بقلم: فيصل القاسم
يقول المثل الشعبي: "العاقل من اتعظ بغيره والتعيس من اتعظ بنفسه". لكن المشكلة أن قلة قليلة عبر التاريخ تتعظ من كوارث الآخرين، بينما كثيرون لا يتعظون إلا إذا دفعوا الأثمان بأنفسهم.
لا عجب أن الأديب البريطاني الشهير ألدوكس هكسلي يقول في قولته الشهيرة: "الدرس الوحيد الذي يتعلمه الناس من التاريخ أنهم لا يتعلمون من التاريخ". لكن مع ذلك نعود ونكرر، لا بد أن تتعلم الشعوب العربية من الدرس السوري والليبي واليمني تحديدا، لعلها تقلل من خسائرها في ثوراتها المقبلة، إن لم يكن عاجلا، فآجلا.
فمن الواضح على ضوء الربيع الأردني، أن الشعوب لم ترتعب من المأساة السورية كما أرادوا لها، بل هي مستعدة أن تنتفض من أجل حقوقها حتى لو دفعت الغالي والنفيس.
ومن الواضح أيضا، أن الذين أرادوا أن يجعلوا من الشعب السوري عبرة لمن يعتبر بالقتل والتهجير، قد فشلوا فشلا ذريعا على ضوء خروج الشارع الأردني عن بكرة أبيه في انتفاضة شعبية عارمة، استخدمت شعارات لا تقل قوة عن شعارات الانتفاضات العربية الأخرى.
لا أحد يقول لنا إن الأوضاع في بقية البلدان العربية أفضل بكثير من الأوضاع في البلدان التي ثارت. لا شك أن النظام السوري يتفوق على الكثيرين في وحشيته وتصرفاته الأمنية القذرة التي لم يسبقه إليها حتى النازيون والفاشيون والمغول والتتار، لكن البقية تختلف عنه فقط بدرجات محددة.
فالأنظمة العربية بمجملها لديها العقلية الوحشية ذاتها في التعامل مع الشعوب. وهي تعمل دائما بنصيحة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير: "ما لا تستطيع أن تحققه بالقوة، يمكن أن تحققه بمزيد من القوة".
باختصار، فإن الانتفاضة في بقية البلدان العربية قادمة لأن الظروف كلها تشير في ذلك الاتجاه، ولأن الأوضاع متشابهة إلى حد كبير، خاصة في جمهوريات العسكر. ولا يمكن استثناء الملكيات أيضا، فربيع الأنظمة الملكية كما بدأ يلمح الباحثون الإسرائيليون قادم. والمسألة مسألة وقت فقط.
وبما أن الدماء السورية واليمنية والليبية لم تجف بعد، فمن الأجدر بالشعوب العربية أن تكون قد تعلمت الدرس. إن أول شيء يجب أن تعيه الشعوب أن هناك ألف طرف وطرف يتحيّن فرصة الثورات في البلاد العربية كي يحقق مصالحه وأطماعه على أنقاضها، ويستغل مظالم الشعوب وعذاباتها ليس ليساعدها على التخلص من الظلم والطغيان، بل كي يستغلها لتحقيق مآربه القذرة، حتى لو أدى ذلك إلى خراب الأوطان وتهجير السكان.
وهذا ما شاهدناه في الثورة السورية، فقد استغل كلاب العالم وضباعه معاناة السوريين تحت القمع والاضطهاد، وبدل أن يساعدوهم على التحرر من ربقة العبودية الأسدية، تاجروا بآلامهم ومظالمهم لأغراضهم الخاصة، فكانت النتيجة وبالا على السوريين شعبا ووطنا.
انتبهي أيتها الشعوب: عندما يشتعل الحريق في منزلك، سيهرع كثيرون إلى الحريق، لكن ليس كلهم يأتون لإطفائه، بل ربما ليصبوا مزيدا من الزيت على النار كي تتسع.
وبعضهم يأتي ليسرق البيت، والبعض الآخر ربما يأتي ليستغل محنة ساكني البيت ويستخدمهم لأغراضه الحقيرة. كوني حذرة جدا، ولا تقبلي المساعدة قبل أن تتأكدي من نوايا مقدميها.
ولا تدعي أي طرف خارجي يحرضك على حكوماتك حتى لو كانت ظالمة. لا تصغي إلى أصوات الخارج. لقد سارعت قوى كثيرة للتدخل في سوريا بحجة مساعدة السوريين ضد النظام، لكن تبين أن غالبيتهم كان آخر همها مساعدة السوريين، فكل تدخل لأهدافه الخاصة التي لا علاقة لها أبدا بمظالم السوريين.
انتبهي أيتها الشعوب، لا شك أن لديك ألف سبب وسبب كي تثوري، لكن لا تجعلي ثوراتك مطية لتحقيق أطماع الكثيرين في بلادك وعلى أشلائك، فبدل أن تحققي أحلامك في الكرامة والحرية تحققين مطامع المتكالبين على بلادك، بينما تعودين أنت إلى نقطة الصفر وربما أدنى. لا تقبلي أيتها الشعوب أن تكوني أداة في أيدي أي جهة خارجية.
حذار أن يتقاتل أبناء الشعب الواحد فيما بينهم تلبية لمطالب داعميهم في الخارج. انظروا ماذا حصل للسوريين الذين سلطهم كلاب الخارج على بعضهم البعض، فتحولت الثورة إلى حرب أهلية لم يربح منها سوى الخارج ونظام الطاغية وحلفائه.
احذري أيتها الشعوب أي دعم خارجي مهما كان. لا تثقي بأقرب المقربين. ثقي فقط بشعبك وببلدك، وارفضي أي عون من أي جهة، لأن الدول والأطراف الأخرى ليست جمعيات خيرية، فكل طرف يقدم مساعدة يحاول أن يجني من ورائها أضعافا مضاعفة.
وهذا كله يدمر مطالبك المشروعة، ويجعلك مطية ولعبة في أيدي المانحين والواهبين. لاحظوا إلى ماذا أدى تنوع الداعمين للفصائل في سوريا.
أدى إلى تدمير الثورة وتحويل البلد إلى إقطاعيات وإمارات إسلامية أسوأ من النظام. وكان مصيرها كلها السحق، لأنها بدل أن تسعى من أجل تحرير البلاد من الظلم والطغيان راحت تتناحر وتتنافس فيما بينها على الغنائم والنفوذ والسلطة.
احذري أصحاب الشعارات الإسلامية والدينية، فقد أثبت هؤلاء أنهم ألد أعداء الثورات بشكل مباشر أو غير مباشر، فهؤلاء لا يريدون إقامة أوطان مدنية ديمقراطية حرة، بل يريدون أن يعودوا بكم إلى غياهب الظلام والتخلف والماضي، وهم أكبر عون للطغاة لأنهم يعطون الشعوب انطباعا بأنهم أسوأ من الأنظمة.
ولن نتفاجأ أبدا أن مثل تلك الجماعات الدينية هي بالأصل صناعة مخابراتية يسلطها الطغاة على الشعوب عندما تثور عليهم، كي تقول الشعوب: "ما بتعرف خيرو لتجرب غيرو".
اطردوا أي متظاهر يحمل شعارا دينيا، فهو إن لم يكن مدسوسا، فهو سيكون لاحقا وبالا عليكم، لأن العالم سيعتبره رمزا للإرهاب، وبحجة القضاء عليه سيقضي على ثوراتكم ومطالبكم، كما حصل للسوريين.
لا تنسوا أن كل من يحمل شعارات دينية في الثورات ليس ثائرا، لأنه يحمل عقلية التكفير والإقصاء والتمييز بين الناس على أسس دينية وطائفية ومذهبية، مثله مثل العسكر الذين يعمدون إلى تخوين كل من يعارضهم.
لا خيار لكم سوى الأنظمة المدنية الديمقراطية بعيدا عن أحذية العسكر ولحى المتدينين. لا تقبلوا أن تبقوا بين سندان الجنرالات ومطرقة الإسلامجيين.
لا بأس أن تتحالفوا مع الإسلاميين المتنورين الوسطيين الذين يؤمنون بالنظام المدني وقبول الآخر حيث وجدتموهم.
تعلموا من مصائب غيركم لعلها تكون فوائد لكم.
أضف تعليقك