• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

تقتضي الظروف التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، الحديث عن رجال خلد ذكرهم التاريخ كأبطال عظام صمدوا في وجه الظلم ولم يخافوا في قول الحق لومة لائم.

ومن هؤلاء الرجال سالم مولى أبي حذيفة، أحد الصحابة الأجلاء الذي رفع الإسلام منزلته بعد أن كان عبدًا في الجاهلية.

سيرته 

هو سالم بن معقل، كان عبدًا رقيقًا، أسلم؛ فرفع الإسلامُ قدرَه ومنزلته، كان سالم من أهل فارس ومن بلدة اصطخر، وكان عبدًا لامرأة من الأنصار اسمها بثينة بنت يعار، وقيل ثبيتة، و هي زوجة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي، وقد اعتقته ولم تشترط شرطًا من الشروط حين أعتقته، فكان سائبة، أي غير مقيد بشرط.

تبناه أبو حذيفة رضي الله عنه وصار يدعى سالم بن أبي حذيفة، حتى نزل قوله تعالى (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) وكان أبو حذيفة يحب سالمًا حبًا شديدًا، فزوجه من ابنة أخيه الوليد بن عتبة واسمها فاطمة.

أسلم رضي الله عنه قديماً في مكة و هاجر إلى المدينة المنورة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

صار إمامًا للمهاجرين - من مكة إلى المدينة - مدة صلاتهم في مسجد قُبَاء، وكان حجة في كتاب الله، حتى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين أن يتعلموا منه، فقال ((خذوا  القرآن من أربعة: عبدالله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبَي بن كعب، ومعاذ بن جبل)).

بل أثنى عليه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلَك)). وأثنى عليه إخوانه المؤمنون، فقالوا: "سالم من الصالحين".

شجاعته 

كان سالم من الذين شهدوا بدرًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم و قاتل معه قتال الأبطال، و قد كان مواظبًا على حضور الغزوات مع الرسول، فلم يتخلف عن غزوة قط من الغزوات التي غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حضر بالإضافة إلى غزوة بدر، غزوة أحد و النضير و بني قريظة و الأحزاب و الحديبية.

وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الموت على دخول مكة عنوة، و قال الله تعالى فيه وفي الذين معه في الآية الثامنة عشرة من سورة الفتح ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا).

و شهد فتح مكة وحنين و الطائف و مؤتة وغيرها، وكان - رضي الله عنه - لا تأخذه في الله لومةُ لائم، ولا يحسب لغير الله حسابًا؛ فقد خرج ضمن سرية من السرايا، وعلى رأسها خالد بن الوليد، وقد وصاهم سيد القادة - صلى الله عليه وسلم - بأنه قد أرسلهم دعاة هداة، لا غزاة مقاتلين مغيرين، ولكنه قد حدث في السرية أمورٌ جديدة حملت خالدًا - رضى الله عنه - على أن يُرِيق بعض الدماء؛ مما جعل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتوجَّه إلى ربه معتذرًا: ((اللهم إني أعتذر إليك مما صنع خالد))، وكان بسببها أن قال الفاروق - رضي الله عنه - فيه: "إن في سيف خالد رهقًا"، وما أن رأى سالم ما حدث حتى عدد عليه أخطاءه منكرًا عليه ذلك، ولم ينظر إلى ماضيهما الذي كان يعد خالدًا من أشراف العرب، وسالمًا من عبيدهم؛ فقد سوَّى بينهما الإسلام، والسبقُ للمتقين.

وفاته 

سار سالم على الدرب بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما أن سمع بحرب المرتدين، إلا كان "سالم" و"أبو حذيفة" في طليعة المجاهدين الصابرين، بل عاهد كل منهما أخاه على الشهادة في سبيل الله.

واندفعا نحو الموت غير مكترثين بالأهوال؛ فكان أبو حذيفة ينادي: "يا أهل  القرآن، زيِّنوا  القرآن بأعمالكم"، وكان سالم يَصِيح: "بئس حامل القرآن أنا، إذا أُتيتم من قِبَلي"، وكان يغالب الأهوالَ والأخطار؛ حتى بُترت يمينه التي حمل بها راية المهاجرين، بعد أن رُزق الشهادةَ حاملُها زيد بن الخطاب، ولم يسمح للراية بالهوي؛ بل الْتقطها بيُسراه، وهو يردِّد قول الله - تعالى -: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146].

 وأحاط به كثيرون من المرتدِّين حتى استراح بدنه على الأرض، ولكن روحه لم تزل مرتبطة بالبدن الطاهر، حتى قرَّتْ عينُه بانتصار التوحيد وحُماته، وسقوط الشرك وحزبه.

ومن طريف ما نقل أن المسلمين وهم يتفقدون شهداءهم، وجدوا سالمًا في النزع الأخير، فسألهم : "ما فعل أبو حذيفة؟"، قالوا: استشهد، قال: "فأَضجِعوني إلى جواره"، قالوا: إنه إلى جوارك يا سالم، لقد استشهد في نفس المكان، لقد سرى في وجهه ابتسامته العريضة؛ لأنه قد تحقق لهما ما كانا يرجوان

 

أضف تعليقك