• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

الأستاذ جمعة أمين

مع عوف بن الحارث:

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال : يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده ؟ قال: غمسه يده في العدو حاسراً فنزع درعًا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل .

وهذا مثل من اهتمام الصحابة رضى الله عنه الحياة الآخرة يتمثل في طلب مواطن رضوان الله تعالى يقدمه عوف بن مالك الأنصاري رضى الله عنه حيث يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواطن الذي بلغ فه الدرجات العلي من رضوان الله تعالى فأتى جواب النبي بأنه كون في إقحام النفس في المغامرات المهلكة طلبا للشهادة ومن ذلك أن نطلق المجاهد في نحر العدو كالسهم الحدد الذي لا تحول العوائق دون بلوغه هدفه وهو حاسر غر متدرع بما قه من سلاح الأعداء .

ومثل هذا غلب على الظن وقوعه شهيدا في ساحة الأعداء ولكن بعد أن يثخن فيهم قتلا لأن النفوس التي لا تؤمن بالآخرة يفر أصحابها من الشجعان المغاوير خاصة الحسر من الدروع لأن رمى الدرع يعتبر علامة على الاستقتال وطلب الموت ومن كان كذلك فإن مواجهته تعتبر من الخطر الذي يحذر منه طلاب الدنيا.

مع عمير بن حمام:

أخرج الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه في سياقه لغزوة بدر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض )) قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله !جنة عرضها السماوات والأرض ؟: قال: نعم قال: بخ بخ.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما يحملك على قولك بخ بخ)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال : ((فإنك من أهلها فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل.

وفي هذا الخبر نجد مثلاً عالياً من قوة ارتباط النبي صلى الله عله وسلم وأصحابه رضى الله عنه بالجنة فالرسول صلى الله عليه وسلم يعد الشهداء بالجنة والمؤمنون تسابقون إلى الشهادة حرصا على الظفر بالجنة.

ونجد عمير بن الحمام يبلغ به حرصه على الجنة إلى أن يرمى التمرات من يده وأن يرى أن وقت أكلها وقت طويل لأنه يفصل بينه وبين دخول الجنة وإن كان ذلك الوقت في عرف الناس قصرا.

لقد كان الشعور القوي بالحياة الآخرة متمثلاً في حياة الصحابة رضى الله عنهم فكانت قلوبهم عامرة بالخوف من النار والشوق إلى الجنة وكان تردد خواطرهم بين مقامي الخوف والرجاء حافزاً قوياً على تقوى الله تعالى والزهد في الحياة الدنيا والتسابق في ميادين الجهاد في سبيل الله تعالى .

مصعب بن عمير رضى الله عنه :

هذه الأسماء المضيئة الطاهرة الطيبة التي استعملها الله عز وجل في الدعوة إلى دينه وفتح البلاد وقلوب العباد لرسالة نبيه صلى الله عليه وسلم إنه أول سفير في الإسلام إنه مبعوث النبي صلى الله عله وسلم إلى طيبة الطيبة وكان من أنعم شباب مكة وهجر هذا النعم وهاجر بأمر النبي الكريم صلى الله عله وسلم وكان الذين يدخلون الإسلام ببركة دعوته أكثر ممن يدخله في مكة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما مضى عليه عام حتى دخل الإسلام كل بيت في المدينة إما آمن كله أو بعضه عن عمر بن الخطاب قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلاً وعليه إرهاب كبش قد تنطق به فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغدوانه بأطيب الطعام والشراب فدعاء حب الله ورسوله إلى ما ترون )).

والمواقف الإيمانية العظيمة يوفق لها الصادقون .

على قدر أهل العزم تأتى العزائم

وتأتى على قدر الكرام المكارم

عن محمد بن شرحبيل قال : حمل مصعب اللواء يوم أحد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } آل عمران 144] وأخذ اللواء بيده اليسرى وحتى عليه فضربها فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } أل عمران 144 .

ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه رضى الله عنه .

فكان مصعب رضى الله عنه من السابقين من المهاجرين هاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح المدينة بالإسلام ويعلم أهلها القرآن وختم له بالشهادة والسعادة ولم يطل عمره حتى يقطف ثمره جهاده وصبره .

 

عن خباب قال : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغى وجه الله فوجب أجرنا على الله عز وجل فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد له شيئاً نكفنه فيه إلا نمره كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطى بها رأسه ونجعل على رجليه إذخراً ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها )).

 

أنس بن النضر رضى الله عنه :

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعنى أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعنى المشركين.

ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني لأجد ريحها من دون أحد قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع .

قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه.

قال أنس: كنا نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أمثاله { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بلوا تبديلاً } الأحزاب 23.

مع عاصم بن ثابت رضى الله عنه ويوم الرجيع :

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحى من هذيل يقال لهم : بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا : هذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما انتهي عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد أي مكان مرتفع وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا : لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً .

 

فقال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمه كافر اللهم أخبر عنا نبيك فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل .. وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه وكان عاصم عظيماً من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته .

 

وكان يجوز لعاصم رضى الله عنه أن يقبل الأمان ولكن قوة إيمانه وعزته على الكافرين أبت ذلك فقاتل حتى قتل رضى الله عنه ولكرامته على الله عز وجل منع الكافرين من الوصول إلى جسده فوفي هو مع الله عز وجل فلم يقبل أمان المشركين وأن يجرى عليه حكم الكافرين وأن يسمه المشركون ووفي الله عز وجل ببقية عهده فمنعهم من الوصول إليه بعد قتله فإن قال قائل : لماذا لم يمنعهم الله عز وجل من قتله ؟ فالجواب : لما يريده الله عز وجل له من الكرامة ودرجة الشهادة والله تعالى يحب أن يرى عباده المؤمنين وهم يبذلون نفوسهم لله عز وجل فيبوئهم منازل الكرامة ويزيدهم من فضله .

 

مع جعفر بن أبى طالب :

قال ابن إسحاق : وحدثني بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال : الذي أرضعني وكان أحد بنى مرة بن عوف وكان في ذلك تلك الغزوة غزوة مؤتة قال : والله لكأنى أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل .

 

وقال ابن هشام وحدثني من أثق به من أهل العلم أن جعفر بن أبى طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضى الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فآتاه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء ويقال : إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين .

 

وعن نافع أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل قال : فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شئ في دبره أي ظهره .

 

قال عبد الله : (( كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبى طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية )).

 

قال الحافظ : وظاهرهما التخالف ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم أو بأن الزيادة باعتبار ما رمى فيه من السهام فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شئ في دبره وهو محمول على أن الرمي إنما جاء من جهة قفاه أو جانبيه ولكن يؤيد الأول أن في رواية العمرى عن نافع : فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده بعد أن ذكر العدد بضع وتسعون .

 

وعن عامر قال : كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال : السلام عليك يا ابن ذي الجناحين .

 

عبد الله بن رواحة رضى الله عنه وغزوة مؤتة :

قال ابن إسحاق : كما حدثني عبد الله بن أبى بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال كنت يتيماً لعبد الله بن رواحة في حجره فخرج في سفرته تلك مردفى على حقيبة راحلته والله إنا لنسير ليلة إذ سمعته يتمثل بيته هذا .

 

إذا أرديتني وحملت رحلي

 

مسيرة أربع بعد الحساء

فلما سمعته منه بكيت فخفقني بالدرة وقال : ما عليك يالكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع من شعبتي الرحل .. ولما نزل المسلمون بمعان من أرض الشام بلغهم أن هرقل في ماب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وقد اجتمعت إليهم المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهرام وبلى في مائة ألف قاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له فشجع عبد الله بن رواحة الناس وقال : يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين : إما الظهور وإما الشهادة .

 

وعن عباد بن عبد الله بن الزبير قال : حدثني أبى الذي أرضعني وكان أحد بنى مرة ابن عوف وكان في تلك الغزاة غزوة مؤتة قال : والله لكأنى أنظر إلى جعفر بن أبى طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل القوم حتى قتل فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه وتردد بعض التردد ثم قال :

 

أقسمت يا نفس لتنزلن

 

طائعة أو لتكرهن

مالي أراك تكرهين الجنة

 

إن أجلب الناس وشدوا الرنة

لطالما قد كنت مطمئنة

 

هل أنت إلا نطفة في شنة

وقال عبد الله بن رواحة :

 

يا نفس إلا تقتلي تموتي

 

هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت

 

إن تفعلي فعلاهما هديت

ثم نزل ، فلما نزل أتاه ابن عم له بعظم من لحم فقال : اشدد بهذا صلبك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه في يده فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا ، ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل رحمه الله ورضى عنه .

 

وعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال :( أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ عبد الله بن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم )

 

- البراء بن مالك رضى الله عنه يوم اليمامة وحديقة الموت :

 

عن أنس مرفوعاً قال : " كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره "

 

ولقي البراء زحفاً فقالوا : ا براء أقسم على ربك ، فقال : أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم ، ولقي زحفاً آخر فقالوا : يا براء أقسم على ربك ، فقال : أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم ، والحقنى بنبيك ، فمنحوا أكتافهم وقتل البراء رضى الله عنه .

 

في يوم اليمامة أغلقت بنو حنيفة أنصار مسلمة الكذاب الباب عليهم ، وأحاط بهم الصحابة ، فقال البراء بن مالك : يا معشر المسلمين ألقونى عليهم في الحديقة ، فاحتملوه فوق الجحف ، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم من فوق سورها ، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه ، دخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدين من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة لعنه الله .

 

وقال الذهبي : بلغنا أن البراء يوم حرب مسيلمة الكذاب أمر أصحابه أن يحتملوه على ترس على أسنة رماحهم وأن يلقوه في الحديقة ، فاقتحم إليهم وشد عليهم وقاتل حتى افتتح باب الحديقة ، فجرح يومئذٍ بضع وثمانين جرحاً ، ولذلك قام خالد بن الوليد عليه شهراً يداوى جراحه .

 

 

فلله هذه المواقف الإيمانية ما أعظمها بركة على الأمة وما أكثر عائدتها ، وأعظم فائدتها ، إنها مواقف الأبطال في ساحات القتال ، إنها مواقف رجال باعوا أنفسهم للكبير المتعال ، فما تلكئوا في تسليم المبيع ، ولا تعللوا بالأباطيل فلله درهم وعلى الله أجرهم .

 

- عبد الرحمن بن ثعلبة ( أبو عقيل ) رضى الله عنه :

 

عن جعفر بن عبد الله بن أسلم قال : لما كان يوم اليمامة واصطف الناس كان أول من جرح أبو عقيل ، رمى بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل ، فأخرج السهم ووهن له شقه الأيسر في أول النهار ، وجُرَّ إلى الرحل ، فلما حمى القتال وانهزم المسلمون وجاوزوا رحالهم - وأبو عقيل واهن من جرحه - سمع معد بن عدى يصيح : يا للأنصار الله الله و الكرة على عدوكم ، قال عبد الله بن عمر ، فنهض أبو عقيل يريد قومه ، فقلت : ما تريد ؟ ما فيك قتال ، قال : قد نوه المنادى باسمي .

 

قال ابن عمر : قلت له : إنما يقول : يا للأنصار ، ولا يعنى الجرحى ، قال أبو عقيل : أنا من الأنصار ، وأنا أجيبه ولو حبواً .

 

قال ابن عمر : فتحزم أبو عقيل ، وأخذ السيف بيده اليمنى ، ثم جعل ينادى : يا للأنصار كرة كيوم حنين ، فاجتمعوا رحمكم الله جميعاً ، تقدموا فالمسلمون رديئة دون عدوهم ، حتى أقحموا عدوهم الحديقة ، فاختلطوا ، واختلفت السيوف بيننا وبينهم .

 

قال ابن عمر : فنظرت إلى أبى عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت إلى الأرض ، وبه من الجراح أربعة عشر جرحاً كلها قد خلصت إلى مقتل ، وقتل عدو الله مسيلمة .

 

قال ابن عمر : فوقفت على أبى عقيل وهو صريع بآخر رمق فقلت : يا أبا عقيل قال : لبيك - بلسان ملتاث - لمن الدبرة ؟ قلت : أبشر قد قتل عدو الله فرفع إصبعه إلى السماء ، ومات يرحمه الله .

 

قال ابن عمر : فأخبرت عمر بعد أن قدمت عليه خبره فقال : رحمه الله ما زال يسعى للشهادة ويطلبها ، وإن كان ما علمت من خيار أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وقديم إسلامهم رضى الله عنه .

 

- أعرابي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه :

 

عن شداد بن الهاد رضى الله عنه أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ، ثم قال : أهاجر معك ، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبياً فقسم وقسم له ، فأعطى أصحابه ما قسم له ، وكان رعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوه إليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم .

 

فأخذه فجاء به النبي صلى الله عله وسلم فقال : ما هذا ؟ قال :" قسمته لك " قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكنى اتبعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت فأدخل الجنة ، فقال :" إن تصدق الله يصدقك " .

 

فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو ، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم ُيحمَل قد أصاب السهم حيث أشار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أهو هو ؟ قالوا : نعم ، قال: " صدق الله فصدقه " ثم كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته صلى الله عليه وسلم ، ثم قدمه فصلى عليه ، فكان فيما ظهر من صلاته :" اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك " .

 

- رجل حضره أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه :

 

عن أبى بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه - يعنى أبا موسى الأشعرى - قال : سمعت أبى وهو بحضرة العدو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف " فقام رجل رث الهيئة فقال : يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟ قال: نعم ، قال : فرجع إلى أصحابه فقال : أقرأ عليكم السلام ، ثم كسر جفن سيفه فألقاه ، ثم مشى بسيفه إلى العدو ، فضَرَب به حتى قُتِل.

 

قوله :” إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف “ قال النووي : قال العلماء : معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب دخولها.

 

و المواقف الإيمانية لحظات يصدق فيها المؤمن مع ربه عز وجل ويصدق نفسه هذه اللحظات يرتفع بها المؤمن لأنه يرفع راية الله فهذا الرجل لم نقف على اسمه ولا يضيره ذلك لأنه معروف عند الله عز وجل موقفه الإيماني وصدق إيمانه كما لم نعرف اسم مؤمن آل فرعون ومؤمن آل يس ولكن المواقف الإيمانية الصادقة مدونة عند الله عز وجل يرفع بها أصحابها في الدنيا والآخرة والله تعالى يختص برحمته وفضله من يشاء والسعيد حقا من كان من أهلها فليس كل أحد يوفق لهذه المواقف التي ترفع راية الإيمان وتعز دين الرحمن .

 

فعن سعيد بن المسيب أن رجلاً سمع عبد الله بن جحش يقول قبل يوم أحد بيوم : اللهم إنا لاقوا هؤلاء غداً ، وإني أقسم عليك لما يقتلوني ويبقروا بطني ويجدعونى ، فإذا قلت لي : لم فُعِل بك هذا ؟ فأقول : اللهم فيك ، فلما التقوا فعل ذلك به ، فقال الرجل الذي سمعه : أما هذا فقد استجيب له ، وأعطاه الله ما سأل في جسده في الدنيا وأنا أرجو أن يعطى ما سأل في الآخرة .

 

وعن إسحاق بن سعد بن أبى وقاص قال : حدثني أبى أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد : ألا ندعوا الله ؟ فخلوا في ناحية فدعا عبد الله بن جحش فقال : يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلاً شديداً بأسه شديداً حرده أقاتله فيك ويقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك غداً قلت : يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول : فيك وفي رسولك فتقول : صدقت .

 

قال سعد : فقد لقيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلقتان في خيط مع عكرمة بن أبى جهل رضى الله عنه والمبايعة على الموت يوم اليرموك .

 

عكرمة بن أبى جهل :

لما كان يوم اليرموك تقدم خالد إلى عكرمة بن أبى جهل والقعقاع بن عمرو أن ينشئا القتال فبدرا يرتجزان ودعوا إلى البراز وتنازل الأبطال وتجادلوا وحميت الحرب وقامت على ساق فنادى عكرمة : قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موطن وأفر منكم اليوم ؟ من يبايع على الموت ؟ فبايعه أربعمائة من وجوه الناس وفرسانهم فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور فاستبسلوا وقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحا وأتى خالد بعكرمة جريحاً فوضع رأسه على فخذه وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه فوجدوا به بضعاً وسبعين ن طعنة ورمية وضربة .

 

مع عبد الله بن حذافة السهمي رضى الله عنه :

كان ملك الروم يسمع عن شجاعة الصحابة رضى الله عنه وصبرهم وجهادهم بما يشبه الأساطير فوقع عبد الله بن حذافة السهمي أسيراً فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا : إن هذا من أصحاب محمد صلا الله عليه وسلم فأراد أن يختبره فقال : هل لك أن تنتصر وأعطيك نصف ملكي ؟ قال : (( ولو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملك العرب ما رجعت عن دين محمد صلا الله عليه وسلم طرفة عين )) قال : إذا أقتلك قال : ((أنت وذاك )) فأمر به فصلب وقال للرماة : ارموه قريبا من بدنه وهو عرض عليه ويأبى فأنزله ودعا بقدر فصب فيه ماء حتى احترقت ودعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقى فيها وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأتي ثم بكى فقيل للمك : إنه بكى فظن أنه قد جزع فقال : ردوه ما أبكاك؟ قال : قلت : هي نفس واحدة تلقى الساعة فنذهب فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تلقى في النار في الله فقال له الطاغية : هل لك أن تقبل رأسي وأخلى عنك)) فقال له عبد الله : ((وعن جميع الأسارى ؟ )) قال نعم فقبل رأسه وقدم بالأسارى على عمر فأخبره خبره فقال عمر : (( حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة وأنا أبدأ فقبل رأسه )).

 

إن الموقف الإيمانية لا يقتصر برها ونفعها على أصحابها وحدهم بل تعم بركتها على من شاء الله من المؤمنين فتنزل بها الرحمات وتنفرج بها الكربات لأنها مواقف يحبها الله عز وجل ويحب أصحابها والمؤمن مبارك أينما كان .

 

مع سعيد بن عمرو بن زيد بن نفيل يوم اليرموك :

قال سعيد بن عمرو بن نفيل : لما كان يوم اليرموك كنا أربعاً وعشرين ألفا ونحواً من ذلك فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف وأقبلوا علينا بخطىً ثقيلة كأنهم الجبال تحركها أيد خفية وسار أمامهم الأساقفة والبطارقة والقسيسون يحملون الصلبان وهم يجهرون بالصلوات فيرددها الحبش من ورائهم ولهم هزيم الرعد فلما رآهم المسلمون على حالهم هذه هالتهم كثرتهم وخالط قلوبهم شئ من خوفهم عند ذلك قام أبو عبيدة بن الجراح يحض المسلمين على القتال فقال : عباد الله انصروا الله نصركم وثبت أقدامكم عباد الله اصبروا فإن الصبر منجية من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار وأشرعوا الرماح واستتروا بالتروس والزموا الصمت إلا من ذكر الله عز وجل في أنفسكم حتى آمركم إن شاء الله .

 

قال سعيد : عند ذلك خرج رجل من صفوف المسلمين وقال لأبى عبيدة : إني أزمعت على أن أقضي أمري الساعة فهل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو عبيدة : نعم تقرئه منى ومن المسلمين السلام وتقول له : يا رسول الله إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً .

 

قال سعيد : فما إن سمعت كلامه ورأيته يمتشق حسامه ويمضى إلى لقاء أعداء الله حتى اقتحمت إلى الأرض وطعنت أول فارس أقبل علينا ثم ثبت على العدو وقد انتزع الله كل ما في قلبه من الخوف فثار الناس في وجوه الروم وما زالوا يقاتلونهم حتى كتب الله للمؤمنين النصر .

 

عبد الله بن الزبير وفتح ‘إفريقية :

كان عدد المسلمين عشرين ألفا وعدد الكفار عشرين ومائة ألف في فتح إفريقية وكان قائد المسلمين عبد الله بن أبى سرح في خلافة عثمان رضى الله عنه ورأى عبد الله بن الزبير جرجير ملك إفريقية وراء عسكره على برذون أشهب ومعه جاريتان تظلانه بريش الطواويس وبينه وبين عسكره أرض بيضاء فاختار ثلاثين فارساً من المسلمين وأخذهم معه ثم حمل في الوجه الذي فيه جرجير وقال للفرسان الذين معه : احملوا ظهري فخرق الصف إلى جرجير وخرج صامداً له وما يظن هو وأصحابه إلا أن ابن الزبير رسول إليه حتى دنا منه فعرف الشر فثنى برذونه مولياً ولكن ابن الزبير أدركه فطعنه ودافعه بالسيف وحز رأسه ونصبه في رمح وكبر فحمل المسلمون من الوجه الآخر فانهزم العدو من كل وجه ومنح الله المسلمين أكتافهم . فهذا موقف إيماني من الفارس عبد الله بن الزبير وكما يقولون : هذا الشبل من ذاك الأسد فقد أخذ هذه الشجاعة النادرة وهذا الإيمان والثبات ورباطة الجأش من أبيه الزبير رضى الله عنه وما أكثر المواقف الإيمانية وما أكثر الأبطال في تاريخ الإسلام فهذا غض من فيض وقطرة من بحر تنبئك بشرف هذه الأمة وكرامتها وتبرهن لك على شرف الإيمان والمواقف الإيمانية .

أضف تعليقك