• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

الأستاذ جمعة أمين

لا شك أن المسلم يضحي من أجل الحق الذي يحمله ويهون الموت عليه في سبيله ذلك لأن الحق هو كل ما شرعه الله لعباده من أحكام تنظم علاقتهم بالله أو علاقتهم بالكون والحياة أو علاقتهم بعضهم ببعض أفرادا وأسرا وجماعات ولذلك وجب الاحتكام إليه والإذعان له والتسليم بعدالته { فماذا بعد الحق إلا الضلال } يونس 32] .

 

فكيف لا يضحي المسلم من أجل الحق الذي علمنا أسرار الوجود وغايات الحياة ودستور العدالة الذي يفصل بين الناس ويوزع الحقوق والواجبات بالقسطاس فيعطى كل فرد أو كل أسرة أو جماعة ماله ويطالبه بما عليه لأن مصدر هذا الحق هو رب الخلق الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي يعلم ما يحتاج إليه عباده وما يصلحهم أو يفسدهم وهم جميعا لديه سواء .

 

إن الحق في أجمل صوره وأعمق معانيه يتجلى في هذا الكتاب الإلهي الذي أودع الله فيه نبأ من قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا وضمنه من جواهر الحكم وجوامع الكلم وروائع العبر ودقائق المعاني وأسرار التشريع وحقائق الوجود وآيات البيان وبينات الهدى والفرقان ما ينير العقول ويشفي الصدور ويزكى الأنفس ويصلح الحياة ويهدى الأفراد والجماعات إلى أقوم سبيل .

 

فهو يهدى إلى الحق لأنه يهدى إلى القيم الخالدة والفضائل الأصيلة التي تستقر بها الحياة وتنظم بها المعاملة ويتقيم بها ميزان الخلق والسلوك أفلا يستحق هذا كله التضحية بكل ما نملك ؟.

 

إننا إذا عرفنا الحق وتبين لنا الرشد من الغي لا يكفينا هذا لنكون من أهله وحزبه لأن المعرفة النظرية المجردة للحق وإن كان لابد منها لنكون على بصيرة لا تجدي ولا تجعل الإنسان من أهله إلا إذا رسخت جذورها في النفس وكان لها مذعن وبها يعتز فيدعو لها ويعمل على تكثير جنده ويضحي من أجله بل وينتصر له ويثبت عليه ويتحمل الأذى في سبيله .

 

والمسلمون باعتبارهم أمة مطالبون أن يقيموا الحق في الأرض ويتواصوا به ويهدوا إليه { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } سورة العصر .

 

ويقينا أن الحق لا ينتصر وحده ولكن سنة لله أن ينصر الحق إذا كان له رجال يؤمنون به ويدعون إليه ويتجردون له ويعيشون من أجله ويموتون في سبيله ولهذا كثر أهل الباطل ليكونوا حجة الله على خلقه وفي القرآن { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } الأعراف 181 ] وفي الحديث (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك إلى قيام الساعة )) رواه مسلم .

 

وظهورهم على الحق يحتاج إلى تضحيات وتضحيات وهذه الطائفة يحدوهم دائما الأمل الحلو ويمر جوانحهم الرجاء الباسم ولا يعرف ظلام اليأس إلى صدورهم سبيلا { قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } الحجر 56 ] .

 

إنهم كلما ادلهم الباطل من حولهم ازدادوا إيمانا بحاجة الناس إلى النور الذي يحملونه فزادوا إيمانا بتضحياتهم وكلما أمعن الفساد في الظهور والانتشار امتلئوا يقينا بضرورة الإصلاح فبذلوا الجهد والوقت والأموال والأنفس وكلما زحف تيار الكفر الصريح أو المقنع ازدادوا قدرة وإصرار على المقاومة بكل ما يملكون .

 

ويوم ترى الإنسانية الحق ممثلا في أمة تعرفه وتحبه وتحرسه وتنشره وتدعو إليه وتضحي في سبيله يومها ستسلم لها الزمام وتسير خلفها طوعا أو كرها يومها يهرب الظلام وينكمش الباطل ويتراجع الشيطان بتضحيات الرجال الذين تربوا على مائدة الرحمن ونهلوا من نبع محمد صلى الله عليه وسلم فالأمر لا يحتاج إلى تهور يؤدى إلى التهلكة ولكن يحتاج إلى تربية متأنية تصنع الرجال لأننا أمة مضحية في سبيل قيمة وعقيدة ومبدأ وفكرة .

 

ولكي يكون للتضحية مذاق حلو لابد أن تكون ضمن منظومة القيم الإسلامية التي يعيش لها وبها المسلم فهي لا تنفصل عنها لأن المسلم صاحب منهاج رباني شامل متكامل وصاحب فكرة إيمانية نوارنية تضئ الكون كله يشعر بعظمتها ويعتز بالانتساب إليها ويثق في نصر الله لها طالما أخذ بالأسباب واحترم السنن الإلهية .

 

 

أضف تعليقك