• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

الأستاذ جمعة أمين

ولا تنجح الفكرة إلا إذا قوى الإيمان بها وتوفر الإخلاص في سبيلها وازدادت الحماسة لها ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها ومن هنا يشعر المسلم بكثرة الواجبات والتبعات وثقل الأمانة فيتقدم للإنقاذ ليعطى أمته حقها كاملا وهو يشعر بأنه ينتمي إلى أمة مجاهدة عاملة في سبيل نشر الحق والخير والعدل والحرية .

 

فالمسلم يؤمن إيمانا لا جدال فيه ولا شك معه ويعتقد اعتقادا أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر بأنه هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا المعذبة وترشد الإنسانية الحائرة وتهدى الناس السبيل وهي لذلك تستحق أن يضحي في سبيل إعلائها والتبشير بها بكل ما يملك بالأرواح والأموال وكل ثمين وغال هذه الفكرة هي الإسلام الحنيف الذي لا عوج فيه ولا شر معه ولا ضلال لمن اتبعه { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام } آل عمران 18: 19 ] .

 

ففكرتنا إسلامية بحتة على الإسلام ترتكز ومنه تستمد وله تجاهد وفي سبيل إعلاء كلمته تعمل لا تدل بالإسلام نظاما ولا ترضى سواه إماما ولا تطيع لغيره أحكاما { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } [آل عمران 85 ] لهذا كله كان لابد من تربية إيمانية التضحية ركن من أركانها فبدونها لا تتحقق قيمة ولا تنتشر فكرة ولا يقوم على الأرض بناء للإسلام .

 

حجم العداوات يستوجب التضحيات

ولقد أتى على الإسلام والمسلمين حين من الدهر توالت فيه الحوادث وتتابعت الكوارث وعمل خصوم الإسلام على إطفاء روائه وإخفاء بهائه وتضليل أبنائه وتعطيل حدوده وإضعاف جنوده وتحريف تعاليمه وأحكامه تارة بالنقص منها وأخرى بالزيادة فيها وثالثة بتأويلها على غير وجهها .

 

وساعد على ذلك ضياع سلطة الإسلام السياسية وتمزيق إمبراطوريته العالمية وتسريح جيوشه المحمدية ووقوع أممه في قبضة الكفر مستذلين مستعمرين فكان لزاما علينا أن نضحي بالجهد والوقت والمال نصبر على الإيذاء لنبين للناس حدود الإسلام واضحة كاملة بينة لا زيادة فيها ولا نقص بها ولا لبس معها بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن دون قهر أو إجبار أو إكراه { فمن شاء فيؤمن ومن شاء فليكفر } الكهف 29 ] وهذا يحتاج إلى جهد يبذل ووقت ينفق.

 

إن الإسلام دين سلام وعقيدة حب ونظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله الوارف وأنواره الوضاءة وأن يقيم فيه منهجه وأن يجمع الناس تحت لواءه إخوة متحابين متعارفين وليس هناك من عائق دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله أما إذا سألوه فليسر الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك وهو حتى في حالة الخصومة يستبقى أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة انتظارا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس نتيجة هذا الاتجاه المستقيم .

 

وترى هذا الرجاء الذي لا يغلب عليه اليأس في معرض التخفيف على النفوس في قوله تعالى { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم لا ينهاكم الله عن الذين لن يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون } الممتحنة 7-9 ] ألا تستحق هذه المعاني القيمة التضحية من أجل تثبيتها ونشر نورها متحملين كل أنواع الإيذاء في سبيل ذلك ؟

 

أين هذا المنهج من أعداء الإسلام الذين لم يتركوا أي نوع من الأسلحة في حربهم للإسلام إلا استخدموه لإبعاد المسلمين عن دينهم بسلاح الفتنة تارة وسلاح الهوية تارة أخرى وسلاح الأبهة تارة ثالثة فضلا عن سلاح الجدل العقيم والدعاوى الباطلة فإذا لم يجد ذلك كان القتل والقتال مضحين بالنفس من أجل باطلهم .

 

إن التيارات التي تحاول سلب روحنا والمعدية لإسلامنا كثير قديما وحديثا وهي تتزايد يوما بعد يوم وليس في هذا ما يدو إلى الدهشة أو الاستغراب لأن أعداء الحق كثرة في كل زمان ومكان { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } يوسف 103 ].

 

وهذه التيارات المعادية للإسلام تمثلت اليوم في الصهيونية الماكرة والصليبية الحاقدة والشيوعية الملحدة وما تفرع من هذا كله من دعوات زائفة وأفكار هدامة وتصورات باطلة تبذل جهدها وتنفق مالها بل وتضحي برجالها ليصدوا عن سبيل الله .

 

وبفضل الله لم يتوقف الإسلام عن الانتشار منذ بزوغ فجره حتى في أشد أيام غزوه من القوى المعادية له بإخلاص رجال ضحوا بالمال والأهل والولد والنفس فأعداء الإسلام يريدون له الحصار والله يريد له انتشار {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون }التوبة 32 ] فمهما بذلوا من جهد ليطفئوا نور الله بأفواههم فالله متم نوره ولو كره الكافرون ولك أن ترى مقدار العداوة والبغضاء والجهود المبذولة منهم للصد عن سبيل الله لتقف على مقدار التضحيات التي يجب أن يبذلها المسلمون .

 

فإن ننسى لا ننسى يوم صعد جلادستون على منصة مجلس العموم البريطاني ومعه نسخة من القرآن يلوح بها في وجه الأعضاء ويقول : إنه مادام هذا الكتاب باقيا في الأرض فلا أمل لنا في إخضاع المسلمين فإذا بأحدهم يأخذ الكتاب ويمزقه فيقول له : ليس هذا ما أردت إنما أردت أن نفرغه من معانيه ! ألا يحتاج هذا إلى يقظة رجال وتضحية أتباع يقولون : فلا نامت أعين الجبناء .

 

وحتى لا يخيل إلى البعض أننا نستثير العواطف أو نؤمن بنظرية المؤامرة ونبالغ في تصورنا في حرب أعداء الإسلام لنا دون بينة أو دليل إليك ما قاله بعض أعداء هذا الدين وما كتبوه بأيديهم ليبينوا لنا سواد قلوبهم { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } آل عمران 118] .

 

يقول وليم جيفر: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدا عن محمد وكتابه.

 

ويقول الصليبي كاتلى: يجب أن نستخدم القرآن وهو أخص سلاح الإسلام ضد الإسلام نفسه حتى نقضى عليه تماما كما يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس بجديد وأن الجديد ليس بصحيح .

 

ويقول زويمر: مخاطبا من يسمونهم بالمبشرين : إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين المسيحية فإن هذا هداية لهم وتكريم إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالدين .

 

إن الناظر البصير يرى من يوم أن انحسرت الخلافة الإسلامية عن بلاد المسلمين وغاب الحكم الإسلامي عن واقع حياتهم تحركت قوى خارجية وداخلية عالمية ومحلية تعمل ليلا نهار من أجل تحقيق هدف واحد أثيم وغاية دنيئة لئيمة استخدم من أجلها شتى أنواع الحروب العسكرية والفكرية والاقتصادية والنفسية تحاول أن تقوض بذلك أركان الإسلام وتطوى الإيمان وتطفئ النور الذي أضاء الدنيا وما هم ببالغيه .

 

ولن نسوق لك أدلة من التاريخ البعيد ولكن خير شاهد على ذلك حديثا التهديد بسحق العراق والذين يقولون اليوم ما كنا نقوله بالأمس وما زلنا نقوله كتاب لا ينتمون للتيار الإسلامي من قريب أو بعيد فها هو ذا الأستاذ جمال الغيطانى يكتب تحت عنوان (حملة صليبية جديدة) فيقول يجب ألا يغيب عنا جوهر هذه الحملة العسكرية الشرسة ضد العراق إن المستهدف ليس شعب العراق شبه الأعزل المنهك المستباح في مواجهة هذه الآلة الحربية الرهيبة إن الهدف الحقيقي هم العرب والإسلام ليس في ذلك أي مبالغة بل إن الحجج والأغطية الإعلامية المختلفة للسياسة الأمريكية تسفر عن حقيقتها من خلال تصريحات هنا أو هناك في برنامج (لارى كينج) الشهير يحاور هذا المذيع الصهيوني الليكودى المتعصب عضو من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ويتهجم على الإسلام والمسلمين مباشرة ثم يتحدث عن الحشود الموجودة في الكويت فيقول: طائرات تقلع وأخرى تنزل فوق الحاملات الجبارة جنوده يحملون صواريخ مختلفة ربما يكون هناك صاروخ جديد مطلوب تجربته في أطفال ورجال وشيوخ العراق العرب المسلمين... ينطلق بعدها صاروخ فتاك لينهي حياة آلاف مؤلفة من بشر يحملون أسماء محمد وعلى وحسين وحسن .. ولا بأس من إبادة هذه الجموع المسلمة كما يقول: أي مصلحة لهؤلاء في ضرب العراق هل اعتدى العراق على حدود استراليا أو نيوزيلندا ؟ هل ألحق أذى بمصالح هاتين الدولتين النائيتين؟ لماذا يجئ هؤلاء مع عدم ودود غطاء قانوني أو شرعي من الأمم المتحدة الأمن؟ إنني لا أرى إلا العنصرية المقيتة ضد العرب والمسلمين.

 

هذه هي ثمرة النظام العالمي الجديد الذي لم يجد له عدوا إلا الإسلام والمسلمين يريد أن يستأصل شأفتهم وينكس رايتهم ويمحو منهجهم وتعلن الحرب عليهم بشتى أنواعها ولكن { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز } المجادلة 21 ].

 

أقول هذا كله لتوضيح الرؤى حتى يعلم كل مسلم جاد كم من التضحيات يحتاجها الطريق وكم من التضحيات نحتاجها في سبيل نشر ديننا والمحافظة على هويتنا والزود عن حياضنا إن الأمر يحتاج إلى تربية شاقة ومعاناة طويلة وأمل في نصر الله كبير وجهاد في سبيل تحقيق فكرتنا نبذل كل شئ في سبيلها فنحيا بها كراما أو نموت كراما.

 

إننا في حاجة إلى رجال امتلأت قلوبهم بإيمان لا يتزعزع وعمل لا يتوقف وتضحية بكل غال وثمين وثقة بالله لا تضعف وأرواحا أسعد أيامها يوم تلقى الله شهيدة في سبيله لأنهم أصحاب قضية.

 

لذلك كله فإنه يتحتم على من يتصدى لهذه المعركة الشرسة لاستعادة بناء الأوطان على الإيمان بالله لينعم الجميع بالخير العميم والأمن الوفير والسلام العادل أن يتصف بقوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور:

 

1- إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف.

 

2- وفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر.

 

3-تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل.

 

4- معرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والخديعة بغيره.

 

ولا يتحقق ذلك إلا بالشعور بالمسئولية.

أضف تعليقك