• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

تمر هذه الأيام ذكرى مرور عام هجري على إعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرض حصار جوي وبري وبحري على قطر، بذريعة تصريحات مفبركة منسوبة لحضرة صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وأثبتت الأيام أن "السحر انقلب على الساحر" فلسوء حظ هذه الدول الأربع فإنه مع حلول الذكرى الأولى لتآمرهم لحصار قطر، فإن قطر سوف تحتفل بمناسبة تجاوز هذا الحصار.

بداية الأزمة

بدأت الأزمة بعد منتصف ليل الثالث والعشرين من مايو في العام الماضي، بقرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية، ونشر خطاب كاذب منسوب إلى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وكانت الخطة تقضي، حسب تقديرات بعض الخبراء، بإثارة صدمة كبيرة داخل الدوحة تقود إلى هز الحكم، ولكن القيادة القطرية تصرفت برباطة جأش، واستطاعت امتصاص الصدمة والتعامل مع عملية القرصنة والهجوم الإعلامي والسياسي الذي رافقها بمهنية عالية.

حين تم إحباط الخطوة الأولى، انتقلت أبوظبي والرياض إلى الخطة "ب"، التي كان الفصل الأول منها يقوم على شن حرب إعلامية مكثفة، انخرطت فيها كافة وسائل الإعلام في الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، وجرت عملية قصف في عدة اتجاهات للتأثير على أهل قطر وسكانها، ولحشد رأي عام عربي ودولي ضد البلد الصغير الذي كان وحده في مواجهة أبواق تدرّبت على التضليل وفبركة الأكاذيب وتزوير الحقائق، وكان عليه أن يفند الحملات ويرد عليها بما يمنع آثارها النفسية، وأن يكشف للرأي العام العالمي تهافتها وعدم مصداقيتها.

اعتمدت الحملة ضد قطر على مستوى هابط من الحرب الإعلامية والسياسية، وساهمت نوعية الاتهامات والتلفيقات التي فبركتها دول الحصار وطريقة تقديمها، في خلق رأي عام مضاد لدول الحصار، وتطور موقف شرائح من الرأي العام ليقلع عن متابعة إعلام الحصار، الأمر الذي ألحق ضررًا كبيرًا بسمعة ومصداقية كافة وسائل الإعلام في دول الحصار، وهنالك صحف عريقة خسرت مصداقيتها بسبب انقيادها وانخراطها في السرب وتخلّيها عن مهنيتها وموضوعيتها في مقاربة تفاصيل الأزمة.

مفاجأة مدوية

تأثرت قطر في الأيام الأولى من الهجوم، الذي فاجأ أهل قطر حكومة وشعبًا، وتضررت كافة القطاعات من جراء إعلان الحرب الإعلامية والسياسية وإغلاق الحدود، وشمل الضرر كافة مناحي الحياة، بدءًا بفقدان المواد الأولية في بداية شهر رمضان، خصوصا الحليب واللبن، التي كان يتم استيرادها برًا من السعودية، وحتى عمليات الترحيل القسري للقطريين من الإمارات والسعودية، وبين هؤلاء طلبة جامعيون كانوا يؤدون امتحانات نهاية العام، ورجال أعمال، ومرضى في المشافي، وعائلات متصاهرة، وأصحاب قطعان إبل كانت ترعى في الأراضي السعودية، وبسبب فورية الإجراءات وعنفها كانت الأضرار كبيرة.

كان درس الحصار قاسيًا، ولم يكن متوقعًا أن يتصرف الأشقاء على هذا النحو العدائي في شهر الصوم والتراحم.

تجاوز الأزمة 

لقد تعافت قطر اقتصاديًا بشكل سريع بعد أشهر قليلة من بدء الحصار، وصار الاقتصاد القطري هو الأسرع نموًا في المنطقة بشهادة صندوق النقد الدولي، الذي قال - في بيان أصدره بعد زيارة وفده لقطر في مارس الماضي- إن التداعيات الاقتصادية والمالية المباشرة للأزمة بين قطر ودول الحصار بدأت تتلاشى، وهو تصريح يمكن اعتباره إقرارًا دوليًا بقوة الاقتصاد القطري.

ويرى الصندوق أنه رغم تأثر النشاط الاقتصادي فإن ذلك كان لفترة قصيرة، وأن قطر تمكنت من إنشاء خطوط تجارية جديدة بشكل سريع، وبالمثل تعافى القطاع المصرفي القطري من نزوح الأموال وتمكن من التكيف، بعد أن ضخ مصرف قطر المركزي وجهاز قطر للاستثمار سيولة في البنوك.

وفي السياق ذاته؛ أفاد وزير الطاقة القطري -دليلًا على هذا التعافي والتعاطي الإيجابي مع الأزمة- بأن طاقة قطاع الصناعات الغذائية زادت أكثر من 300% في ثمانية أشهر بعد الأزمة، وأن قطر تسعى للتنوع الاقتصادي وعلى رأس ذلك توسيع قاعدة الصناعة.

وأضاف الوزير أن عدد المصانع التي افتتحتها قطر خلال ثمانية أشهر منذ بدء الحصار، يساوي عدد المصانع التي افتُتحت وبدأت إنتاجها في السنتين السابقتين، مؤكداً أن قطر تستغل إمكانياتها الكبيرة من الطاقة لخلق وتوسيع الصناعات الثقيلة والمعدنية كالحديد والألمنيوم، والصناعات الأخرى التي تعتمد على البترول والغاز.

وقالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية - في تقرير لها منتصف مايو الجاري - إن دولة قطر تنفق 200 مليار دولار على بنيتها التحتية وتستعيض عن الاستيراد من الجيران بفتح طرق تجارية جديدة وإنشاء مشروعات الاكتفاء الذاتي التي بدأت منتجاتها تدخل السوق المحلية.

وأشارت الصحيفة إلى الحركة القوية لإنشاء مدينة لوسيل الجديدة شمالي الدوحة والتي قالت إنها ستؤوي حوالي 200 ألف شخص، وإلى ملعبها الرياضي الضخم الذي يتسع لـ80 ألف متفرج، مع ملاعب أخرى عديدة اقترب موعد اكتمالها.

ووصفت العاصمة القطرية الدوحة بأنها تتحول بسرعة من صحراء مغبرة إلى محور عالمي، قائلة إن الحكومة القطرية تتجاوز آثار الحصار باستمرارها في الإنفاق الضخم على برامج تنمية البنية التحتية، بما فيها بناء الطرق والسكك الحديدية، كما أن الحكومة وجهت بتحويل 50 مليار دولار من صندوق ثروتها السيادية واحتياطيها لحماية قطاعها المصرفي وسعر تبادل عملتها.    

ونسبت الصحيفة إلى المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي جهاد عزور قوله إن قطر استطاعت أن تتعامل مع الأزمة بعدة تدابير للتعويض عن المخاطر التجارية والمالية.

أما على صعيد الحصار الدبلوماسي ومحاولة عزل قطر، فقد فشلت دول الحصار فشلًا ذريعًا، وتبين أن الدوحة أقامت علاقات دبلوماسية ذات طابع متين وعلى أسس واضحة لم تؤثر فيها بروباجندا الإمارات والسعودية، التي لم يتجاوب معها أحد حتى في الولايات المتحدة، حيث عوّل وليا عهد أبوظبي والسعودية على غطاء سياسي من الرئيس دونالد ترامب من أجل غزو قطر عسكريًا، كما تكشّف خلال هذه السنة من التسريبات الكثيرة حول ما صرفته أبوظبي والرياض من مبالغ مالية طائلة بهدف هز الموقف في قطر.

خلاصة ما يمكن قوله بعد مرور نحو عام على بدء حصار غير مبرر وجائر؛ أنه كأنما الرباعي المتأزم -الذي حاصر قطر للنيل من سيادتها- صار سبباً لدفع قطر لانتهاج سياسة معاكسة تماماً، حتى يخال أن القطريين سيحولون يوم 5 يونيو 2017 إلى يوم استقلال جديد للدولة، لكي تضع عنها عبء التبعية للقرار الخليجي الهزيل في غالب المجالات والأصعدة.

 

 

أضف تعليقك