• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: الأستاذ جمعة أمين

فرض الله الجهاد على كل مسلم فريضة لازمة حازمة لا مناص فيها ولا مفر منها ورغَّب فيه أعظم الترغيب ، وأجزل ثواب المجاهدين و الشهداء فلم يلحقهم في مثوبتهم إلا من عمل بمثل عملهم ومن اقتدى بهم في جهادهم ومنحهم من الامتيازات الروحية و العملية في الدنيا والآخرة ما لم يمنحها سواهم ، وجعل دماءهم الطاهرة الزكية عربون النصر في الدنيا وعنوان الفوز و الفلاح في العقبى ، وتوعد المخلفين القاعدين بأفظع العقوبات ، ورماهم بأبشع النعوت و الصفات ووبخهم على الجبن و القعود ونعى عليهم الضعف و التخلف ، وأعد لهم في الدنيا خزياً لا يرفع إلا أن جاهدوا ، وفي الآخرة عذاباً لا يفلتون منه ، ولو كان لهم مثل أحد ذهباً ، واعتبر القعود و الفرار كبيرة من أعظم الكبائر ، وإحدى السبع الموبقات المهلكات .

 

ولست تجد نظاماً قديماً أو حديثاً دينياً أو مدنياً عنى بشأن الجهاد و الجندية واستنفار الأمة ، وحشدها كلها صفاً واحداً للدفاع بكل قواها عن الحق كما تجد ذلك في دين الإسلام وتعاليمه ، وآيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فياضة بكل هذه المعاني السامية داعية بأفصح عبارة وأوضح أسلوب إلى الجهاد و القتال و الجندية ، وتقوية وسائل الدفاع و الكفاح بكل أنواعها من برية وبحرية وغيرها على كل الأحوال و الملابسات .

 

فللقرآن منهج فريد في الدعوة إلى الجهاد وبيان فضله وحث المؤمنين عليه وتبشير أهل بالثواب الجزيل ، و الجزاء الجميل فهو يبدأ بتحديد مهام المسلم وغايته في الحياة بعد أن حدد غايات الناس ومقاصد الناس فيها ، فبين أن فقوماً همهم من الحياة الأكل و المتعة ، فقال تبارك وتعالى { و الذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام و النار مثوى لهم } محمد 12 .

 

وبين أن قوماً آخرين مهمتهم الزينة و العرض الزائل ، فقال تبارك وتعالى { زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة والأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا و الله عنده حسن الثواب } آل عمران 14 .

 

وبين أن قوماً آخرين أيضاً شأنهم من الحياة إيقاد الفتن وإحياء الشرور وأولئك الذين قال الله فيهم { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد } البقرة 204-206 .

 

تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة نزه الله المؤمنين عنها ... وبرأهم منها ... وكلفهم مهمة أرقى ، و ألقى على عاتقهم واجباً أسمى ذلك الواجب هو هداية البشر إلى الحق ، وإرشاد الناس جميعاً إلى الخير ، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام .

 

فذلك قول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير } الحج 77،78 .

 

و المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع نفسه وماله ، فليس له فيها شئ إنما هي وقف على نجاح هذه الدعوة ، وإيصالها إلى قلوب الناس ، وذلك قوله تبارك وتعالى { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل و القرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } التوبة 111 .

 

ومن ذلك نرى أن المسلم يجعل دنياه وقفاً على دعوته ، وليكسب آخرته جزاء تضحيته وهو على يقين من أن جبنه وخوفه من السير في هذا الطريق لا يطيل عمراً ولا جرأته وشجاعته وإصراره على السير مهما كانت الصعاب و التضحيات لا يقصر أجلاً { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } الأعراف 34 فنقول " فلا نامت أعين الجبناء " ، وقد تحرر من رق المادة ، وتطهر من لذة الشهوات ، وترفع عن سفاسف الأمور ودنايا المقاصد ووجه وجهه لله الذي فطر السموات والأرض ليعلى كلمة الله ويجاهد في سبيل الله ، وينشر دينه ويزود عن حياض شريعته بكل وسائل الدعوة إلى الله ويجاهد في الله حق جهاده بهذه الفريضة الماضية إلى يوم القيامة ، و المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية " وأول مراتب هذا الجهاد إنكار القلب وأعلاها القتال في سبيل الله وبين ذلك الجهاد باللسان و القلم واليد - بقواعده الشرعية وضوابطه الفقهية - وكلمة الحق عند السلطان الجائر .

 

لا تحيا الدعوة إلا بالجهاد

ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد ، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها ، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها وجزالة الثواب للعاملين .

 

هذه المعاني التي تربى عليها المجاهدون فهانت الدنيا في أعينهم وعظمت الآخرة ، وهم يرون جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فأسرعوا إليها راغبين في نعيمها وأبديتها .

 

و المتأمل في كتاب الله يرى كيف يحض المولى المسلمين على الحذر وممارسة القتال في جيوش ، أو عصابات ، أو فرادى كما يقتضيه الحال ، وكيف يوبخ القاعدين و الجبناء و المخلفين و النفعيين ، وكيف يستثير الهمم لحماية الضعفاء وتخليص المظلومين ، وكيف يقرن القتال بالصلاة والصوم ويبين أن مثلهما من أركان الإسلام ، وكيف يفند شبهات المترددين ويشجع الخائفين أكبر تشجيع على خوض المعامع ومقابلة الموت بصدر رحب وجنان جرئ مبيناً لهم أن الموت سيدركهم لا محالة وأنهم إن ماتوا مجاهدين فسيعوضون عن الحياة أعظم عوض ، ولا يظلمون فتيلاً من نفقة أو تضحية .

 

كما ترى فيه إشادة بموقف المجاهدين ، وعلى رأسهم سيدهم الكريم صلى الله عليه وسلم ، وبيان أن هذه مهمته المطهرة ، وسنة أصحابه الغر الميامين في قوله تعالى { لكن الرسول و الذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } التوبة 88 ، 89 .

 

وفي القرآن سورة بأكملها تسمى " سورة القتال " في كتاب الله الحكيم تبين أن أساس الروح العسكرية كما يقول أمران - لتحقيق التضحية بأسمى معانيها - ألا وهما : الطاعة و النظام ، وقد جمع الله هذا الأساس في آيتين من كتابه ، فأما الطاعة ففي قوله تعالى { ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم } محمد 20،21 . وأما النظام ففي سورة الصف في قوله تعالى { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص } الصف 4 ، وترى إشادة بموقف رائع من مواقف الجهاد الكريم تحت ظل الشجرة المباركة ، حيث أعطيت البيعة على الثبات و الموت ، فأثمرت السكينة و الفتح وذلك في قوله تعالى { لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً } الفتح 18 ، وفي السنة المكرمة ترى هذا الحث البليغ على الجهاد من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جند الله .

أضف تعليقك