• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: مصطفى البدري

ذكرت في المقال الماضي السيرة ليست حياة إنسان.. السيرة ثورة على الطغيان أن مدارسة السيرة النبوية ينبغي أن يكون من أجل معرفة كيفية إسقاط الجاهلية بطغيانها، وإقامة التوحيد بسلطانه، كما ناقشت الذين تكلموا عنها باعتبارها حياة إنسان صاحب قدرات ومهارات فائقة بعيدا عن كونه رسولا مؤيَّدًا من السماء بالوحي والمعجزات. وهنا بعون الله أحاول الجواب عن هذا السؤال:

 

لماذا يجب علينا أن ندرس السيرة النبوية؟

 

أولا: لن يعدم المسلم في كل كتاب يدرس السيرة من خلاله أن يجد كلامًا مفصلا عن أهمية وفوائد مدارسة سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل:

 

* تحصيل محبة رسول الله وزيادتها في قلب المسلم، من خلال التعايش معه واستشعار ملازمته والقرب منه عليه الصلاة والسلام. وكذلك محبة الصحابة رضوان الله عليهم، أولئك الذين ضحوا بالغالي والنفيس حماية لرسول الله ونصرةً لدعوته وحملًا لرسالته، مما أسفر عنه انتشار الإسلام في العالم، ونشأتنا نحن على دين الحق رغم بعد المسافة بيننا وبين جزيرة العرب.

 

* الاستفادة منها في جوانب الحياة المختلفة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية) حيث القدوة في أعظم المجتمعات التي عرفتها البشرية.

 

* التعرف على طبيعة هذه الدعوة ومنهجية نشرها بين الناس.

* الوقوف على العقبات التي تواجه حامل أمانة تبليغ هذه الدعوة، وكيفية التغلب عليها.

 

* معرفة أسباب نزول العديد من سُوَرِ وآيات القرآن الكريم، مما يعين على تدبره وتفهمه، وحسن تنزيل نصوصه منازلها الصحيحة.

 

* تتعلم الأمة من السيرةِ العقائدَ السليمة، والعبادةَ الصحيحة، والآدابَ الرفيعة، والأخلاقَ الحميدة، وسُمُوَّ الروح، وطهارةَ القلب، وحبَّ الجهاد وطلبَ الشهادة في سبيل الله.

 

* هذا بالإضافة إلى التقرب بهذه المدارسة لله جل وعلا؛ حيث إن طلب العلم فريضة على كل مسلم، وفضل كل علم مرتبط بفضل ما يُدرس فيه، ويكفي هذا العلم شرفا أن يفصل حياة أفضل البشر عليه الصلاة والسلام[1]

 

ثانيا: بالنسبة للدعاة إلى الله وقادة حركات التغيير المعاصرة، يلزمهم التأمل والتفكر فيما يلي:

 

* الشبه الشديد بين حال العرب في الجاهلية وقبل ظهور الرسالة الخاتمة، وبين حال الجاهلية المعاصرة[2]

 

* مراحل السيرة أو المراحل التي مرت بها هذه الدعوة المباركة من الاستضعاف الكامل {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، مرورا بالمدافعة {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} وصولا إلى التمكين {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} ودخول الناس أفواجا في دين الله عز وجل {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} حتى لا تختلط الأمور وتضطرب الأوضاع بسبب استحضار فقه التمكين أوقات الاستضعاف والعكس، أو استدعاء أحوال أيٍّ منهما وقت المدافعة والسجال كما هو الوضع الآن، حيث تطرف فريقان من الناس في التعاطي مع أحوال الأمة حاليا، فبينما هي تعيش حالة مدافعة ومناهزة للجاهلية (وهي مرحلة سِجال، نَنالُ منهم وينالون منّا)[3]، ترى فريقا مُصِرًّا على أننا مازلنا في أشد حالات الاستضعاف لا يجوز لنا الدخول في هذه المواجهة، وفريقا آخر يدَّعي أن كثرة عدد المسلمين الآن تستوجب علينا الدخول في حرب مفتوحة مع العالم بأكمله دون مراعاة لفارق القدرات والإمكانات!!

 

 

ثالثا: السيرة هي الحلقة الأخيرة من سلسلة قصص الأنبياء والمرسلين، وبها يتم تشييد هذا الصرح العظيم وتكتمل لبناته.

وقد ثبت في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام: "مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ، فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ".

 

 والجدير بالذكر هنا.. أن الله عز وجل لم يبعث رسولا قط بدين غير الإسلام، بداية من نوح[4]، والذي قال عنه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، مرورا بإبراهيم وبنيه: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وصولا لموسى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} وعيسى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[5]

 

فالسيرة النبوية هي النسخة الأخيرة من رسالة الإسلام التي بُعِثَ بها الأنبياء والمرسلون عليهم جميعا أفضل الصلوات وأتم التسليم، والذي يدرسها بشكل صحيح متكامل يستطيع أن يتعرف على الإسلام كاملا، وفي بيان أهمية مدارسة السيرة يقول الزهري: (في علم المغازي علم الآخرة والدنيا) ، وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: (كانَ أبِي يُعَلِّمُنَا مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ، ويَقُولُ: يَا بَنِيَّ هَذِهِ مَآثِرُ آبَائِكُمْ، فَلَا تُضَيِّعُوا ذِكْرَهَا) كما روي عن زين العابدين علي بن الحسين، قال: (كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَسَرَايَاهُ، كَمَا نُعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ)[6].

 

 بهذا نكون قد وقفنا بحمد الله على أهم الفوائد من مدارسة السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وبإذن الله نتكلم في المرة القادمة عن أهم الكتب التي يحتاجها المسلم لمدارسة السيرة بشكل مرحلي ومنهجي. والله من وراء القصد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الهوامش:

 

[1] انظر مقدمة (السيرة النبوية.. عرض وقائع وتحليل أحداث - علي محمد الصلابي)

 

[2] انظر على سبيل المثال مقدمة كتاب (دراسات في السيرة النبوية - محمد سرور).

 

[3] انظر (صحيح البخاري - كيف كان بدء الوحي على رسول الله ح/7) حيث قال أبو سفيان لهرقل: (الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ) وكان ذلك فيما بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة.

 

[4] أما ما قبل نوح عليه الصلاة والسلام.. فقد كانوا منذ آدم على الإسلام؛ وقد أخرج الحاكم في المستدرك عن عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ" ورواه ابن أبي شيبة عن عكرمة بلفظ: (كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ أَقْرُنَ، كُلُّهَا عَلَى الإِسْلاَمِ).

 

[5] انظر مشكورا مقالا خاصا هنا بعنوان: الدين واحد والرب واحد

 

[6] انظر الآثار الثلاثة عن الزهري وإسماعيل وزين العابدين في: (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع - الخطيب البغدادي).

* نقلا عن مدونات الجزيرة

أضف تعليقك