لصف رئيس مجلس الشعب، (يبدو أنه يوم الراحلين) وبعد هذه الجلسة، لم نسمع صوتاً للمقرحي، الذي عاد واحداً من كهنة المرحلة، لكنه يعمل من منازلهم وبعيداً عن الدير!

وفي الأسبوع الماضي، أعادت «السيوشيال ميديا» تذكرينا بوعد شامخ شموخ الكهنة الجنرالات، فيما يختص بالدولار، إذ كان «المقرحي» على قناة «صدى البلد» وفي ضيافة فلتة زمانه «أحمد موسى»، وفي «الحالة خبيراً» أعلن ضابط مباحث الأموال العامة أن الدولار على اكتوبر- نوفمبر 2017 سينخفض إلى سبعة جنيهات، ومن معه دولاراً لن يجد من يشتريه منه!

ورغم أن أحمد موسي، قال إنه سينتظر هذا التاريخ، إلا أنه لم يفعل، فقد مرت شهور اكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول، ولم يف بما وعد، وإنما ذكرتنا به السيوشيال ميديا، في بداية العام الجديد، فما يحدث يتم بالتواطؤ، ونحن إزاء ضيوف يروجون الأكاذيب بما يجعل من استمرار استضافتهم على الشاشة جريمة مهنية، لكن لا أحد يتحدث في مصر عن قيم مهنة الإعلام، الذي يستخدم وسيلة للتضليل، وتزييف الوعي، وهو نهج المرحلة، فكل من ينتمون للنظام الحاكم في مصر، لا يجدون حرجاً في نشر الأكاذيب وتزييف المعلومات، وكانت هذه هى البداية الحقيقة للنيل من الحكم المنتخب، واستمر الحال إلى الآن!
على شاشة «الجزيرة»، كان المنتمون للمرحلة، يفعلون هذا، وذات مرة صاح أحدهم حتى خشيت أن «يطق له عرق» وهو يقول إن الرئيس محمد مرسي أفرج عن الإرهابيين، وعن قتلة السادات، ومن سوء حظه أني كنت معه، فأخبرته أن من يصفهم بعتاة الإرهابيين أفرج عنهم المجلس العسكري، بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، وكان قد ذكر اسم شقيق الظواهري، وأخبرته أن من أصدر حكم الإعدام قبل الثورة، هو من حكم له بالبراءة بعد الثورة، ومن هيئة محكمة واحدة، عينها ذات الشخص وهو وزير الدفاع، فالحكم صدر من القضاء العسكري في المرتين!

حدث في الحصاد

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، ففي برنامج «الحصاد» يوم الأربعاء الماضي، صال وجال ضيف البرنامج من القاهرة، عن القضاء المصري الشامخ، الذي لا توجد سلطة تملك توجيهه، وهو قضاء مستقل وفوق السلطات، ولا يمكن لرئيس الجمهورية أن يتدخل في أحكامه، وكان النقاش هو أحكام الإعدام التي تم تنفيذها، في الأسبوع الماضي!
كان الضيف المقابل «خواجة»، يتحدث عن مبادئ عليا، وليس ملماً بتفاصيل المشهد المصري، وأسفت لتمرير هذه الاكاذيب، استغلالاً لأهم شاشة عربية، فالأحكام لم يصدرها القضاء المستقل، ولو استقلالاً صورياً، ولكنها صدرت من محكمة عسكرية، مهما تعددت درجاتها، فهى ليست قضاء طبيعياً لمحاكمة المدنيين، كما أنها مشكلة من ضباط جيش يعينهم ويعزلهم وزير الدفاع، وليس صحيحاً أن رئيس الجمهورية لا سلطان له على أحكام القضاء، فمن سلطته أن يلغي الأحكام القضائية في المطلق، وأن يخففها، ولم يعد أحد الآن يتحدث عن استقلال القضاء بعد فضيحة ترامب، الذي ذكر أنه طلب من عبد الفتاح السيسي الافراج عن «آية حجازي» التي تحمل الجنسية الأمريكية، فبعد ساعات من الأمر البابوي كانت المحكمة تنعقد وتفرج عنها وعن جميع المتهمين!

كما أنه لا يجوز الحديث عن القضاء الشامخ المستقل على هذا النحو، وبدون مواجهة جادة لمروج الأكاذيب والخزعبلات، وقد كان العالم كله شاهداً على واقعة سفر المتهمين الأمريكيين في فترة حكم المجلس العسكري، بعد قرار قضائي بمنعهم من السفر، وقد تم إلغاء القرار بالأمر، واذ رفض القاضي ذلك، فقد جرى استدعاء قاضياً آخراً بالمخالفة للقانون ليصدر قرار الإلغاء على عجل!

لا بأس فهذا دأب القوم، من المنحازين للانقلاب العسكري في مصر، ولم يكن ما فعله «المقرحي» بعيداً عن الأداء الهابط للمرحلة، فأعلن دون أن يهتز له رمش أن الدولار سينخفض سعره ليصبح بسبعة جنيهات فقط، وحدد الموعد، ولإثبات الجدية، فلم يقل أن هذا سيحدث في شهر اكتوبر، أو نوفمبر 2017، ولكنه قال أنه خلال الشهرين بشكل عام، وقد تصرف على طريقة جحا، الذي قال بقدرته على تعليم «حمار العمدة» الرطن بلغة الخواجات، خلال عشرين سنة، فلما اعتبر البعض أن هذه مغامرة منه تورط فيها، أخبرهم بما لم يحطوا به خُبرا إنه خلال هذه الفترة أن سيكون أحد الثلاثة قد مات «العمدة»، أو «الحمار»، أو «جحا» نفسه!

فات فخامة الجنرال المفدى، أنه سلاح الأرشيف سيفضحه، لكننا أمام قوم لم تعد الفضائح تنال منهم، فوجوههم – كما يقول أهل البداية – مكشوفة!

الكاهن الأعظم

فإذا تركنا الكاهن الشرطي المتطوع، إلى الكاهن الأعظم «حمدي بخيت» سنجد ما يسرنا وما يسري عنا، ذلك بأن القلوب تمل!

اللواء حمدي بخيت، هو في الأصل الاستاذ المعلم لعبد الفتاح السيسي، إذ يجلس الأخير في حضرة الأول مجلس التلميذ من الاستاذ، وهو محاضر في أكاديمية ناصر العسكرية، العقل العسكري الأعلى، وهو عضو في برلمان السيسي، وأحد الكهنة المعتمدين رسمياً في البلاط!

وفي مداخلة على قناة «العاصمة»، قال إن حادث كنيسة الجيزة كشف عن الإجراءات الأمنية باتت مشددة على دور العبادة. مع أن الصورة التي نقلت للعالم ان الإرهابي تصرف بأريحية وقتل أكثر من خمسة أفراد، وهربت منه مصفحة للشرطة قبل أن يتصدى له المواطن «صلاح الموجي»!

وأبلغ ما قاله الكاهن هو تورط الولايات المتحدة الأمريكية في الحادث، وهى لغة يحاول بها كسب الشارع المعادي للهيمنة الأمريكية، دون أن يسأله أحد عما ستفعله السلطة في مصر للرد على واشنطن المتورطة في الدم المصري!

لا عليك، فالجنرال المفدى، سبق له أن أعلن عبر قناة «العاصمة» أيضاً، أن سيناء ليست ملكية مصرية، فكان بهذا يمهد لما هو آت من التنازل عنها لصالح الدولة الفلسطينية، وفيما يُعرف بصفقة القرن.

في مصر نقول على الصناعة المتواضعة «تايواني». فيبدو أننا في زمن «الكهنة التايواني»!

أضف تعليقك