• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: ماجد محمد الأنصاري

بنجاح أكبر من الذي توقعته استطلاعات الرأي، عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، ليقطع الطريق على من أراد أن يشكك في استمرار شعبيته في بلاده.

ورغم ظروف اقتصادية صعبة وتلاعب متعمد بسعر الليرة والتحديات الكبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، ما زال أردوغان يتمتع بشعبية مكنته من أن يفوز من الجولة الأولى على منافسيه، رغم تحالف غير مسبوق ضده ضم «الشعب الجمهوري» و«السعادة» و«الحزب الصالح» المنشق عن الحركة القومية.

دول عربية وغربية قادت حملة قبل الانتخابات عبر الإعلام وممارسات رسمية خلف وأمام الستار لكبح جماح «العدالة والتنمية». وحتى وإن خسر الحزب بعضاً من وجوده البرلماني، لكنه ما زال يتمتع عبر تحالفه مع الحركة القومية بأغلبية مريحة.

والآن وبعد هذا النجاح الجديد للحزب والرئيس، ما هي الخطوة القادمة لتركيا؟

استطاعت تركيا تحت قيادة «العدالة والتنمية» تحقيق منجزات ضخمة، على مستوى الإصلاحات السياسية، والنمو الاقتصادي، وتعزيز بنية المجتمع. لكن بعد عقد من الإنجازات، واجهت تركيا تحديات ضخمة.  

فمن الوضع الإقليمي المتوتر، إلى حدة الاستقطاب الداخلي، والأزمات المتلاحقة سياسياً واقتصادياً، وأعداء الداخل والخارج الذين لم يدّخروا جهداً في زعزعة الاستقرار، تقف تركيا اليوم صلبة، ولكن منهكة.

والأخطر من هذا هو أن نجاح القيادة التركية في تجاوز الأزمات الأخيرة كلّف البلاد الكثير على مستوى تركيا النموذج؛ فالانقلاب الفاشل أفرز استقطاباً حاداً وإجراءات صعبة شكلت ضغطاً على الوحدة الوطنية التركية.

والآن وبعد هذه الانتخابات التي يُتوقع أن يتبعها حالة استقرار نسبي نتيجة تراجع فرص الأطراف المعارضة في الداخل والخارج، يمكن للقيادة التركية التفكير استراتيجياً في تحقيق انتقال سلس إلى النموذج الرئاسي، وتجهيز تركيا لمرحلة ما بعد أردوغان التي تلوح في الأفق مع تقدم الرجل في العمر.

النظام الرئاسي والإصلاحات الدستورية تشكل موضوعاً خلافياً كبيراً في الشارع التركي، بين من يقول إنها مجرد أدوات لتكريس سطوة أردوغان على السلطة، وبين من يعتبرها حلاً وحيداً لحالة عدم الاستقرار السياسي.

وفي كل حال، المهمة الآن أمام «العدالة والتنمية» هي إثبات نجاعة هذه الإصلاحات في تعزيز حكم القانون ودولة المؤسسات وتداول السلطة. ومن المهم كذلك تخفيف حدة الاستقطاب في المجتمع التركي، عبر حوار مجتمعي شامل، وتخفيف من الإجراءات التي تبعت الانقلاب الفاشل.

المشكلة طبعاً أن كل ذلك لن يكون سهلاً إذا استمرت المحاولات البائسة التي تقودها دول في المنطقة بتواطؤ غربي لزعزعة الاستقرار التركي. لذلك، أمام الرئيس وفريقه تحدٍّ صعب للتعامل مع هذه الأزمات الطارئة، وعدم السماح لها بأن تكون عائقاً أمام الاستقرار السياسي.

أخيراً، ينزعج البعض من الذين يفرحون في العالم العربي بنصر أردوغان وحزبه، ويسوقون الاتهامات للفرحين، من اعتبارهم سذّجاً، إلى أن إعجابهم بالديمقراطية ليس صادقاً، وحتى إن الفرح هو من منطلق تحزبي فقط.

لا شك أن الاختيار بيد الشعب التركي، وقد اختار. وربما يكون بعض ما وُصف به الفرحون في عالمنا العربي ينطبق على هذه الفئة أو تلك. لكن ما لا شك فيه هو أن «الانزعاج» العربي من فوز أردوغان ليس إلا كرهاً لمواقفه أو لمن يقف معه.

فلينزعجوا إذن كما يريدون. فالرجل وحزبه اليوم يستمرون في الحكم بتفويض شعبي جديد. ومن يفرح له، أياً كان السبب، يحتفلون بنجاحه.

وبالتوفيق لتركيا.

----

أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة قطر

أضف تعليقك