• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

جاء تصريح وزير قطاع الأعمال العام المصري عن وجود مخطط لإعادة هيكلة الصحف القومية، يبدأ من مؤسسة الأهرام لينتقل لباقي المؤسسات الصحفية، وتصريح وزيرة التخطيط عن حصول بنك الاستثمار القومي التابع لوزارتها على أراضٍ بنحو 8 مليارات جنيه، من اتحاد الإذاعة والتلفزيون كجزء من مديونية الاتحاد للبنك، ضمن خطة إعادة هيكلة ماسبيرو، ليشيرا إلى وجود خطوات عملية على الأرض نحو خصخصة المؤسسات الإعلامية، بعد أن ظل ذلك الملف مقتصرا على عقد الاجتماعات والتصريحات خلال عدة وزارات سابقة، تناوب الملف خلالها الانتقال ما بين وزارات المالية والتخطيط وقطاع الأعمال العام، منذ وزارة يوسف بطرس غالى للمالية -في عهد مبارك- وحتى وزارة أشرف العربي للتخطيط.

ويعزز ذلك ما صدر عن إدارة مؤسسة الأهرام في ديسمبر/كانون الأول الماضي من اتجاه لبيع نسبة 25 % من أسهم المؤسسة بالبورصة، وأن الأمر ينتظر موافقة القيادة السياسية للبدء به، وما تم إعلانه حينذاك من اتفاق مع وزارة قطاع الاعمال العام لوضع خطة لاستغلال الأصول العقارية التابعة للمؤسسة في عدة محافظات، والاستعانة بوزير المالية الأسبق أحمد جلال لإدارة هذا الملف، ومن هنا كان تصريح وزير قطاع الأعمال العام الأخير رغم أنه أمضى بالوزارة حوالي خمسة أسابيع فقط.

فإدارة مؤسسة الأهرام تقر بوجود خسائر مثلها مثل باقي المؤسسات الصحفية الخاسرة جميعها، وتقر بأن الخسائر لن تنتهي في ضوء خطط التطوير التي ستقوم بها قبل عام 2021، ولهذا ترى أن الخصخصة ستجلب لها موارد تكفل لها دفع تكلفة الأجور العالية لنحو عشرة آلاف موظف، رغم استهدافها خفض العدد تدريجيا إلى ستة آلاف عام 2025.

مدفوعات شهرية من المالية للصحف

والحكومة بدورها تريد التخلص من الأعباء الشهرية التي تدفعها للمؤسسات الإعلامية، والتي بلغت حسب وزارة المالية 420 مليون جنيه بشهر ديسمبر الماضي وحده، و270 مليون جنيه بشهر يناير الماضي، وهو الرقم الشهري المتكرر والذي يزيد ببعض الشهور، كما تريد الحصول على بعض أصول تلك المؤسسات للوفاء بديونها للجهات الحكومية المختلفة.

ومن هنا فإن حصيلة بيع الأسهم المقترحة لن يذهب كاملا للمؤسسات الصحفية، ولكن ستحصل الجهات الحكومية من ضرائب وتأمينات وجمارك ومرافق، بخلاف البنوك منها على جزء من ديونها للمؤسسات.

 

ولكن هل يُقْبل القطاع الخاص على شراء أسهم بنسبة 25 % من مؤسسة الأهرام، باعتبارها نسبة لا تكفل له السيطرة على الإدارة؟ واستمرار الإدارة الحكومية التي تسببت في الخسائر المتراكمة، وبالتالي تآكل حصيلة بيع تلك الأسهم خلال سنوات قليلة، خاصة مع توزيع أرباح سنوية بكل المؤسسات الخاسرة.

أيضا هل يرضى النظام الحاكم بالتفريط في أداة إعلامية يستطيع من خلالها توصيل وجهة نطره للجمهور؟ وحجب كافة جهات النظر التي لا يرضى عنها وتشويه صورة خصومه والنيل منهم؟، بالطبع لا، وها هى الشواهد تؤكد ذلك من خلال عمليات الاستحواذ على الفضائيات الخاصة من خلال جهات سيادية، رغم التزامها بالخط السياسي له قبل شرائها.

مشكلة الصحف ليست مالية فقط

وقد يصبح البديل من خلال الضغط المعنوي على كبار رجال الأعمال لشراء تلك الأسهم، وربما قبل بعضهم الشراء للأسهم أملا في الاستفادة بها بعد تغير الظروف السياسية الحالية، خاصة وأن النسبة المطروحة للبيع ستزيد حتما بالسنوات المقبلة.

كذلك يمكن دفع الجهات الحكومية وما أكثرها لشراء جانب من تلك الأسهم، ولدى الحكومة خبرة في هذا المجال خلال عملية دفع الاتحادات والجمعيات والمؤسسات الشركات العامة لشراء شهادات حفر قناة السويس.

رأى آخر يرى أن خطوات الملف ستظل بطيئة، بدليل استمرار الخسائر الضخمة لمؤسسات مثل دار المعارف ودار الهلال، وتدنى أرقام توزيع مطبوعتهما دون تدخل حاسم، فما يهم النظام هو الولاء التام مهما كانت التكلفة.

 وهنا تحضرني قصة لها دلالتها عندما ذهبت للغردقة بصحبة رئيس قسم التحقيقات الصحفية بالأهرام، عندما كان يتولاها الفريق يوسف عفيفي والذي قال بختام المقابلة معه، إننا نحضر للمحافظة ونتجول بها لمدة أسبوع ثم ننشر ربع صفحة فقط، بينما صحف أخرى تحضر لفترة أقل ثم تنشر صفحتين كاملتين بهما صور كبيرة له، وعندما قلت له إن هذه صفحات إعلانية مدفوع قيمتها من قبل المحافظة وأجهزتها، قال: " موش مهم، المهم إنهم ينشروا صفحتين ".

لكن السؤال الأهم هل مشكلة المؤسسات الصحفية مالية فقط؟، بحيث إن طرح نسبة من أسهمها وضخ موارد بموازاتها الخاسرة هو الحل لمشاكلها، والإجابة تقتضي التعرف على طبيعة السلعة التي تتعامل فيها تلك المؤسسات وهى المواد الصحفية، من أخبار وأحاديث وتحقيقات وصور ورسوم وكاريكاتير، إذ تسبب غياب الحريات وخضوع تلك المؤسسات للنظام الحاكم وتحولها لبوق للدفاع عنه بالحق والباطل، في فقدانها للمصداقية من قبل الجمهور.

أي أنها تبيع بضاعة مغشوشة مما جعل الزبائن ينصرفون عنها ويتجهون لمحلات أخرى تبيع بضاعة أكثر جودة، والنتيجة تراجع معدلات توزيع الدوريات التي تصدرها تلك المؤسسات الصحفية.

إيرادات الأنشطة غير الصحفية لا تكفي

 فمن يصدق أن رقم الخمسين ألف نسخة يوميا لا يتحقق بأي من المؤسسات الصحفية عدا الأعداد الأسبوعية لها، وأن أي مجلة أسبوعية تصدرها أية مؤسسة لا يتخطى توزيعها الألف نسخة، شاملة التوزيع المجاني في مجتمع به 95 مليون نسمه.

وهكذا فبدون حرية الإعلام واستقلال المؤسسات، لن تنجح تلك المؤسسات سواء الصحفية منها أو الإعلامية، خاصة وأن نجاح كل من الجانب الخبري والتحريري بها هو الذي يجر باقي قطاعات نشاطها من إعلانات وتوزيع.

 فطالما ظلت الجوانب الخبرية منحازة وتفتقد للمصداقية فلا إقبال للمعلنين الذين يعرفون أرقام التوزيع الحقيقية، وبالطبع لن تكفي الإعلانات الحكومية من مناقصات ومزيدات ونحو ذلك والوفيات في تغطية المصروفات الضخمة.

هذا بخلاف المنافسة الضارية للمؤسسات الصحفية من الفضائيات والمواقع الإلكترونية، وتراجع عادة القراءة للصحف المكلفة في ظل ارتفاع أسعار الصحف مع ارتفاع تكلفة الورق والطباعة والنقل.

وإذا كان وزير قطاع الأعمال يرى أن زيادة إيرادات المؤسسات الصحفية من الأنشطة غير الصحفية يعد أحد السبل لزيادة الإيرادات، مثل امتلاك الجامعات الخاصة والشركات فإن تلك الأنشطة لا تكفي إيراداتها لتغطية الإنفاق الضخم للمؤسسات، بل إن كثير من تلك الشركات خاسرة.

لتظل الأنشطة الإعلانية هى العامل الرئيسي لتحقيق الإيرادات التي تغطى المصروفات، بينما تنحسر إيرادات الإعلانات الصحفية بالمقارنة بإعلانات الفضائيات والشوارع والإنترنت، إلى جانب هروب الكفاءات الإعلانية لتأسيس شركات خاصة، أصبح لها النصيب الأكبر من سوق الإعلانات، وكذلك ضعف عوامل الابتكار الإعلاني والإدارة التقليدية.

وهنا تحضرني قصة حين سألت أحد الموظفين القدامى بالإدارة المالية بمؤسسة الأهرام، عن سبب خسارة وكالة الأهرام للإعلان رغم أن جزءا كبيرا من نشاطها يعتمد على العمل لحساب الغير وتلقى عمولة نظير تلك الوساطة، إذ يطلب العميل من الوكالة تنفيذ حملة إعلانية لشركته تشمل النشر بالصحف والإذاعة والفضائيات والشوارع والإنترنت، فقال لى الرجل المخضرم: لأنها تعمل بأسلوب حسن حمدي بالنادي الأهلي، وكان حسن حمدي مسؤولا عن الإعلانات بالمؤسسة ورئيسا للنادي الأهلي في فترة ماضية، ولأن معلوماتي الكروية ضعيفة فقد طلبت منه أن يشرح لي أكثر.

فقال النادي الأهلي يشترى أفضل اللاعبين بمبالغ ضخمة ثم يجعلهم يجلسون على دكة الاحتياطي، وهكذا الوكالة تشترى معظم الحقوق الإعلانية للجهات، مثل مترو الأنفاق والأندية الرياضية والطرق السريعة وبشوارع المدن الجديدة، ثم تكتفى بذلك دون تسويق كاف لتلك الحقوق المشتراة، والنتيجة إيرادات ضعيفة وأقساط أكبر مستحقة للجهات التي تم شراء حقوق إعلاناتها.

 

أضف تعليقك