• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

الأستاذ جمعة أمين

يقول الله تعالى {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} الحجرات 15].

 

إن المؤمنين حقا هم الذين تحققوا بالإيمان في باطنهم وظهر أثره على جوارحهم فالإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل إنهم الذين لا يشكون ولا يترددون في كل ما يتصل بالإيمان من قواعد وهم قائمون بالجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.

 

والجهاد بالمال وإن لم يتصل إلى مرتبه الجهاد بالنفس له منزلته العظيمة في الإسلام ولقد تحدث الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن الإنفاق والبذل والتضحية بالمال في سبيله وبين قواعده العامة التي نرجو أن يسير المسلم على هداها طيلة حياته ويقول سبحانه: { فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغنى عنه ماله إذا تردى } الليل 5- 11 ].

 

ويسمر القرآن في بيان المبدأ وشرح الموضوع فيقول الله سبحانه: { إنا علينا للهدى وإنا لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى}. الليل : 12- 21 ٍ في هذه الآيات الكريمة ترشد إلى أن الأنفاق في سبيل الله من شروط التيسر في هذه الحياة تيسر الرزق وتسير الشفاء وتيسر الفرج وإزالة الضيق وتيسر إزالة الهم وتيسر كل خير في هذه الدنيا وفي يوم الدين إما الشح بالمال فإنه من أسباب العسر في كل هذه الأمور .

 

على أن الله سبحانه وتعالى قد وعد إنه يخلف المال الذي ينفقه المؤمن في سبيله فقال {وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين } . سبأ 39 وبين سبحانه وتعالى أنه لا يخلفه بمثله ولكن بأضعاف ، فضرب هذا المثل الذي يتناسب مع كرمه سبحانه { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منَّاً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } البقرة 261-262 ، وبين سبحانه أن الإنفاق في سبيله قرض حسن فقال { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون } البقرة 245 .

 

إن المشهد الأول الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إسرائه يتناسق مع هذا الكرم الإلهي الذي غمر اله سبحانه وتعالى المجاهدين في سبيله ، لقد رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد كما كان فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما هذا ؟ قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة لسبعمائة ضعف { وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين } سبأ 39 .

 

فالنساء يتبرعن بحليهن ومالهن ، و الرجال بما يستطيعون - كما حدث في غزوة العسرة - وها هو ذا أبو بكر الصديق يأتي بماله كله ، وكان أربعة آلاف درهم ويسأله رسول الله هل أبقيت لأهلك شيئاً ؟ فيقول رضى الله عنه : أبقيت لهم الله ورسوله .

 

ويجئ عبد الرحمن بن عوف بمائة أوقية من الذهب الخالص ، ويجئ سيدنا عثمان بثلاثمائة بعير ، وبألف دينار ، ويضع الدنانير في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسر الرسول بها ، ويدخل يده فيها يقلبها ويقول : اللهم ارض عن عثمان فإني راض عنه ، ويقول : ما على عثمان ما عمل بعد اليوم ، وتتوالى التبرعات من الرجال و النساء ، حتى تنتهي بتجهيز الجيش وقيامه بالمهمة التي أرادها الله ورسوله .

 

فللإنفاق في سبيل الله منزلة كبيرة في الإسلام ، يقول الله تعالى في الإنفاق في سبيله { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } البقرة 261 .

 

وحينما فسر مكحول رضى الله عنه هذه الآية الكريمة ، قال : يعنى بها الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل ، وإعداد السلاح وغير ذلك ومما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قوله :

 

( من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم وأقام في بيته أي لعذر كالمرض مثلاً ثم يستكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه الشريف فيقول :( ومن غزا في سبيل الله وأنفق في جهة ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم ) ثم تلا صلوات الله وسلامه عليه هذه الآية { والله يضاعف لمن يشاء } .

 

الإنفاق في سبيل الله

والإسلام يحث ويشجع على الإنفاق في سبيل الله في الحالات التي لا يكون فيها العدو داخل حدود بلاد الإسلام، أما إذا اقتحم العدو الحدود، فإن الإسلام كما يوجب الجهاد بالنفس إيجاباً، فإنه يوجب البذل والإنفاق إيجاباً أيضاً كل بقدر ما يستطيع.

 

يقول ربنا {آمنا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} إلى قوله {وله أجر كريم} سورة الحديد 7-11، وهذه الآيات الكريمة تطالب بأمرين وتستنكر أمرين وتحض على عمل جليل، له عند الله أعظم الأجر، فهي تطالب بالإيمان بالله ورسوله على سبيل الوجوب في قوله سبحانه {آمنوا بالله ورسوله} وتطالب بالإنفاق أي التضحية بالمال، وهو مال قد استخلف الله تعالى الناس فيه {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}، والآية تعد بالأجر الكبير على الإيمان والإنفاق، {فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير}، وتستنكر أمرين وتوبخ على تركهما:

 

- أحدهما: ترك الإيمان مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو للإيمان، والله تعالى قد أخذ الميثاق على الناس أن يؤمنوا يوم أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام قائلاً لهم {ألست بربكم قالوا بلى} الأعراف 172.

 

وما لهم لا يؤمنون والله تعالى قد أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم الآيات البينات ليخرج الناس من الظلمات إلى النور رأفة بهم ورحمة { وما لكم لا تؤمنون بالله ...} إلى آخر الآيتين الكريمتين.

 

- والآخر: ترك الإنفاق للمال والتضحية به في سبيل الله، أي البخل به، وإنما استحق هذا البخل الاستنكار و التوبيخ لأن البخيل يبخل بما سوف يموت عنه ويتركه لسواه، وذلك أن الله تعالى سوف يرث المال ويرث كل ما في السموات والأرض { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض ... } الآية.

 

وتوضح الآية الكريمة حقيقة هامة وهى أن التضحية بالمال في سبيل الله في وقت يحتاج فيه المسلمون إلى التضحية أفضل من التضحية به في وقت آخر ، وإن كان في كل خير.

 

ولقد حدث ذلك الإنفاق في وقت الحاجة إليه أيام كان المسلمون في مكة، فنالوا تلك الأفضلية وهذه الدرجة.

 

و المسلمون في كل وقت عليهم أن ينظروا إلى الظروف التي يتم فيها الإنفاق، فعلى وجه اليقين سيكون الإنفاق في بعضها أفضل من الإنفاق في بعض آخر، قال تعالى:{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير} الحديد 10 .

 

وأما ما تحض عليه الآية الكريمة، وتعد فيه بالأجر المضاعف فهو إقراض الله تعالى ، والله سبحانه لا يحتاج إلى قرض ولا إلى شئ، وإنما الذي يحتاج هم عباده، فمن أقرض محتاجاً فكأنما أقرض الله تعالى.

فالآية الكريمة الأخيرة من هذه الآيات ترغب الناس في أن ينفقوا أموالهم ويضحوا بها في سبيل نصرة المسلمين وفي قتال أعدائهم وفي سد حاجة المحتاجين ومواساتهم ، وتسمى ذلك كله قرضاً لله تعالى و القرض هو ما يدفع إلى الإنسان من مال بشرط رد بدله - و الذي يرد البدل في هذه الحالة هو الله الكريم ، قال الله تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر كريم } الحديد 11.

 

قال مقاتل: القرض الحسن هو ما أخرجه الإنسان طيبة به نفسه .

 

وقال الكلبي: يتصدق به لوجه الله .

 

وقال بعض العلماء: لا يكون الإنفاق أو القرض حسناً حتى يستوفي شروطاً أو أوصافاً عشرة نشير إليها بإيجاز فيما يلي:

 

1- أن يكون من الحلال

 

2- وأن يكون من أكرم ما يملك.

 

3- وأن يتصدق به وهو يحبه.

 

4- وأن يعطى لمن هو أحوج.

 

5- وأن يكتم ولا يتحدث عنه صاحبه.

6- وأن لا يتبعه بمن أو أذى.

 

7- وأن يقصد به وجه الله ولا يرائي.

 

8- وأن يستحقر ما يعطى وإن كثر.

 

9- وأن يكون من أحب أمواله إليه .

 

10- وأن يرى الفقير المعطى غير ذليل ولا ضعيف.

 

وكل وصف من هذه الأوصاف للقرض الحسن أيدته آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية صحيحة، فهذا هو شأن التضحية بالمال و إنفاقه في سبيل الله تعالى .

أضف تعليقك