• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: محمد حسني

سبق ونشرت تحليل تناول صفقة الغاز الحالية بين مصر وإسرائيل مع فريق عمل بمشروع بحثي بعنوان جنرالات الذهب منذ أكثر من عام، كنا أول من تكلمنا عن صفقة الغاز تلك وعن علاء عرفه وشركة دولفينوس، وعملنا على تحليل لوضعه في تشابكات السلطة الحالية سواء مع الجيش أو مع منافسيه داخل قطاع الطاقة ولماذا تحديدا علاء عرفة أخذ صفقة  الغاز بالرغم من أنه لم يكن يعمل  في هذا المجال من قبل هذا بل كان عمله في صناعة المنسوجات ضمن اتفاقية الكويز ولماذا أصلا نستورد الآن الغاز ولماذا أعادوا الاستعانة بالأخ حسين سالم.

 

ففي هذا السياق أصبح لدينا تصور أشمل عن إطار صفقة الغاز الحالية أو خطوط عامة للرؤية الأوسع في إطار ما يجري بالشرق الأوسط:

 

الآن في سوريا يوجد اتفاق وترتيب وتقاطع واضح بين تركيا وإيران في الحملة العسكرية التركية داخل سوريا ضد الأكراد والمدون يعرف عن تفاصيلها وما تم التفاهم عليه في أغسطس العام الماضي تزامنا مع زيارة رئيس الأركان الإيراني لتركيا فإذا كان باحث فرد لديه تلك المعرفة في هذا التوقيت فهذا معناه أن الترتيبات كانت قبل ذلك بكثير، وسيتضح في القريب العاجل أكثر حدود التفاهم والتعاون التركي والإيراني الحالي وعموما كل تلك الوحشية المفرطة في الغوطة لم تكن لتتم لولا هذا التفاهم المسبق.

 

 

فبالنسبة لإسرائيل أن يحدث تحالف عسكري تركي إيراني فهذا يدق جرس إنذار لخطورة عالية عندهم، وأن يكون هذا التحالف استهدافا للمشروع الكردي فهذا خطر أعظم لأن بكل موضوعية أهمية المشروع الكردي للصهاينة األى من أهميته بالنسبة للأكراد أنفسهم !فبالتالي لجانب معطيات عديدة ليس هذا محلها فإسرائيل تحتاج الآن لتدخل عسكري أوسع في نطاقه ومعدله في سوريا، فبالتالي هم يحتاجوا نقطتين في هذا التدخل:

 

أولا: تأمين بقية جبهاتهم وخاصة جبهتهم الجنوبية مع قطاع غزة بحيث لا يتحولوا لسياق حرب إقليمية وحتى معنى تدخلهم بسوريا ليس حربا!

 

ثانيا: إيجاد مساحة أخرى للصدام أو المناورة مع تركيا وهي مساحة التنافسية على غاز المتوسط، وفي كلتا الحالتين يحتاجوا النظام المصري معهم. فمصر هي التي تقدر على ضبط حدود إسرائيل الجنوبية عن طريق ثلاث نقاط، الأولى هي الاشتراك في العملية ضد الدواعش بشكل أمني، ثانياً ملف التفاوض على الأسيرين الصهاينة لدى حماس، وثالثا ملف الأنفاق مع غزة.

 

 

 

وهذا تم في الإطار الآتي:

 

العملية الحالية في سيناء قبل أن تجري وفي الإعداد لها قد تم التنسيق الأمني بين حماس والمخابرات المصرية العامة والحربية وقد صفت حماس كل خلايا داعش داخل غزة وهي من استطاعت الوصول إلى قيادات ميدانية هامة في التنظيم وسمحت بدخول محققين مصريين للتحقيق معهم.

 

وثانيا التزمت حكومة حماس بغلق الأنفاق التجارية مع مصر بنسبة 100 % في مقابل تعهد النظام المصري بالتوسط لدخول البضائع التجارية من قطر عبر المعابر مع إسرائيل وفي إطار هذا كانت أحد بنود زيارة السيسي الأولى إلى عمان والتي سبقت زيارته للإمارات هي توسطها لاستعادة التواصل السياسي مع قطر ويجب الالتفات هنا إلى أن السيسي ذهب إلى عمان وليس إلى الكويت مثلا وسنعود إلى تلك النقطة بعد قليل. فالشاهد أن النظام المصري بتلك الخطوات يستطيع أن يضمن لإسرائيل تأمين جبهتها الجنوبية في هذا التوقيت.

 

ومتزامن مع ذلك حدثت صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل بعد أن كانت متعطلة منذ أكثر من عام وهذا بهدف قطع إسرائيل لخطوات أكثر حسما في تنافسيتها على غاز شرق المتوسط ضد تركيا بعد أن كانت تؤجل تلك الخطوات لتحسسها من موازين الموقف في سوريا ولكن بعد هذا التقاطع بين تركيا وإيران والذي إذا نجح سيمنع في أقل تقدير وصول البي كي كي إلى المتوسط وسيصل المنافس لإسرائيل الإيراني والتركي من شواطئ لبنان على المتوسط إلى شواطئ تركيا فهذا اقتضى تفعيل هذا الملف الآن لبسط إسرائيل لسيطرتها بينما تركيا غارقة في حربها بسوريا. وهذا بدوره يجعلنا نصل لماذا الغوطة الآن؟

 

 

لإجابة هذا السؤال نحتاج أن نرجع إلى المفاوضات التي كانت تجري بين جيش الإسلام بالغوطة والنظام السوري، فأولا جيش الإسلام الداعم الرئيسي له هي السعودية ويمثل يد السعودية الرئيسية في الصراع السوري فهذا كان السبب الرئيسي في صمود جيش الإسلام في السيطرة على الغوطة حتى الآن بالرغم من أنه على بعد كيلومترات من القصر الجمهوري في دمشق، أي لكون روسيا وسوريا بالنهاية تريدان هذا الدور السعودي عند الوصول إلى تسوية وسبق ذلك كما قدمنا في تدوينة سابقة في سلسلة تدوينات الإسلاميون في بيئة الصراع الدولي أن السعودية ضغطت على الفصائل التي ترعاها حتى لا تشارك في مؤتمر سوتشي ومتزامن مع ذلك تقيم مؤتمر الرياض حتى تقدم رسالة إلى روسيا بأنها على استعداد لبحث حل معها يتضمن سلطة بشار ولكن بغير وجود الدور الإيراني وهو مطلب مستحيل! والمفاوضات التي فشلت ثم أدت لقصف الغوطة وبداية اجتياحها البري وقت كتابة تلك السطور كان عنوانها إخراج فيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام - القاعدة - من الغوطة وكانت بإشراف روسي والوسيط هو النظام المصري، وبنفس الوقت كان الاتجاه الإيراني التركيز على درعا ثم إدلب، فما الذي جرى لتعليق المفاوضات أو فشلها ثم بدء اجتياح الغوطة؟

 

بالطبع هناك مسؤولية متعلقة بجيش الإسلام لفشله في حسم صراعاته مع كل من فيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام، ولكن الصورة الأكبر كانت هذا التوافق والتماس بين تركيا وإيران في عفرين والذي أحد مقتضياته تعهد إيران بأنها ستدفع النظام ليقاتل البي كي كي في عفرين بمحاذاة الجيش التركي والفصائل التابعة له! فهذا كما قلنا دق إنذار في إسرائيل جعلها مستعدة ومتهيئة لدور عسكري أكبر في سوريا وبعد وصول إيران لتوافق مع تركيا من خلال سوتشي وجدت أن هذا ظرف مناسب لرد بشكل أكبر على توسع الدور الإسرائيلي فهذا كان الظرف المناسب لعملية مثل إسقاط الطائرة إف 16 الإسرائيلية.

ويجب هنا أيضا الالتفات إلى حقيقة هامة وهي أنه محدد الالتقاء الأساسي بين روسيا وإسرائيل منذ بدء روسيا عمليتها العسكرية في سوريا هو تعهد روسيا بأن وجودها سيكون عامل الضبط والتحكم والمراقبة للوجود العسكري الإيراني وميليشيات حزب الله وبناء على ذلك كان الوجود العسكري في القنيطرة أولا روسي ثم أعقبه تواجد إيراني وحزب الله وهذا كان الإطار الذي استهدفت فيه إسرائيل عدد من قادة حزب الله في القنيطرة وحتى في دمشق مثل سمير القنطار وجهاد مغنية وأخيرا مصطفى بدر الدين ولم يرد حزب الله وكذلك الغارات الإسرائيلية المتكررة، وبالتالي فان تلك العملية الأخيرة تناقض نقطة التماس الرئيسية تلك بين روسيا وإسرائيل.

 

فلهذا كله كانت عملية الغوطة. فمن ناحية هي تستهدف فصيلين أساسين مدعومين من تركيا وهما هيئة تحرير الشام وفيلق الرحمن ومن ناحية أخرى فان تقاطع المصلحة مع إيران في تلك العملية يكون في نقطتين: الأولى هو عجز إيران عن التعاطي مع الفصائل التي تصنف أنها "معتدلة" مثل جيش الإسلام والجيش الحر لأن تلك الفصائل تستفيد من القوى الكبرى أي روسيا وأمريكا في مقابل القفز على الدور الإيراني، ومن جهة أخرى هي ضربة لأهم فصيل مدعوم من عدو إيران السعودية.

 

 

 

ويجب الالتفات إلى أن المتداول في وسائل الإعلام الإيرانية حول العملية في الغوطة أن السعودية كانت تهدف إلى إفشال المفاوضات بين النظام وجيش الإسلام بغية إيصال المسألة إلى مرحلة توتر ما يصطلح على تسميته بسياسة حافة الهاوية بغية التأثير على أسعار النفط مما يؤثر سلبا على إيران سيما بعد التغييرات التي جرت في قادة الجيش السعودي. وبالطبع تلك السردية هي من قبيل التبرير ولكن جزء منها صحيح في الإطار العام وهو استخدام السعودية نتائج الصراع في سوريا من أجل التأثير على أسعار النفط عالميا بما يضر خصمها الإيراني فهذا أيضا كان محدد لماذا صفقة الغاز الآن؟ أي تحسبا لتأثر أسعار البترول بتطورات الصراع الميدانية بسوريا بما يجعل الظرف مناسب لتقدم إسرائيل خطوات أكبر في ملف الغاز.

 

والصورة العامة هي سعي روسيا أولا لتكون لها اليد العليا على محيط دمشق وجنوب سوريا وليس إيران بما يستعيد تقاطعها مع إسرائيل وثانيا استعادة أن تكون هي من تقود سير خطوات معسكر النظام وقطع الطريق لخطوات انفرادية من قبل إيران والآن سيكون سير العمليات حسب المفترض الغوطة ثم حصار درعا ثم إدلب وليس القفز لإدلب مباشرة نتيجة للتنسيق التركي الإيراني.

 

 

 

تلك صورة إجمالية عملية لما سبق وقدمنا له شرح نظري في سلسلة تدوينات الإسلاميون في بيئة الصراع الدولي خاصة في مسألتي تحالف الأضداد والخصوم ونقاط التناقض في معسكر داعمي النظام السوري، عموما أيضا احتاجت إسرائيل النظام المصري في تلك الخطوة نتيجة لأن النظام المصري كان وسيط التفاوض كما قدمنا بين جيش الإسلام والنظام السوري وقد حققت المخابرات المصرية نجاحات في ذلك فبالتالي احتاجت إسرائيل انسحاب النظام المصري من تلك العملية بما يعنيه من تضحية للنظام المصري بأحد نقاط تقاطعه مع السعودية.

 

ولكن بالنهاية ما الذي يريده النظام المصري من كل ذلك وما الذي يستفيده؟ الإجابة متعدية العملية العسكرية في سيناء حاليا ولعل إجابتها ليس في حدود مصر الشرقية وإنما الغربية، بمعنى أعلن النظام المصري بالفعل عبر المتحدث العسكري وغيره من القنوات أن العملية الحالية سيتعدى نطاقها سيناء إلى شرق الدلتا وستكون عملية واسعة لما يسمى الخطر الداعشي على مصر من جميع الجهات وهذا يعني أن الخطوة الثانية ستكون توجه بعملية مماثلة في الحدود الغربية وفي داخل ليبيا، ولكن لماذا؟

 

 

 

الإجابة هي نجاح الاتفاق السياسي لحل الأزمة الليبية والذي رعته الاتحاد الأوروبي وضغطت على حفتر بقبوله والذي سينتج عنه انتخابات نهاية هذا العام 2018 وفق خارطة الطريق التي رعتها الأمم المتحدة وهذا يعني بالنسبة للنظام المصري عودة حكومة إخوانية مجددا على حدوده الغربية وأن يكون مجددا تحت عقدة الحصار من جميع حدوده في غزة وليبيا والسودان من قبل حكومات تنتهج الإسلام السياسي ولديها تعاطف مع جماعة الإخوان المصرية وهذا ما كان يسعى النظام المصري منذ اللحظة الأولى في الثلاثين من يونيو إلى إجهاضه بأي ثمن.

 

 

ولكن هذا سيعني مجددا دخوله في عملية عسكرية لإجهاض هذا الاتفاق بدون توافق مع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوروبي هو أحد الأضلاع الرئيسية التي يعتمد عليها النظام المصري في شرعيته الدولية وفي ملفات عديدة مع أعضاؤه مثل ملف التنقيب عن الغاز مع إيطاليا والذي تم إغلاق ملف ريجيني من أجله وملف التسليح مع فرنسا وملف صفقات الدعم الكهربائي مع ألمانيا وغيرها كثير، فبالتالي النظام يحتاج إلى إعادة ترتيب أو بالأدق خلط أوراقه الإقليمية مجددا وهي لعبة يلعبها النظام المصري طوال الخمس سنوات التي تشكل عمره.

 

 

 

فبالتالي النظام المصري يحتاج في تلك المرحلة:

 

1- تناغم وتنسيق تام مع إسرائيل في سياستها الإقليمية كما عبرنا في السطور أعلاه لتعويض أي تضرر دولي له.

2- لإعادة تفعيل دوره في المسألة الفلسطينية - بغض النظر عما يسمى صفقة القرن فهذا الملف له حديث منفصل وإن كان مرتبط فعلا بخطوة صفقة الغاز - من خلال إعادة تنشيط ملف الأسرى الصهاينة لدى حماس خاصة بعدما تخلص السيسي من بواعث القلق في مستوى قيادات نظامه مثل إقالة اللواء فوزي مدير المخابرات العامة السابق والمخابرات العامة هي من كانت تضطلع بمثل هذا الدور وكذلك التنسيق التام مع حماس الأمني ثم ملف المصالحة - مع أن هذا التنسيق لن يدوم طويلا على أي حال-.

 

3- وهذا يتطلب إلى خلق مسار مصلحة مشترك جديد مع إيران سواء من أجل الملف الفلسطيني أو لتعويض الدور الذي خسره في الغوطة لهذا طلب السيسي من عمان أن تكون قناة اتصال بينه وبين قطر فيما يخص ما ذكرناه من السعي لاتفاق لإدخال البضائع التجارية القطرية عبر المنافذ مع إسرائيل تزامنا مع التقدم الذي ستحرزه مصر في الملفات بينها وبين حكومة غزة وليس الكويت من أجل تشابك العلاقة بين إيران وعمان.

 

 

4- إيجاد مساحات أخرى مع السعودية لمعالجة ما قد ينتج من تخلف مصر المؤقت عن دول الحصار وهذا تم من خلال الاتفاقيات الأربع التي وقعت منذ يوم واحد من كتابة تلك السطور بين النظام المصري والسعودية خلال زيارة محمد بن سلمان لمصر وأبرزها منح 1000 كلم من سيناء للسعودية في إطار مشروع النيوم السعودي.

 

5- التنسيق التام أيضا في تلك العملية الواسعة التي بدأت في سيناء وتنته في ليبيا مع الإمارات لذلك كانت زيارة السيسي للإمارات عقب زيارته لعمان مباشرة.

 

وهذا يمكن أن يمثل صورة عامة للإطار السياسي الإقليمي الذي جرت به صفقة الغاز بعد تعطلها لأكثر من عام والذي يمكن أن يمثل أيضا صورة الصراع الإقليمي خلال الأشهر القادمة من عام 2018 وهو ما يثبت مجددا الفكرة التي قدمناها في سلسلة تدوينات الإسلاميون في بيئة الصراع الدولي حول تشابك بيئة الثورات العربية وأن الثورة المصرية تحتاج بشكل برجماتي بحت الثورة السورية كما تحتاج الثورة الليبية كما تحتاج الثورة اليمنية وأنه لا سبيل لأي تقدم تحرزه أيا من ثورات الربيع العربي إلا بالتشابك الاستراتيجي بينها كما هناك تشابك استراتيجي بين أعداؤها!

أضف تعليقك