• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم الكاتب القطري: جابر الحرمي

تعيش السعودية حالة من الاضطراب وغياب الرؤية في ظل القيادة الحالية، بصورة لم يسبق أن عاشتها طوال تاريخها، وهو أمر محزن أن تصل إلى هذه المرحلة من التخبط.

آخر مسلسل هذا التخبط، ما كشفت عنه صحيفة «لوموند» الفرنسية مؤخراً، من أن السعودية هددت باستهداف قطر عسكرياً، في حال حصولها على منظومة «أس-400» الروسية، وأن هذا الأمر جاء في رسالة بعث بها الملك سلمان إلى الرئيس الفرنسي، يطلب فيها تدخّل ماكرون لوقف الصفقة المتوقعة بين الدوحة وموسكو!

هذا الموقف، يُضاف إلى مواقف أخرى، يطرح تساؤلاً: هل السعودية في ظل القيادة الحالية هي السعودية نفسها التي نعرفها، وتعرفها الشعوب العربية عبر التاريخ؟

لم تكن السعودية في يوم ما عبر التاريخ، بهذه «الرعونة» التي نشاهدها اليوم في مختلف الملفات والقضايا، فبعد أن كانت طرفاً في إيجاد الحلول لأزمات المنطقة، باتت اليوم طرفاً في خلق هذه الأزمات، فمغامرات القيادة السعودية الحالية أصبحت سمة بارزة مع كل إشراقة شمس يوم جديد.

وما إعلان الرئيس الفرنسي قبل أيام أنه أنقذ المنطقة من الدخول في حرب طاحنة -السعودية ليست فقط سبباً فيها، بل هي التي افتعلت ذلك- وقوله بصريح العبارة وبتصريح مباشر إنه أخرج رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من المعتقل في الرياض، إلا نموذج لذلك..

فما موقف السعودية بين دول العالم عندما يعلن رئيس دولة كبرى، عضو دائم في مجلس الأمن، عن أمر يشكّل «فضيحة» مدوية، لم ترتكبها حتى أنظمة «متخلفة» أو «قمعية» من دول في العالم الخامس، لتأتي السعودية وتسجل سابقة على مستوى العالم، باعتقال رئيس وزراء دولة، وإجباره على تقديم استقالته، وهو في عاصمتها ومن على منابرها الإعلامية؟!

ليس هذا فحسب، بل ماذا عن الحرب في اليمن، التي هي في عامها الرابع، دون أن تلوح في الأفق أية بوادر لحل سلمي، ينهي معاناة شعب اليمن الشقيق، الذي يعاني جواً من صواريخ التحالف بقيادة السعودية، وعلى الأرض سجوناً ومعتقلات سرية بقيادة الإمارات، فما استراتيجية السعودية للخروج من الحرب في اليمن؟ ليست هناك رؤية سعودية في ذلك.

مشكلة القيادة السعودية اليوم أنها «تتفنن» في خلق الأزمات وافتعالها، والدخول في حروب بالمنطقة والإقليم دون أن تكون لديها استراتيجية للخروج من الأزمات التي تفتعلها، وهذه حقيقة للأسف الشديد.

حتى القضية الفلسطينية، التي كانت السعودية هي الحاضنة الأولى لها، والمدافعة عنها بالأفعال قبل الأقوال، لم تعد، اليوم فقط تتهرب من استحقاقات الدفاع عنها في المحافل الدولية -كما شاهدنا غيابها عن قمتي القدس اللتين عُقدتا في اسطنبول ديسمبر 2017 ومايو 2018.

بل هي اليوم أقرب إلى الكيان «الإسرائيلي»، عبر انضمامها إلى حلف «أصدقاء الكيان الإسرائيلي»، وهناك حديث عن «غزل» يدور بين الجانبين، فهل هذه هي السعودية التي نعرفها؟!

بالتأكيد ليست السعودية التي نعرفها، لذلك فإننا نشفق عليها كثيراً من القيادة الحالية التي تتولى أمرها، المتخصصة في عبث المعارك، وصناعة الأعداء، وافتعال الأزمات، والمنطقة اليوم ليست بحاجة إلى أزمات جديدة، فهي تعيش ما يكفيها من التوترات والقلاقل، ما يجعلها على صفيح ساخن، لتأتي القيادة السعودية الحالية بافتعال المزيد.

لم يسبق أن كانت السعودية تعيش هذا الوضع الذي هي فيه من التدهور والرعونة وغياب الرؤية، وهو أمر مؤسف أن يصل التخبط السياسي فيها إلى هذه الدرجة من الانحدار، نشفق عليها، ونتمنى لها الاستقرار، كون استقرارها استقراراً للمنطقة بأسرها، وحريصون جداً على مصلحة الشعب السعودي الشقيق، الذي هو أهلنا، والتداخل الاجتماعي والأسري فيما بيننا، ربما يفوق أي تداخل بين دولتين في العالم، ليس فقط في المنطقة.

نحن في قطر، لا نتمنى لأية دولة خليجية -فما بالكم بدولة في حجم السعودية- أن تصل إلى هذه المرحلة من التخبط في إدارة ملفاتها السياسية الخارجية، بهذه الصورة التي نشاهدها لأول مرة، وهو أمر محزن لا نتمناه لأية دولة شقيقة.

ثم ما الذي يزعج السعودية في حصول قطر على منظومة صواريخ «أس-400» الروسية، وهي منظومة دفاعية، أي أنها تُستخدم لحماية الحدود الجغرافية الجوية لدولة قطر، وليست منظومة هجومية، إلا إذا كانت النوايا لدى السعودية مبيّتة لعدوان عسكري على قطر؟!

وهو أمر غير مستبعد، فحصار قطر كان يعقبه عدوان عسكري، وهو ما كشف عنه سمو أمير دولة الكويت الشقيقة في مؤتمره الصحافي الشهير مع الرئيس الأميركي ترمب بواشنطن في سبتمبر 2017، عندما قال بوضوح إن الوساطة التي يقوم بها نجحت في وقف عمل عسكري ضد قطر.

وبالمناسبة، السعودية -وحسب ما نشرته وكالة «سبوتنيك» الروسية- تتفاوض لشراء المنظومة نفسها، وفي الوقت نفسه تطلب من الرئيس الفرنسي التدخل لوقف الصفقة مع قطر!

أي تناقض تعيشه القيادة السعودية، التي تحلل لنفسها ما تحرّمه على غيرها، ليس في هذا الملف فحسب، بل في كل الملفات؟!

قطر لديها رؤية واضحة في التعامل مع مختلف الملفات بالمنطقة وعلى مستوى العالم، سواء في سياساتها الداخلية أم سياساتها الخارجية، إقليمياً ودولياً، وهو ما أكسبها هذه المصداقية في المجتمع الدولي وبين دول العالم، وحضوراً فاعلاً في المشهد الدولي.

بالتأكيد، لسنا سعداء لتراجع حضور السعودية على المستوى الإقليمي والدولي، والنزيف المتواصل لمكانتها ومصداقيتها بفعل تخبّط سياساتها، وغياب استراتيجيتها، وعدم وضوح رؤيتها حيال مختلف الملفات للأسف الشديد، وهو ما أكسب أطرافاً أخرى نجاحات دون أن تتوقعها، بسبب تخبّط السياسة السعودية.

يحزننا القول إن السعودية -في ظل القيادة الحالية- تحوّلت من مصدر استقرار للمنطقة إلى مصدر مُزعزع للأمن والاستقرار، وافتعال الأزمات في أكثر من مكان.

أضف تعليقك