• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

إذا رأيت العرب قد خلعوا فكرة الدولة من أذهانهم وعادوا قبائل متناحرة يتقاتلون على ناقة أو شاة مريضة، يرتدون "الإزار" ويحملون الهراوات المدبّبة ويعبدون الأصنام البشرية، يمتهنون المهن الرعوية والزراعية ويرحلون حيث الكلأ والماء فلا تنذهل أو تتفاجأ، فنحن يا صديقي "في عهد ترمب".. هو لا يرى في هذه الخارطة الصفراء الكبيرة البائسة التي أمامه سوى "صُفرة الدولار" ومصدر إدرار للبترول والمليارات الكثيرة، لذا سيفرغها من كل شيء ثم يركلها بقدمه كما تـُركل عبوة العصير الفارغة.

لم يجرؤ حتى الآن أي زعيم عربي على قولها صراحة، لكن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي "جلعاد أردان" قالها بكل تحدّ قبل يومين: "نحن الآن في عهد ترمب وقواعد اللعبة تغيّرت"، وألمح إلى عمل كل ما "بنفس إسرائيل عمله" منذ زمن بعيد، حيث قال: الزمن ليس بصالح الفلسطينيين وعلينا أن نقوم بخطوات ميدانية أكثر جرأة "فنحن في عهد ترمب"؛ أي إننا نتلقى كامل الدعم الذي لم نكن نحلم به منذ زمن طويل، كما ولم يخفِ انفتاح شهيته على ابتلاع لبنان والاحتفاظ بهضبة الجولان السورية إلى الأبد، فهذا العهد الجديد مليء بجرار السمن والعسل والنفوذ والجبروت.

عندما يُقسِّم الخليج إلى دول متخاصمة لا تمرّ رسائلها إلا من خلاله فأنت "في عهد ترمب"، وعندما يصبح الاستقرار منوطا "بالألوهية الأمريكية"، الدولة التي تدفع قرابين أكثر للسيد الأبيض يرضى عنها وتهلّ عليها بركاته وابتساماته "فنحن في عهد ترمب".. عندما تتسابق الأطراف كلها على كسب الرضا وتهرول بكلمات الثناء التي تسقط من شفاهه أثناء الخطاب الأسبوعي وكأنها حازت على مفتاح الجنة أو إكسير الشفاء أو آية جديدة قد نزلت على الجزيرة العربية فتأكد أننا "في عهد ترمب".. "ترمب النهج" لا ترمب الشخص بكل تأكيد..

 عندما يحاصر الأردن ويوثق الحبل حول عنقه بأياد أمريكية وإسرائيلية وشقيقة -للأسف- بسبب موقفه الثابت من القدس فتقطع عنه المساعدات ويخنق الاقتصاد وتتكرر محاولات كسر الإرادة والتركيع والصراخ جوعا؛ "فنحن في عهد ترمب" الذي لا يقبل الرؤوس المرتفعة ولا شكل الـ"لا" في الحوار الفوقي والتبعية العبودية التي اعتادها وتستهويه..

عندما تتم تصفية القضية الفلسطينية بدم بارد، فتقلّص مساعدات الأونروا، فتمرض المستشفيات وتعاني المدارس من صعوبة الاستمرار بالعمل المعتاد تمهيدا لتطبيق ما يفكر به الرئيس الأمريكي؛ لا عودة ولا تعويض ولا حقوق للاجئين، وعلى كل دولة مضيفة أن توطّن الذين على أرضها، وقد قالها غير مرّة بالتلميح والتصريح، فنحن بالتأكيد "في عهد ترمب".

عندما يستقبل الرئيس الأمريكي قبل شهور رئيس الوزراء العراقي ورئيس الجمهورية في مكتبه ولم يترك لهما كرسيا واحدا ليجلسا عليه، وبقيا طيلة فترة المقابلة واقفين في طريقة ازدرائية فوقية مهينة ومذلة منه للتعبير عن نظرته للعرب، فنحن في عهد "ترمب"..

 صدقوني، هو لا ينظر إلى الوطن العربي برمته باحترام، هو يرى الدول بأعلامها وزعمائها وشعوبها مجرد كيانات لا تستحق أن تكون دولا، هي مخازن فائضة بالبترول والمال الذي لا تستحقه، ومن يحكمون البلاد هم حراس لتلك الخزانات لا أكثر، وبما أن أمريكا هي من تحميها -تحمي الدول- وتصنع طريق سياستها فهي القادرة على إنهائها أو بقائها متى شاءت، لذلك لن يهدأ لـ"ترمب" بال أبدا حتى يصادر آخر قطرة من النفط والغاز في الخليج، تارة بالترهيب وتارة بــ"شراء الرضا" حتى تعود الجزيرة العربية عما كانت عليه قبل مئة عام على أقل تقدير، مع تفاقم الضغينة وتضاعف الفرقة بين الأعراب الجائعة الضائعة الغارقة في الديون وخسارة الأوطان..

 "نحن في عهد ترمب" والفرصة مواتية.. هذا ما قاله وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي قبل يومين.. مما يعني أن الطريق نحو مشروع إسرائيل الكبرى سالكة وممهدة تماما بعد أن غرزت السهام في ظهور الثيران العنيدة وماتت وحيدة.. ولم يبق من هذه الطريق سوى بعض الشواخص الإرشادية وتحديد سرعة المرور.

أضف تعليقك