• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: وائل نجم

 

صوّب المجتمع الدولي، من خلال مواقفه وإعلامه، على عملية "غصن الزيتون" في عفرين في شمال سورية، وعلى الجيشين السوري الحر والتركي اللذين يخوضانها، ليس لأن هذا المجتمع يريد الإنسان وحقوقه، ولكن لأن مصالحه عدم تمكين الشعب السوري من امتلاك قراره.

بداية، الحرب هي الحرب، بما تتضمّنه من قتل ودمار وتشريد وتهجير وأعمال سلبية وغير ذلك. والإنسان بطبعه يميل إلى الدعة، والاستقرار، ويؤثر السلامة والطمأنينة على غيرها، ولا يلجأ، في العادة، إلى الحرب إلا مُرغماً، أو عن طمع وحسد وحبٍّ للسيطرة والاستئثار. وبالتالي يعدّها السواد الأعظم من الناس عملاً سلبياً. ومع ذلك، قد يلجأ الإنسان إليها في بعض الأوقات، وربما قد يكون فيها، على سلبيتها وبشاعتها، في أغلب الأحيان، مصالح وخير للناس.

وعندما نتحدث عن الحرب ونطلق عليها وصف النظيفة، فذلك يعود إلى نسبتها إلى غيرها من الحروب، وليس باعتبارها فعلا مجرّدا، فالحروب تتفاوت في بشاعتها، وحجم العنف المُستخدم فيها، ونتائجها الكارثية. ومن هنا نبدأ في إطلاق الأوصاف على الحروب، فنقول: هذه حرب ترقى، في بشاعتها، إلى حدود الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسانية، وتلك حرب نظيفة، على الرغم من استخدام القوة فيها، وعلى الرغم من سقوط قتلى، أو حصول دمار، أو ما سوى ذلك، إلا أنها تكون، في نتائجها، في مصلحة أكبر قدر وحجم ممكن من المجتمع، وتكون في وسائلها وأساليبها بعيدةً عن إلحاق الأذى، إلا بقلّة قليلة من الذين استخدموها وانخرطوا فيها لإلحاق الأذى بالآخرين.

في الحروب التي تجري على الأراضي السورية اليوم نوعان من الحروب، همجية تُستعمل فيها القوّة الغاشمة، على ما قال أحدهم ذات يوم. ونظيفة حققت النتائج التي أُطلقت من أجلها من دون أن تكون عشوائية غاشمة، تصيب بشظاياها وأدواتها من انخرط فيها ومن لم ينخرط.

في حرب النظام السوري، وروسيا على فصائل المعارضة السورية في غوطة دمشق الشرقية، والتي بدأت بشكل جنوني أسقط مئات الشهداء من المدنيين والأطفال، واستهدفت المباني السكنية والأسواق والمشافي والمدارس والبنية التحتية شهرين متواصلين تقريباً، وبعد حصار دام قرابة ست سنوات، جاءت نتائج هذه الحرب كارثية، ودفع ثمنها بشكل أساسي المدنيون، تهجيراً قسرياً من منازلهم ومدنهم، بعد تدمير بيوتهم، وبعد استخدام كل أنواع الأسلحة المتطورة على أجساد الأطفال، بما في ذلك المحرّمة دولياً، مثل الأسلحة الكيميائية، والغاز السام، وقنابل النابالم والعنقودية. تمثل هذه الحرب، ليس فقط أفظع أنواع القذارة و”الوساخة”، بل ترقى، من دون أدنى شك، إلى مستوى الجرائم بحق الإنسانية التي يجب أن يُحاكَم ويُحاسَب مرتكبوها. ولكن للأسف، أغفل المجتمع الدولي ومجلس الأمن عيناهما، بإرادتهما وتواطئهما، أو بغير إرادتهما وعجزهما عن وقف هذه الحرب المجنونة القذرة.

وفي وقتٍ كانت تجري فيه الحرب في الغوطة، شنّ الجيش السوري الحر مدعوماً من الجيش التركي حرباً لطرد مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي من منطقة عفرين في شمال سورية ضمن عملية أطلق عليها اسم “غصن الزيتون”. وقد مرّ على هذه العملية قرابة شهرين، هي المدّة نفسها التي مرّت على حرب روسيا والنظام السوري على غوطة دمشق. إلا أنه يمكن القول، بكل تجرّد، إن هذه الحرب التي نتج عنها طرد المسلحين من مدينة عفرين ومحيطها، يوم 18 مارس/آذار الجاري، كانت نظيفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

على مدى شهرين من عملية “غصن الزيتون” تقريباً، لم نسمع أن الجيش السوري الحر والجيش التركي قصفا مشافي، أو مدارس، أو أحياء سكنية، أو استعملا القوة الغاشمة لطرد مسلحي الحزب من المنطقة. جرت العملية بكل كفاءة واقتدار، وتخطيط عال، وتنفيذ أخذ وقتاً كافياً من أجل تجنيب المدنيين أي أثمانٍ لا علاقة لهم بها. حتى المعلومات والإشاعات التي بثّها خصوم الجيش السوري الحر والجيش التركي عن قصف مشافٍ أو مدارس أو أحياء سكنية تمّ دحضها بالصوت والصورة، فضلاً عن أننا لم نشاهد أرتالاً من المدنيين يهجرون بيوتهم، ولا دماراً واسعاً في المدينة. ومع ذلك للأسف، صوّب المجتمع الدولي الذي يتغنّى بالمثالية وحقوق الإنسان والحيادية، مرّات، من خلال مواقفه وإعلامه، على عملية “غصن الزيتون”، وعلى الجيشين السوري الحر والتركي اللذين يخوضانها، ليس لأن هذا المجتمع يريد الإنسان وحقوقه، ولكن لأن مصالحه هي في عدم تمكين الشعب السوري من امتلاك قراره، والتمكّن من قدراته وإدارتها باقتدار.

بين الحربين، النظيفة والمجنونة، قيمٌ تحكم أصحاب القرارات في تلك الحروب، ففيما تعلو قيم الذين يخوضون الحرب النظيفة لسيادة منطق الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان الفعلية، تنكشف وتنكسف قيم الذين ليس لهم همّ سوى الاستئثار والاستبداد وتحقيق المصالح الخاصة الضيقة والفئوية، حتى لو كان ذلك على حساب القيم وكل ما يمت بصلة إلى كرامة الإنسان وحقوقه في الحياة.

أضف تعليقك