• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: الأستاذ جمعة أمين

إن المؤمنين حقا هم الذين يحسنون إدراك العواقب ، وهم الذين يعلمون أن ما في أيديهم من مال أو عرض من أعراض الدنيا ، إنما هو إلى زوال أنفقه أو أمسكه ، ولكنه يبغي ما عند الله تعالى إذا أنفق في مرضاته قال الله تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } البقرة 261 .

 

و الذين يحسنون صنعاً هم أولئك الذين يدركون أن الإنفاق في سبيل الله هو لمرضاة الله تعالى ، وهو لا ينقص من المال شيئاً على وجه الحقيقة ويعلمون علم اليقين أن الإمساك عن الإنفاق إنما يكون بهمز الشيطان ولمزه وتخويفه الناس من الفقر ، قال الله تعالى { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم } البقرة 268 .

 

و الذين يصفون إيمانهم من الشوائب والأغيار ، هم الذين يخشون عذاب الله ويتجنبون ما يوقعهم فيه ، ويعلمون أنه مما يوقع في عذاب الله إمساك المال أو كنزه ومنعه من أصحاب الحقوق فيه ، بل يوقنون بأن التضحية به هي الأصل ، قال الله تعالى { و الذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } التوبة 34-35 .

 

و الذين لا يحبون أن تضيع منهم الفرص ، ولا يرغبون في أن يشعروا بالندم على ما فات ، أولئك الذين يبادرون إلى الإنفاق في سبيل الله و التضحية بالمال ، قال الله تعالى في خطابه للذين آمنوا { و أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها و الله خبير بما تعملون } المنافقون 1.-11

 

إن مفهوم التضحية في كلمة الإمام البنا هو بذل المال في سبيل الله ، وهكذا ينفق المال في سبيل الله ، وسبيل الله باب واسع في الإنفاق ، وكانت الجماعة تعطى فيه لليتامى والأرامل وتقيم المشروعات الاقتصادية الصغيرة و المتوسطة وترصد كثيراً مما تغله تلك المشروعات لسبيل الله تعالى.

 

وفقه التضحية في سبيل الله إنما يعرف قيمته ويدرك المكانة التي يكون فيها عند الله من أنار الله بصيرته ، ففقه الحياة الدنيا على حقيقتها وعلم أنها معبر للحياة الآخرة ودار ممر إلى دار المقر ، عندئذٍ قد ينفق ماله كله في سبيل الله تعالى ، ولا يبقى لأهله شيئاً أو يبقى لهم القليل ، كما حدث من أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، وكما حدث من كبار الصحابة رضوان الله عليهم .

 

أخرج ابن اسحق بسنده عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها قالت :

 

لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر رضى الله عنه أي في الهجرة احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم فانطلق بها معه .

 

قالت : والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه !!

 

- قالت : قلت : كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا قالت وأخذت أحجاراً فوضعتها في كوة البيت الذي كان أبى يضع ماله فيه ثم وضعت عليه ثوبا ثم أخذت بيده فقلت : يا أبت ضع يدك على هذا المال .

 

قالت : فوضع يده عليه فقال : لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم .

 

- تقول أسماء رضى الله عنها : لا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكت الشيخ بذلك .

 

أخرجه الإمام أحمد وقال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح غر ابن إسحاق .

 

فهذه أضواء على مفهوم التضحية كما تحدث عنها الإمام البنا في كلمته الوجيزة .

 

وكان رحمه الله في هذه الكلمة يشجع المسلمين على بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شئ في سبيل الغاية يشجعهم على ذلك ليقاوموا عدوا محتلا لأرض الوطن في مصر وفي العالمين العربي والإسلامي ولكي يواجهوا اليهود وما يدبرونه من كيد وحرب للاستيلاء على فلسطين وكانت مقدمات ما قام به اليهود في فلسطين توحي بالنتائج .

 

ولقد ضحى الإخوان بأنفسهم وأموالهم وأوقاتهم وبكل شئ يملكونه ويقدرون عليه من أجل مقاومة اليهود وطرد الإنجليز من مصر

 

والتضحية بالمال في سبيل الله تعالى من أنواع التضحية ذات الشأن الكبير في إحقاق الحق وتأمينه وتأمين أهله والمنادين به إذ لا يخفي على أحد ما للمال من أهمية في حياة الإنسان .

 

والنصوص الإسلامية التي تطالب المؤمنين بالتضحية بالمال في سبيل الله وإنفاقه في أوجهه التي أمر الإسلام بها أو ندب إليها إنها نصوص ليست بالقليلة في الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة مما سيذكر بعضه في هذا المجال .

 

والتضحية بالمال أنواع  :

 

- منها بذل المال في تجهيز الجيوش المجاهدة في سبيل الله ،

- ومنها تأمين الاحتياجات المتوقعة لهذه الجيوش في المستقبل القريب أو البعيد ،

- ومنها تأمين احتياجات المسلمين في حالة السلم ،

- ومنها بذل لدفع ضرر عن المسلمين في الحاضر أو في المستقبل ،

- ومنها بذله في وجوه الخير والبر عموما .

شروط قبول التضحية بالمال - من أوجه الإنفاق

وفي جميع أحوال التضحية بالمال في سبيل الله يجب أن تتوفر فيه شروط حتى يحظى صاحبه برضا الله تعالى ومن هذه الشروط ما نشير إلى بعضه فيما يلي :

 

- وأن يكون هذا المال قد اكتسبه بالمال من أي من أو أذى أو رياء أو سمعة

- وأن يكون هذا المال المبذول في سبيل الله من أحب أموال المنفق إلى نفسه .

بكل هذه الشروط في بذل المال والتضحية به في سبيل الله وردت نصوص إسلامية كثيرة نذكر منها ما يلي :

 

- قال الله تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } البقرة 261، 262 ].

 

وعند النظر في هاتين الآيتين الكريمتين نستطيع أن نتبين ما يلي :

 

أن إنفاق المال والتضحية به يجب أن يكون في سبيل الله وسبيل الله هو : طريقه والمقصود بذلك ما ينفق في الجهاد أو في طريق الخير والبر تدخل فيه سائر الصدقات التطوعية فضلا عن أن المنفقين أموالهم في سبيل الله يضاعف الله لهم الثواب أضعافا كثيرة كما تتضاعف الحبة التي تزرع في الأرض فتنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة أي سبعمائة ضعف .

 

- وأن المنفقين في سبيل الله ووجوه البر والخير لا يجوز لهم أن يتبعوا ما أنفقوا بمن أو تفاخر أو تطاول على من أحسنوا إليهم هؤلاء لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم من شئ ولا يصيبهم حزن على شئ .

 

قال جل شأنه : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } الأنفال : 6. ]

 

وهذه الآية الكريمة لا تكتفي بالوعد بأحسن الجزاء عند الإنفاق في سبيل الله وإنما توضح للمسلمين إلى جانب ذلك أوجه الإنفاق في سبيل الله تعالى .

 

ومن أوجه الإنفاق :

الإعداد لمواجهة الأعداء بكل أنواع القوة التي تدفع كيد الأعداء كالعتاد بأنواعه والمرابطة في الثغور وتجهيز المقاتلين والتكفل بأبنائهم وذويهم وتطوير السلاح بحيث يستطيع أن يواجه سلاح الأعداء .

 

وأهداف هذا الإعداد :

-إرهاب أعداء الله من الكفار الذين يتربصون حاليا بالمؤمنين ،

 

- إرهاب أعداء الله الذين يخططون ويدبرون للكيد للإسلام والمسلمين .

 

ولإنفاق المال في هذه الأوجه لتحقيق هذه الأهداف فإنما يلقى صاحبه عند الله أوفي الجزاء دون أن ينقصكم الله مثقال ذرة مما تستحقون من فضل الله .

 

والامتناع عن الإنفاق في سبيل الله أو الضن بالمال وعدم التضحية به عمل مستنكر لا يليق بمسلم بل عمل لا مبرر له لأن المال على وجه الحقيقة مال الله يرثه ويرث كل ما في السموات والأرض والإنفاق في سبيل قرض لله تعالى يصلح به المؤمن أحوال إخوانه في الإسلام وله على هذا القرض أحسن الجزاء .

 

قال الله تعالى : { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم } الحديد 10-11 ].

 

وفي الآيتين الكريمتين عدة حقائق منها :

 

أنه ما ينبغي أن يثنى المؤمن عن الإنفاق في سبيل الله والتضحية بالمال شئ وأن إنفاق المال في سبيل الله واجب إذ المعنى أنكم ستموتون فتورثون فهلا قدمتم المال للإنفاق في سبيل الله وطاعته ؟

 

وأن الناس في التضحية بالمال في سبيل الله درجات فالذي يضحي بماله في وقت يكون المسلمون فيه أحوج إلى المال يكون أعلى درجة من الذي أنفق ماله في غير هذه الظروف وإن كان الاثنان مأجورين بالحسنى من الله تعالى .

 

وأن الله تعالى رغب المسلمين في أن ينفقوا أموالهم في نصرة المسلمين وقتال الكافرين ومواساة فقراء المسلمين وسمى ذلك الإنفاق قرضا من حيث وعد به الجنة إذا كان قرضا حسنا .

 

شروط القرض الحسن :

ولا يكون القرض حسنا كما يرى العلماء إلا إذا استوفي شروطا منها :

 

-أن تكون نفسه طيبة بهذه التضحية بالمال ،

 

-وأن يكون لوجه الله تعالى وحده ،

 

-وأن يكون المال الذي أنفقه من الحلال ،

 

-وأن يكون من أكرم ماله عليه أي يحبه ويحتاج إليه ،

 

-أن يكتمه إن كان صدقة تطوعية ،

 

-ألا يتبعه بمن ولا أذى ،

 

- وأن يخلو من الرياء ،

 

-وأن يرى أن ما ينفقه قليل ،

 

- وأن يرى عز الفقير وذل نفسه هو ،

 

-وأن يوجهه إلى الأحوج الأولى بأخذه ،

 

ومن كان قرضه كذلك فقد أقرض الله سبحانه عندما أقرض عباده الفقراء فضحى بماله من أجلهم وعندئذ يستحق عند الله الأجر المضاعف أي الثواب الجزيل .

 

وأي رفع لشأن التضحية بالمال في سبيل الله أعلى من تسميته قرضا لله تعالى ؟ وإنما هو قرض للمحتاجين من الناس لكنه التشريف لهذا العمل الجليل وفي الحديث الصحيح ما رواه أحمد بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى : ((استقرضت عبدي فلم يقرضني )) .

 

وهناك بعض آيات القرآن الكريم التي تهدد من دعي إلى الإنفاق في سبيل الله فيخل بماله أن يقدمه في سبيل الله مثل قوله تعالى { هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } محمد 38 ] .

أضف تعليقك